آراء
محمود محمد علي: عملية طوفان الأقصى في ضوء نظرية المؤامرة الأمريكية
أدانت الولايات المتحدة، اليوم، الهجوم الذي نفذته حركة "حماس" الفلسطينية ضد إسرائيل، والذي شمل إطلاق آلاف الصواريخ وتسلل عدد من عناصر المقاومة التابعة للحركة، تجاه المناطق الجنوبية لإسرائيل.
ولكن في نظر الأمريكان الجيش الإسرائيلي يمتلك حوالى ٣٢٠٠ دبابه من أقوى وأحدث الدبابات في العالم، ويمتلك حوالي ١٩٦٠ طائرة من أقوى وأحدث الطائرات في العالم، ويمتلك اكثر من عشرة آلاف عربه مدرعه هي الأقوى والأحدث في العالم، ويمتلك عدد كبير من مدافع الميدان متعددة الأعيرة ذاتيه الحركة الأقوى والأحدث في العالم وكذلك عدد من منصات الصواريخ هي الأقوى والأحدث في العالم، ويضم أكثر من مليون ونصف مليون مقاتل يمكن حشدهم في خلال ثمانية وأربعين ساعه بنظام تعبئة من أقوى الأنظمة بالعالم.
كذلك الجيش الإسرائيلي يمتلك ترسانة رهيبة من أسلحه الردع تتضمن أكثر من ٣٠٠ قنبلة نووية بجانب ترسانة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وبذلك فالجيش الإسرائيلي هو أقوى الجيوش في منطقه الشرق الأوسط بأكملها، وهى حقيقه مؤكدة.
والسؤال في نظر الأمريكان: هل الجيش الإسرائيلي بكل هذه الامكانيات الجبارة بحاجة لأن تحشد أمريكا جيشها وترسله إلى إسرائيل ليشارك الجيش الإسرائيلي التصدي لحماس كما يزعمون؟
إن العقل والمنطق في نظر الأمريكان أن الحشد العسكري الأمريكي لدعم اسرائيل ليس موجها لحماس، لكنه موجه لأطراف أخرى تتوقع أمريكا أن تطور الأحداث يمكن أن يجعلها تدخل الحرب ومصر من هذه الأطراف وطبعا روسيا وإيران أيضا من تلك الأطراف.
السؤال الثاني في نظر الأمريكان: هل تصوير عناصر حماس والحرس الثوري الإيراني التي شاركت في العملية بهذه الصورة التي أظهرتهم وكأنهم جيش حقيقي يقف ندًا للجيش الإسرائيلي، بل يتفوق عليه، لدرجه أن تلك العناصر هاجمت الدبابات الإسرائيلية وأخرجت جنود الجيش الإسرائيلي منها بملابسهم العسكري وسحلتهم على الأرض، في صورة للعالم بأكمله أن تلك العناصر أقوى من الجيش الإسرائيل، وهو ما صدر صورة كاذبه للعالم أن تلك المعركة تدور بين جيشين متعادلين في القوة، بل إن جيش حماس ومقاتلي الحرس الثوري الإيراني أقوى من الجيش الإسرائيلي
فهل تلك الصورة في مصلحة فلسطين وقضية فلسطين؟
في نظر الأمريكان بالتأكيد لا، فتلك الصورة الكاذبة ستجعل العالم يتقبل أي رد فعل للجيش الإسرائيلي فهو رد فعل جيش على جيش أقوى منه أو مساوى له في القوة، وبذلك فقدت فلسطين عنصر تعاطف الرأي العام.
السؤال الأخطر في نظر الأمريكان: هل سينتج عن عملية طوفان الاقصى المزعومة تغيير في الوضع الاستراتيجي القائم قبلها؟، وهل سيتم تحرير فلسطين؟، وهل سيتم إقامة دوله فلسطينية حرة ذات سيادة؟، وهل ستجبر اسرائيل على العودة للتفاوض حول أقامه دوله فلسطينية حرة مستقله ذات سيادة؟، وهل سيتم رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة؟، وهل ستقوم اسرائيل بفك المستوطنات الإسرائيلية ونقلها خارج غزة والضفة الغربية؟، وهل ستتوقف إسرائيل عن اقتحام الاقصى؟، وهل ستعيد إسرائيل السماح بتشغيل مطار وميناء غزة؟، هل ستفرج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية مع تعهد بعدم إلقاء القبض عليهم مرة أخرى وعدم إلقاء القبض على غيرهم؟
إن العقل والمنطق وتطورات الاحداث في نظر الأمريكان إلى الآن أن شيئا من ذلك لن يحدث.. بالعكس أصيبت القضية الفلسطينية بأضرار كثيرة، بل بكوارث سيدفع ثمنها أبناء غزة (من المدنيين) وربما لبنان وسوريا بأرواحهم ودماءهم وستشتعل النيران وتهدد المنطقة بأكملها.
كذلك فإن عمليه طوفان الاقصى في ضوء نظرية الأمريكية، كان الاتفاق أن يكون هناك حجم خسائر لإسرائيل أكبر من أى تمثيليه سابقة وأن يكون هناك قتلى ومصابين وأسرى، لأن إسرائيل كانت تعانى مشاكل داخليه تهدد بانهيار إسرائيل، وكانت هناك فتنه مشتعلة بين أغلبيه الشعب الإسرائيلي وحكومته.
فكان المطلوب في نظر الأمريكان عمليه لتحقيق أربعه أهداف:
الهدف الأول: تثير خوف الاسرائيليين فينسوا خلافهم مع حكومتهم ويتوحدوا معها مرة أخرى لمنع انهيار اسرائيل.
الهدف الثاني: أن تكسب اسرائيل تعاطف العالم. فيتقبل رد فعلها العنيف باعتباره دفاع عن النفس وليس عدوان جيش قوى على شعب اعزل وهى حقيقة الموقف.
الهدف الثالث: محاوله لفرض صفقه القرن التي رفضتها مصر وتصدت لها حيث سيكون رد الفعل الإسرائيلي عنيف جدا بحيث يحول غزة إلى جحيم ويضع أبناءها في الاختيار بين الرحيل إلى مصر بحثا عن الأمن والحياه أو البقاء والانتحار في غزة.
الهدف الرابع: تصدير مشكله أبناء غزة إلى مصر بصورة قويه تصنع مشكلة كبيرة لمصر تعرقل وتربك نهضتها، بحيث تعجز عن استكمال بناء عناصر قوتها، ويمكن استغلال تلك المشكلة لصنع فتنه لاجئين داخلية بتنظيم تعاون بين لاجئين من السودان، وسوريا، وأفريقيا، وغزة، لصنع كيان غريب داخل مصر يسعى لتفجير مصر من داخلها.
وبذلك يكون الهدف قد تم فرض صفقة القرن على مصر، وتصدير المشكلة إليها، فبمجرد دخول الملايين من أبناء غزة إلى مصر، سيتقدم الجيش الإسرائيلي إلى خط الحدود ويغلقها ويمنع عودتهم، وتوضع مصر فى الاختيار: إما قبول دخول أبناء فلسطين الهاربين من الموت والباحثين عن الحياه والأمن، أو التصدي لهم، ومحاوله منعهم، فينطلق الإعلام الصهيوني والعربي، ليهاجم مصر وقيادتها، ويتهمهم بالخيانة، ويتحرك المصريين ضد دولتهم باسم الدين والوطنية
وهنا يمكن أن تتحرك أمريكا وتطالب مصر بواسطه أوروبا بفتح حدودها طبقا للقانون الدولي، وستكون حملة قوية جداً تضع الدولة المصرية فى مواجهة العالم العربي والقانون الدولي والعالم ونسبة من الشعب المصري.
وطبقا لهذا المخطط سيختلف رد الفعل الإسرائيلى هذه المرة، فلن تكتفى إسرائيل بقصف غزة، بل سيتم اجتياح برى لغزة بمبرر البحث عن الأسرى الإسرائيليين وإطلاق سراحهم وتدمير البنية التحتية للمقاومة (الإنفاق، ومخازن الأسلحة، ومخازن الذخيرة، وورش تصنيع الأسلحة والذخيرة)، وهو مبرر سيتقبله العالم أمام الصورة التي روجها الإعلام الصهيوني للخسائر الإسرائيلية والتي أقنعت العالم أن إسرائيل ضحيه لدرجة أن دول كثيرة عبرت عن احترامها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأصدرت بيانات رسميه بذلك.
ولها فإن عمليه إسرائيلية بهذا الحجم تستلزم مشاركة أمريكية كامله لضمان ألا تتدخل الدول العربية عسكرياً ضد إسرائيل وضمان عدم لجوء مصر للخيار العسكرى لمنع هروب أبناء غزة إلى مصر، ولهذا تم التخطيط أن يكون بين الأسرى الإسرائيليين أمريكيين يحملون الجنسية الأمريكية ليكون هناك مبرر لتدخل أمريكي مباشر بزعم إنقاذ الأمريكيين وحمايتهم.
وهكذا حصلت إسرائيل على ضوء أخضر من العالم للانتقام بقوة وعنف، وأعطوها المبرر لتدمير غزة ولبنان، وما تبقى من سوريا، وهكذا، أصبحت المنطقة ميدان تصفيه حسابات لأطراف خارجية، وهى كارثه فالعرب سيدفعون ثمن تحقيق أهداف لا علاقه لهم بها، وسيكونون ضحايا حرب لا علاقه لهم بها.
أتصور أن إسرائيل في ضوء نظرية المؤامرة ستوجه ضربه قويه لغزة، وربما توجه ضربه إلى لبنان، في محاوله لرفع الروح المعنوية لجيشها وشعبها، وكذلك لقطع ذراع إيران الممثله فى حزب الله والذى تهدد به إيران اسرائيل.
وأتصور أن روسيا تتمنى ذلك وكذلك إيران لتوريط اسرائيل وأمريكا فى حرب تستنزفهم... الموقف للأسف يخرج عن سيطرة الجميع، ويمكن أن يشعل المنطقة بأكملها.. وللحديث بقية..
***
د. محمود محمد علي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط