آراء
كريم المظفر: هل ستعود روسيا للتجارب النووية؟
أعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمته في منتدى "فالداي" للحوار، عن إمكانية سحب التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية CTBT، وهذا يرجع وفقا لبوتين إلى عدم وجود إجراءات مماثلة من جانب الولايات المتحدة، وانه يجب أن يتخذ مجلس الدوما هذا القرار، هذا الإعلان أثار وكما أفادت وكالة رويترز، قلق في الخارجية الأمريكية، إزاء خطط روسيا لسحب التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ونقلت عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في بيان نقلته الوكالة "نحن نشعر بالقلق إزاء مثل هذا التحرك من قبل أي دولة مشاركة، ويعرض للخطر دون داع المعايير العالمية التي تحظر تجارب التفجير النووية"، وتزعم واشنطن، بأن موسكو تريد زيادة الضغط على الدول الأخرى حتى تتوقف عن مساعدة أوكرانيا.
وبشأن الوضع الحالي للسلامة النووية العالمية، فإن العقيدة العسكرية الروسية وكما اوضحا الرئيس بوتين، تسمح لسببين لاستخدام الأسلحة النووية، "الأول هو الاستخدام ضد روسيا، أي أنها ضربة انتقامية"، والثاني هو "تهديد لوجود الدولة الروسية، حتى لو تم استخدام الأسلحة التقليدية ضد روسيا، ويعرض ذلك وجود روسيا ذاته للخطر "، بالإضافة إلى ذلك، وعن إمكانية العودة إلى التجارب النووية، وللتذكير فإن الولايات المتحدة، مثل روسيا، وقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية CTBT ، ولكن على عكس موسكو، لم تصدق واشنطن أبدًا على هذه الوثيقة، ويشدد الرئيس الروسي على أن بلاده تختبر بنجاح أنواعا حديثة من الأسلحة الاستراتيجية.
وسؤال المراقبون يكمن في مدى إلحاح الحاجة اليوم إلى تغيير القواعد الراسخة في اتجاه خفض عتبة التصعيد المسموح بها إلى "شركاء رصينين"، وهل روسيا بحاجة إلى تغيير هذا؟ ولأي غرض؟ فالرئيس الروسي، أشار في حديثه إلى أن كل شيء يمكن تغييره، وأنه لا يرى ضرورة لذلك، وفي رأيه، في الوقت الحالي “ ولا يوجد مثل هذا الوضع” الذي تواجه فيه روسيا تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، وانه أطلق على هذه التطورات اسم Burevestnik وSarmat وأن الخبراء يتحدثون عن ضرورة إجراء اختبارات نهائية، لكنه ( بوتين ) غير مستعد للقول "هل نحتاج حقا أم لا" لتنظيم مثل هذه الأحداث.
ان موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، في 24 سبتمبر عام 1996، منعت بموجبها الوثيقة، إجراء تفجيرات تجريبية للشحنات النووية، وكذلك التفجيرات النووية للأغراض السلمية، وينطبق الحظر على كافة المجالات (في الجو، في الفضاء، تحت الماء وتحت الأرض) وهو مطلق وشامل الطابع، ولكن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، لأن الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل وإيران والصين لم تصدق عليها، ولم توقع عليها الهند وكوريا الشمالية وباكستان.
الرئيس الروسي رمى بكرة المعاهدة، وإمكانية سحب التصديق عليها الى مجلس الدوما (البرلمان)، الذي أكد رئيسه، فياتشيسلاف فولودين، إن اقتراح الرئيس بوتين، سيتم النظر فيه في الاجتماع القادم لمجلس دوما الدولة، مبررا ذلك " بوجود تغير في الوضع العالمي "، والإشارة إلى أن تحديات اليوم تتطلب حلولاً جديدة، ووفقا لفولودين، فإن مراجعة وضع المعاهدة "تتوافق مع المصالح الوطنية لدولتنا"، بدوره، أكد السكرتير الصحفي للرئيس دميتري بيسكوف، أن المراجعة المحتملة لوضع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لا تعني أن موسكو تعتزم إجراء تجارب نووية، وبشكل عام، فإن سحب التصديق على معاهدة حظر التجارب النووية هو القرار الصحيح برأيه، ولم تكن جميع الدول التي تمتلك مثل هذه الأسلحة مستعدة لاتباع أحكام هذه الوثيقة، وقال السيناتور كونستانتين دولغوف من جانبه، ان "الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لم تصدق قط على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لأنها لا تريد تقييد يديها بالقيود"، ومع ذلك، فإن القرار المحتمل، إذا تم اتخاذه، لا يهدف إلى تنفيذ محاولة للتأثير على واشنطن، بل إلى ضمان أمن الدولة في روسيا، كما أن هذا الإجراء يجب أن يتوافق مع الواقع الحالي ويسمح لموسكو بتعزيز قدراتها الدفاعية بشكل كبير.
وبدورهم يؤكد الخبراء الروس، ان روسيا تتصرف دائمًا بمسؤولية كبيرة في هذا المجال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن سحب التصديق لا يعني أنها ستبدأ على الفور إجراء تجارب نووية، ولكن في الوقت الحالي، فان روسيا تفكر فقط في مثل هذا الاحتمال، ولكن لم تبدأ في تنفيذه، وتهدف التدابير الانعكاسية إلى تحقيق ذلك في ضوء سلوك الولايات المتحدة، ومع ذلك، هناك آراء أخرى، حيث يرى عدد من الخبراء أن إحجام الولايات المتحدة عن التصديق على المعاهدة خاطئ بشكل واضح، إلا أن قرار موسكو المحتمل بإلغاء التصديق، في رأيهم، يمكن أن يزيد أيضًا من المخاطر في مجال الأمن النووي العالمي، وأكد أليكسي أرباتوف، رئيس مركز الأمن الدولي في IMEMO RAS، في مقابلة مع صحيفة كوميرسانت، أن هذه الخطوة يمكن أن تساهم في تدمير "النظام بأكمله المبني حول معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية".
ويُعتقد أن سحب التصديق يمكن أن يسبب سلسلة من ردود الفعل، لأن الدول الأخرى يمكن أن تراجع وضع الوثيقة خلف موسكو، ويشار إلى أنه إذا حدث ذلك، فإن معاهدة حظر الانتشار النووي ستنهار أيضًا، لأن أحد أهم ركائز نظام عدم الانتشار هو حظر التجارب، وأنه بهذه النتيجة يمكن أن تظهر دول أخرى كثيرة في العالم تمتلك مثل هذه الأسلحة المدمرة، أما أليكسي أنبيلوغوف، الخبير في مجال الطاقة النووية، فهو أكثر تفاؤلاً، ويعتقد أن الحاجة إلى إعادة النظر في حالة مشاركة روسيا في معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ناجمة عن عدم التناسب في الأنظمة القانونية الحالية فيما يتعلق بالتجارب بين روسيا والأعضاء الآخرين في النادي النووي وأولئك الذين ليسوا أعضاء فيه.
وتنطلق واشنطن من منطق بسيط، ان كل الاتفاقيات التي تشارك فيها الولايات المتحدة يجب أن تفرض مسؤولية أكبر على منافسي أميركا، أي أنهم يحاولون تحقيق الحد الأقصى من العدو المحتمل، ويشير الخبراء أيضًا إلى أنهم ينصون في عقيدتهم للأمن القومي على أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ليس فقط في حالة وجود تهديد وجودي للدولة، ولكن أيضًا "في حالات خاصة "، وفي الوقت نفسه، لا ينبغي اعتبار مثل هذه الخطوة من جانب موسكو بمثابة استعداد سريع لبدء اختبار الأسلحة الاستراتيجية، وبصراحة، فإن الحاجة إلى هذه الاختبارات اليوم أقل إلى حد ما مما كانت عليه في الفترة السوفيتية.
ومع ذلك، فإن سحب التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية يمنح روسيا فرصة نظرية لإجراء اختبارات، وهو ما له في حد ذاته تأثير قوي على مظهر النظام الأمني العالمي، وبطبيعة الحال، يظل الحظر المفروض على إجراء التجارب في الجو وتحت الماء وفي الفضاء قائما، ولكن هذا يفتح الفرصة لتنظيم أحداث مماثلة تحت الأرض، ويؤكد أنبيلوغوف، ان هذا النوع من الاختبارات ينظمه البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وبالتالي، فإن الإنهاء المحتمل للوثيقة الرئيسية أو تقييدها سيعفي موسكو من مسؤولية الامتثال للوقف الاختياري المصاحب، وربما توافق روسيا على تنفيذ تفجيرات معزولة تحت الأرض، لذلك فإن هذا لن يتحول إلى نشاط منهجي لروسيا .
وبناء على ذلك، فإن روسيا، بسحبها التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، تعرب عن قلقها البالغ إزاء تصرفات الولايات المتحدة، وهذا القرار يمنحها الحرية في إطار أنشطة محددة لاختبار الأسلحة الاستراتيجية، إذا لزم الأمر، وتشير المعلومات الى أن شركة "Gton" تجد نفسها في دور "اللحاق بالركب" في المجال النووي، سياسيًا وعسكريًا تقنيًا، وهذا يعد تغيير خطير في وضع الولايات المتحدة، والذي يمكن أن يؤثر حقًا على نظرتها للعالم، وبالتالي فإن موسكو، وبطريقة حضارية للغاية، تلمح لخصمها حول مراجعة نوعية للحقائق القائمة، و"من المحتمل جدًا أن يكون لهذا تأثيرًا تنبيهيًا على السياسيين الأمريكيين"، في الوقت نفسه، لا داعي للخوف من أن إلغاء التصديق سيؤدي بأي شكل من الأشكال إلى تدمير نظام السلامة النووية القائم، وإن انتشار مثل هذه الأسلحة يحدث بغض النظر عن الأنظمة القانونية التي تخضع لها روسيا، وللتذكير فإن إسرائيل والهند وباكستان تلقت هذه التقنيات كجزء من التفاعل المباشر مع الدول الغربية.
ومع ذلك، لا يزال الحل المحتمل الذي تقترحه موسكو يواجه عدداً من الصعوبات، أولا وقبل كل شيء، سيخلق واقعا جديدا في إطار توازن الأمان النووي، وهو في حد ذاته غير آمن، لكن واشنطن أجبرت موسكو على هذه الخطوة، وإن عدم الرد على تصرفات الولايات المتحدة المتهورة سيكون خطأ كبيرا لا يمكن ارتكابه، في المقابل فإن القرار المحتمل، إذا تم اتخاذه، لا يهدف إلى تنفيذ محاولة للتأثير على واشنطن، بل إلى ضمان أمن الدولة في روسيا، وأن هذا الإجراء يجب أن يتوافق مع الواقع الحالي، ويسمح لموسكو بتعزيز قدراتها الدفاعية بشكل كبير، دون أن يسبب أي ضرر للأمن العالمي، وفي النهاية، فان روسيا تعلن فقط عن استعدادها لاتخاذ الإجراءات الأكثر صرامة فقط في حالة وجود تهديد وجودي للدولة، وأن خصومها الغربيون يتخذون إجراءات مدمرة حقًا فيما يتعلق بالاستقرار النووي.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر