آراء
المسلمون كبش فداء.. في حرب المخدرات بأوروبا
لماذا أصبحت مدينة أونفيرس البلجيكية تحظى بشعبية كبيرة بين مهربي المخدرات عامة والكوكايين خاصة؟ صار هذا السؤال يتردد في الآونة الأخيرة بشكل متواصل في مختلف وسائل الإعلام البلجيكية والأوروبية، وهو في الحقيقة سؤال مشروع لأنه ينبني على أدلة واقعية ملموسة. تشير الإحصائيات إلى أن الجمارك اعترضت السنة الماضية (2022) 110 طن من الكوكايين في ميناء أونفيرس، وهو ضعف ما تم اعتراضه في ميناء روتردام بهولندا، الذي كان في الماضي الأشهر في تهريب المخدرات.
وتعزو التقارير الإعلامية والأمنية اختيار مهربي الكوكايين ميناء أونفيرس كأفضل وجهة لتهريب بضائعهم إلى جملة من الأسباب. أولها أنه منذ خمسينات القرن الماضي أصبح هذا الميناء الأول أوروبيا في استيراد الموز من بلدان أمريكا الجنوبية مثل كولومبيا والإكوادور وغيرهما، والتي تعرف أيضا بإنتاج الكثير من مخدر الكوكايين. ثم إن ميناء أونفيرس يتمتع بموقع استراتيجي في أوروبا، حيث يتوسط مختلف بلدان أوروبا الغربية، وهذا ما يسرع نقل البضائع في كل اتجاه. كما أن ميناء أونفيرس يمتد على مساحة شاسعة تقدر بأكثر من 12 ألف هكتار، ما يصعب مهمة التحكم في الحركة الهائلة التي يشهدها. بالإضافة إلى ذلك، تتوزع ميناء أونفيرس خمس محطات للشحن والتفريغ، تستقبل كل ساعة 1400 حاوية تنقل عبر الشاحنات والقطارات عبر مسافة طويلة قبل مرورها إلى خارج الميناء، ما يجعل مراقبة كل هذه الحركة المكثفة أمرا معقدا وصعبا. ويستغل أباطرة المخدرات هذه الوضعية لتهريب سلعهم والتكتم عليها داخل الميناء قبل أن تصل إلى بوابات التفتيش الخارجية.
وقد تناقلت قصاصات الإعلام أنه تم العثور في بداية هذا الشهر على 2.5 طن من الكوكايين على متن إحدى السفن البنمية، التي لم يُسمح لها بالرسو في ميناء أونفيرس بعد تهديد كاذب بوجود قنبلة فيها. ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك التهديد الكاذب بالقنبلة له علاقة بالمخدرات الموجودة على متن السفينة.
ولم يعد تأثير تهريب المخدرات يقتصر على وضعية الميناء الأمنية واللوجيستيكية فقط، بل تجاوزها إلى مدينة أونفيرس وما جاورها من مراكز ومدن صغرى. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة أونفيرس التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون نسمة تعتبر عاصمة أكبر مقاطعات منطقة الفلاندر، وهي مقاطعة أونفيرس التي تقدر ساكنتها بحوالي مليوني نسمة. ويصل عدد المسلمين على صعيد مدينة أونفيرس تقريبا 200 ألف نسمة، بحوالي 17%. وتشهد الأحياء لا سيما التي تسكنها شرائح أجنبية ومسلمة مهمة خلال السنوات الأخيرة جملة من أعمال العنف وتبادل إطلاق الرصاص بين مختلف عصابات المخدرات، إلى درجة أن ساكنة بعض الشوارع والأحياء أصبحت تعيش في خوف متواصل من هذه الوضعية الحرجة، التي لم تعد تهدد أعضاء هذه المجموعات الإجرامية فقط، بل صارت تتجاوزهم إلى المواطنين العاديين الأبرياء أيضا.
ولعل خير دليل على هذه الوضعية المزرية، هو مقتل الطفلة فردوس الأسبوع الماضي، التي لقيت حتفها جراء رصاصة طائشة خرقت باب المرآب فأصابتها وهي داخل المنزل. وتنحدر فردوس من أصل مغربي، وهي لم تتجاوز بعد سن الحادية عشر. وقد ذهبت وسائل الإعلام إلى أن هذه الجريمة الشنعاء حدثت في إطار حرب المخدرات التي تشهدها مدينة أونفيرس منذ شهور، حيث يتم تبادل إطلاق النار بين الحين والآخر بين أعضاء مختلف العصابات في بعض الشوارع والساحات، فكانت فردوس ضحية هذه الحرب، رغم أن والديها لا علاقة لهما بظاهرة المخدرات. وقد تردد أن عمها الذي يعيش في إحدى الدول الخليجية يعتبر من تجار المخدرات، لكن أسرتها أكدت أنها لم تعد تربطها أي علاقة به منذ سنوات طويلة. وقد كتبت أم الضحية فردوس: "قلب الأم يمكن أن يتحمل الكثير، لكن هذا الألم لا يطاق!"
ولم يسلم السياسيون البلجيكيون من تهديدات عصابات المخدرات، حيث حاولت مجموعة من أربعة أشخاص من هولندا، وأغلبهم من أصول أجنبية مسلمة اختطاف وزير العدل البلجيكي فنسنت فان كويكنبورن من منزله في مدينة كورترايك، حيث اكتشفت أمام المنزل سيارة بداخلها حقيبة تحتوي على أسلحة أوتوماتيكية. ما دفع السلطات البلجيكية إلى تصعيد درجة مستوى المراقبة الأمنية المشددة، وإخفاء وزير العدل المهدد والمستهدف خلال أسابيع طويلة في منزل آمن بمكان سري.
وختاما، نخلص مما سبق إلى ملاحظتين مهمتين. أحدهما أن مختلف الشرائح المسلمة في بلجيكا وأوروبا تسعى جاهدة إلى الاندماج الإيجابي في المجتمع من خلال شتى الإسهامات البناءة في العمل وعبر الدراسة والمشاركة الاجتماعية والسياسية والاستثمار الاقتصادي، غير أن هذه المجموعات المنحرفة تأتي في آخر المطاف لتحطم كل ما يبنيه المسلمون. والخلاصة الأخرى هي أن التعاطي مع المخدرات؛ تجارةً وإدمانا يعتبر ممارسة لا تمت بصلة إلى تعاليم الإسلام وثقافة المسلمين، فهي محرمة بإجماع المذاهب والعلماء، غير أن وسائل الإعلام المؤدلجة والسياسيين المناوئين يغضون الطرف عن هذه الحقيقة، ليوظفوا آفة المخدرات في النيل من دين الإسلام والمواطنين المسلمين دون أي تمييز أو استثناء.
***
بقلم: التجاني بولعوالي