آراء
قاسم حسين صالح: انعقاد المؤتمر الأول لمكافحة الفساد في العراق
انعقاد المؤتمر الأول لمكافحة الفساد في العراق.. معالجة علمية ام اسقاط فرض؟
توطئة: اختتم المؤتمر الأول لمكافحة الفساد الذي انعقد في بغداد (14 كانون الثاني 2024)، بإصداره سبع توصيات تخص التصدي لهذه الآفة في العراق.وقال رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني ان الحكومة وضعت ملف مكافحة الفساد على رأس أولوياتها، وان الحكومة خاطبت الدول التي تتواجد فيها أموال الفساد، ودعا الى تشكيل لجان تحقيقية مع المسؤولين من المستويات كافة.
وفي ختام اعماله اصدر المؤتمر سبع توصيات بدأها بـ(الإسراع في حسم وإنجاز الإخبارات والشكاوى والدعاوى الجزائية ضمن المدد المحددة قانوناً، وخصوصاً القضايا المتعلقة بالرأي العام ومبالغ الفساد الكبيرة، وكبار موظفي الدولة؛ بغية فرض الجزاء القانوني بحق المدانين وتعزيز الثقة في إجراءات المساءلة والمحاسبة لضمان تحقيق الردع العام)، وانهاها بـ(تشريع قانون لاستحداث هيئة الرقابة، استناداً إلى أحكام المادة 108 من الدستور؛ تعزيزاً للرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية، وتنظيم إجراءات الرقابة الوقائية السابقة واللاحقة، ورفع مستويات المسؤولية والنزاهة والشفافية؛ حماية للأموال العامة).
الفساد في العراق.. اكبر من سبع توصيات!
ان اشرس المعارك التي تواجه العراق هي معركته مع الفساد، وهي مخيفة! بدليل ان رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي اعترف علنا بأنه لا يستطيع مكافحة الفساد لأنه لو كشف ملفاته لأنقلب عاليها سافلها. وحين تلاه رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وعد بأصرار بانه سيضرب الفساد بيد من حديد ثم اعترف علنا في(27 /11/ 2017) بأنه غير قادر، لأن الفساد (مافيا.. يملكون المال، فضائيات، قدرات، يستطيعون ان يثبتوا انهم الحريصون على المجتمع، وهم الذي يحاربون الفساد، ولكنهم آباء الفساد وزعماء الفساد)، ختمها رئيس هيئة النزاهة السيد حيدر حنون بتصريح في (3 /5 / 2023) بان الفاسدين (قادة، وجنود، ومشجعين يدافعون عنهم، وانهم يتسابقون على سرقة أموال الدولة)، ليؤكدوا حقيقة ان الفاسدين اصبحوا دولة داخل دولة.. تخيف أي رئيس وزراء يحاول التحرش بهم، وآخرهم السيد مصطفى الكاظمي، الذي حصلت في زمانه سرقة القرن بمليارات الدولارات! وتكتم عن كشف الحقيقة كاملة.. ما يعني ان محاربة الفساد تحتاج الى متخذ قرار شجاع وحازم وذكي واستثنائي يعتمد مشروعا علميا، وهذا ما كنا نتمناه للسيد محمد شياع السوداني، وللاسف فان المؤتمر الذي رعاه ما كان بمستوى هذه الظاهرة التي وصفها رئيسا وزراء (المالكي والعبادي) ورئيس اعلى هيئة مسؤولة عن الفساد.. النزاهة.. فضلا عن ان المرجعية بح صوتها بالدعوة الى محاسبة (حيتان الفساد)، وأن العراقيين هزجوا في تظاهراتهم منذ شباط 2011 (باسم الدين باكونه الحراميه).
تجارب العالم
في الدورة العاشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي عقدت في 12 ديسمبر 2023 أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أن الفساد لا يسرق الموارد فحسب، بل يسلب الأمل من الناس".. .(وقد سرق آمال العراقين لعشرين سنة!).. ودعا في رسالته "جميع الأطراف إلى اغتنام هذه الفرصة لتعزيز التعاون الدولي لمنع الفساد وكشفه ومحاكمته - بالشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص".
ويعد كتاب: (الفساد.. مبادرات تحسين اﻟﻨـﺰاهة في البلدان النامية) الصادر عن الأمم المتحدة بعنوان (برنامح الأمم المتحدة الأنمائ ومركز التنمية الأقتصادي في منظمة التعاون الأقتصادي والتنمية) افضل مصدر عن التجارب الناجحة في مكافحة الفساد ومنها:الهند، المكسيك، الولايات المتحدة. ومع ان تجربة ماليزيا تعد الأنجح في (الدور التنموي للدولة في مكافحة الفساد)، فأن تجربة سنغافورة تعد الأنجح والأنسب للأستفادة منها في العراق، وكان أهم عوامل نجاحها هو:
- إصدار قانون متكامل لمحاربة الفساد،
- انشاء "مكتب التحقيق في ممارسة الفساد" وقيامه بمهامه على الوجه الأمثل،
واتخاذ اجراءات ذكية لتنفيذ التشريعات التي تضمنها "قانون مكافحة الفساد" اهمها:توفر إرادة سياسية جادة وصادقة وحازمة في اقرار قانون فعاّل وعملي لمكافحة الفساد، وتأمين نظام قضائي كفوء ونزيه وسريع، وتأمين جهاز اداري مهني لتنفيذ قرارات القضاء، واشاعة الوعي بين المواطنين بان مكافحة الفساد واجب وطني وديني واخلاقي، وقد فصلنا في ذلك بمقال سابق في (الزمان).
وكان اهم درس بتجربة سنغافورة، أنها قامت بتشكيل هيئة تتبع رئيس الوزراء ويعين أعضاؤها بقرار منه بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية، تتولى دون غيرها جمع الاستدلالات والتحقيق في إعطاء سلطات واسعة لأعضاء هيئة مكافحة الفساد في الكشف عن الجرائم. ولا يحق لأي مسئول بالدولة أن يعيق أو يتداخل أو يؤثر على عملية اتخاذ القرار أو التحريات أو التحقيقات التي يقوم بها مكتب التحقيقات (Corrupt practices Investigation Bureau) الذي منحت له كامل الصلاحيات في استدعاء اي فرد مهما كان منصبه في الدولة او ثقله السياسي للمثول امامه والأجابة على اية اسئلة او استفسارات.مثال ذلك.. إذا كان أحد الأفراد مسئولاً مدنيـًا راتبه الشهري 500 دولارا ولديه سيارة BMW ولدى زوجته سيارة مرسيدس، ويمتلك منزلاً بقيمة 5 مليون دولار، فان عليه ان يمثل امام مكتب التحقيقات ويجيب عن سؤال: من أين لك هذا؟. فان ثبت ان ما لديه كان مالا غير مشروعا، فانه تتم مصادرته وتطبق بحقه قوانين صارمة تعتبر الفساد ليس فقط مجرد جريمة ارتكبها ذلك الشخص، وانما ضد من اعطاه تلك الأموال ايضا.
فهل تستطيع حكومة السيد السوداني محاسبة او مساءلة (36) ملياردير ثروة كل واحد منهم مليار دولار معظمهم كانوا فقراء، وفقا لمركز البحوث الفرنسي؟
وهل يستطيع تنفيذ ما قاله في المؤتمربانه سيتم (تشكيل لجان تحقيقية مع المسؤولين من المستويات كافة) ولو مساءلة رؤساء الوزراء من السيد نوري المالكي الى السيد مصطفى الكاظمي، بوصفهم الرجل الأول في الدولة؟
اسقاط فرض.. وامتصاص نقمة
مع توفر النوايا الحسنة للمشاركين بمؤتمر مكافحة الفساد (الذي استثنى علماء نفس متخصصين في هذا الشأن)، وصدق نوايا السيد محمد شياع السوداني، فان المؤتمر كان اسقاط فرض صيغ بمسكنات سياسية مطعمة بفيتامينات علمية، لأن ما خرج به من توصيات ليست بمستوى ظاهرة خطيرة شرسة جعلت العراق ضمن الدول الثلاث الأكثر فسادا في العالم.آملين من مكتب السيد رئيس الوزراء اطلاع فخامته على مقترحنا بما يعزز تنفيذ نواياه الصادقة في مكافحة الفساد الذي سرق آمال العراقيين لعشرين سنة!.. وسيبقى يسرقها لعشرين اخرى ما لم يضف ويعتمد ما اقترحناه الى وصاياه التي نأمل ان يطلع عليها فخامة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني.. مع خالص تمنياتنا بالموفقية.
***
أ. د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية