آراء
رائد عبيس: ما مسارات التطبيع بعد طوفان الأقصى؟
اختلفت مواقف الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني أقليمياً ودولياً وحتى محلياً، فالدول المطبعة صارت في موقف لا تحسد عليه أمام شعوبها وشعوب المنطقة والعالم بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، لما يجمع بين هذه الدول المطبعة وبين الشعب الفلسطيني من مشتركات باتت مستنزفة ومقتولة ومهدورة ومضيعة، وهناك اعتبارات كثيرة تجمعهم أبرزها عامل الجورة والعروبة والإسلام. وهذا مرده إلى عدم الإيمان بالقضية الفلسطينية كقضية أمة عربية وقضية أمة الإسلام . وكان يُنظر لها أي القضية الفلسطينية كقضية شأن داخلي، وأنها قضية بلد، ولم ينظر له على أنه وطن له حدود جغرافية محاصرة بأسيجة الفصل العنصري، واسيجة المقاطعة العربية والحصار!
كانت هناك مؤشرات كثيرة توحي بطوفان كبير يواجه تخبط وغطرسة الكيان الصهيوني، لما تمادا به من إجرام بحق الفلسطينيين في كل مكان.
فطوفان الأقصى يعد حركة نضال مستمر منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، وقد تمثل بهذه الذروة وبكافة هذه الاستعدادات، لأنه يمثل تاريخ نضال ونصر وصبر وتضحيات .
فتاريخ التطبيع يمثل تاريخ مسار ذل، وركون، واستسلام، قد تحداه طوفان الأقصى، واحرج جميع من عمل عليه .
في البداية يجب أن نعرف ما هي مسارات التطبيع ؟ وهل يمكن اقتصارها على المسار السياسي فقط أو المسار الاجتماعي أو حتى المسار الديني والعقائدي والاقتصادي وغيره؟ وهل هناك ممكنات العيش والتعايش مع اليهود على أسس اجتماعية في الداخل الفلسطيني كما تصورته كثير من الفلسفات الاجتماعية في هذا المسار؟
نرى أن كل المسارات تلتقي في فكرة التطبيع وتطبيقها، لأن كل هذه المجالات يحتاجها المطبع والمتطبع،حتى يثبت في النهاية صواب قراره في التطبيع.
ولكن هل أدرك المطبع خطورة التطبيع وإندماج هذه المسارات على مصير بلدانهم ومجتمعاتهم وعقائدهم؟ هل أدرك المطبع مع الكيان الصهيوني خطورة تطبيعه على الأمة العربية والإسلامية ؟
هذه أسئلة يجب أن تطرح على كافة الأطراف المعينة والمحرجة أمام القضية الفلسطينية .
نرى أن التطبيع بدأ من داخل فلسطين، وقد بدأته التيارات السياسية والمنظمات المدنية في الداخل الفلسطيني، وأعني بذلك حركة فتح مثالاً والمنظمات المدنية المرتبطة بها وبعضها مدعوم من الكيان الصهيوني والمنظمات الدولية.
وقد ساعد ذلك على اندماج كثير من الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي على مستوى العمل والمصالح الحياتية الأخرى.
أما على مستوى الدول العربية والإسلامية في الجوار الفلسطيني، وأولها مصر والأردن، وعلى المستوى الإقليمي دولة الامارات، والبحرين، والسودان، والمغرب . وكانت دول أخرى تمهد لذلك، وأبرزها السعودية، ودول أخرى كانت سابقه لذلك، مثل : تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأندوسيا .
كان قرار التطبيع من قبل هذه الدول يفتقر إلى أدنى مقومات الوعي بما سيؤول إليه مصير التطبيع، ومخاطره على الأمتين العربية والإسلامية. فالمنطقة أمام عيونهم تشهد صراع عنيف وتجاذباته كبيرة، كانت لا تحتمل أي خطوة من هذا القبيل؛ لأنها لا تراعي به خصوصيات قضايا الأمة وموقفها التأريخي من قضية الأقصى، واحتلال الأراضي وقتل الأبرياء.
بعد طوفان الأقصى، وإدارة الحرب بمهارة، وقوة، ومواصلة، تمكنت بها المقاومة من ردع الكيان الصهيوني ومفاجئته بمستوى الهجوم والرد وإلحاق الأضرار يه . بدأ العدو الصهيوني يعيد حساباته في مسار التطبيع مع بعض الدول العربية . والحقيقة أن ليس العدو هو من يعيد حساباته بل الواقع الجديد للمقاومة هو من فرض عليه وعلى غيره التفكير بمراجعة حقيقية لهذه العلاقة المغلوطة.
هل غيرت عملية طوفان الأقصى من مسار التطبيع ؟ نقول نعم ولأسباب كثيرة منها .
أولاً: ما يخص الدول العربية والإسلامية المطبعة .
1- الاحراج الكبير الذي تتعرض له الدول المطبعة أمام حجم الجرائم الإسرائيلية وموقف الانسان المسلم الفلسطيني في فلسطين وغزة.
2- الشك والتشكيك بسلامة موقف الدول العربية المطبعة من ما يتعرض له الصهاينة من ضربات على يد المقاومة.
3- الموقف الدوني الذي تشعره به هذه الدول من عجزها تقديم أي مبادرة إنسانية ملموسة إلى الفلسطينية في غزة ومساعدتهم.
4- الموقف المخزي الذي تعرضت له هذه الدول أمام محور المقاومة المشرفة بالتضحية والبذل والدعم والبطولة.
5- الدول المطبعة تشعر نفسها محاصرة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني لأنها تطالبها بموقف صريح أتجاه الهجوم الفلسطيني وحركة حماس.
6- بانت على الدول المطبعة معالم الذل والخنوع والتفريط بقضايا الأمة بشكل صريح.
7- الأوقاف الشرعية في هذه الدولة تعرضت كذلك لموقف لا تحسد عليه وهي لا تتمكن من اعلان موقفها الشرعي من ذلك.
8- وكذلك الحال فيما يخص المنظمات الإنسانية والمدنية التي تدعي الالتزام الدولية لحقوق الإنسان والتي انتهكت من قبل أمريكا والصهيونية والدول الأخرى الداعمة لذلك.
أما في ما يخص الكيان الصهيوني:
فقد أعلن ذلك صراحة وعلى لسان ليئوور بن دور المتحدث باسم حكومة الكيان الصهيوني،يقول: سنراجع جميع أتفاقيات التطبيع مع الدول المطبعة وسنجمد كل ملفات تطبيع جديدة في الوقت الحالي.
وعلى ذلك فعلى جميع الشعوب العربية والإسلامية التي رضت من حكوماتها التطبيع أن تنتفض بوجها وتعيد كرامتها التي سلبتها حكوماتها فأخزتها أما كل قيم ومبادئ العروبة والإسلام وحسن الجوار.
***
د. رائد عبيس