آراء
كريم المظفر: لقاء التحدي بين بوتين وكيم أون
راقب العالم بأهتمام كبير اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والذي استمر خمس ساعات في قاعدة فوستوشني الفضائية، و أيد فيه رئيس كوريا الشمالية، موقف موسكو في أوكرانيا، وأعرب أيضا عن أمله في تعزيز العلاقات الثنائية، والسؤال ماذا يعني بالنسبة لروسيا تكثيف التعاون مع كوريا الديمقراطي؟
وخلال زيارته لروسيا، والتي من المفترض ان يزور فيها أون، أيضا المدن الروسية فلاديفوستوك وكومسومولسك و أمور، قال الزعيم الكوري الشمالي، إن موسكو صعدت إلى صراع " مقدس "ضد قوى الهيمنة من أجل حماية سيادتها وأمنها، وأعرب عن أمله في أن يقاتل البلدان دائما معا ضد الإمبريالية، وبناء دول ذات سيادة، واعرب أيضا عن ثقته من انتصار الجيش وشعب روسيا على "تجمع الشر"، الذي يحمل أوهاما حول الهيمنة على العالم، والاعراب عن استعداده لبناء علاقات مستقرة وموجهة نحو المستقبل مع موسكو.
والرئيس الروسي الذي عبر عن ارتياحه للزيارة، اكد إن المحادثات كانت مثمرة وصريحة، والتشديد على أن الحوار الثنائي تضرر بشكل كبير بسبب جائحة الفيروس التاجي، "عندما كانت كوريا الديمقراطية مغلقة بالفعل عن العالم الخارجي"، ومع ذلك، بعد مثل هذا الوضع الوبائي الصعب، سيتعين على التفاعل بين موسكو وبيونغ يانغ تحقيق اختراق آخر.
وكشف بوتين أيضا إن رئيس كوريا الشمالية الذي سيزور فلاديفوستوك بعد المحادثات، حيث يتواجد فيها وحدة عسكرية تحت إشراف وزارة الدفاع، ووجودها مرتبط في إظهار قدرات أسطول المحيط الهادئ، وبعض القضايا المتعلقة بالبيئة والتعليم، في غضون ذلك يعتقد مجتمع الخبراء، أن المفاوضات كانت بمثابة أساس متين لمواصلة تطوير الحوار بين موسكو وبيونغ يانغ، خصوصا وأن الطرفين يتفقان على العديد من القضايا الملحة، وأن تعزيز تفاعل روسيا مع الحلفاء الآسيويين سيسمح ببناء خط كامل من الرد المضاد للشركاء الغربيين في المنطقة.
وبنتائج المباحثات بين بوتين واون، فان موسكو ستواصل بناء علاقات متبادلة المنفعة مع بيونغ يانغ، على أساس مبدأ الفوائد للجانبين، على الرغم من أي صيحات وتصريحات خارجية، بالإضافة إلى ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن المباحثات التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون كانت غنية المحتوى، وانه وبشكل عام، كانت المباحثات مهمة للغاية، ولا شك في أن وصول كيم جونغ أون إلى روسيا يعتبر من الأحداث المهمة جدا من وجهة نظر العلاقات الثنائية، و إن القادة ناقشوا إمكانية إرسال ممثل لكوريا الديمقراطية إلى الفضاء.
ويرى الخبراء انه من المفيد للغاية بالنسبة لكوريا الشمالية أن تكون إلى جانب روسيا الآن، وقال ستانيسلاف تكاشينكو، أستاذ قسم الدراسات الأوروبية في كلية العلاقات الدولية بجامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، وهو خبير في نادي فالداي، لصحيفة " فزغلياد"، " إذا اضطرت موسكو في وقت سابق إلى دعم العقوبات ضد بيونغ يانغ، فمع بدايتها، فقدت كل معانيها"، وعلى ما يبدو، سيتم الآن التعاون مع كوريا الديمقراطية في عدة اتجاهات في وقت واحد، الأول دبلوماسي، حيث ستدعم كوريا الشمالية موقف روسيا على المستوى الدولي، و المجال الثاني عسكري، فبيونغ يانغ هي أكبر منتج للأسلحة.
وستبدأ الدولتان أيضا في إقامة علاقات اقتصادية، على سبيل المثال، يمكن لروسيا توفير الإمدادات الغذائية لكوريا الديمقراطية، وهذه المسألة مهمة جدا في الوقت الحالي، وقد تمنح موسكو أيضا العمال الكوريين الشماليين الفرصة للعمل في الشرق الأقصى، بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تساهم روسيا في برنامج الفضاء الخاص بكوريا، وهذا هو المجال الرابع، وليس من قبيل المصادفة أن الاجتماع عقد في قاعدة فوستوشني الفضائية.
ومن المهم أيضا أن تدعم روسيا سرد كوريا الديمقراطية حول المكون الأيديولوجي للصراع مع الدول الغربية، وبالنسبة لنظام التدابير التقييدية للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تعد روسيا جزءا منها، فإن كل شيء سيعتمد على الاتجاهات التي سيتطور فيها التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية، وإن مثل هذه البادرة الدبلوماسية ستكون بلا شك موضع تقدير في كوريا الديمقراطية، وقد اكد وزير الخارجية الروسي، في لقاء تلفزيوني، إنه تم تبني العقوبات الدولية السابقة ضد كوريا الشمالية في بيئة جيوسياسية مختلفة تماما عن الوضع الحالي، لذلك فإن روسيا لن تسمح بعد الآن بفرض عقوبات على كوريا الشمالية.
وتؤكد روسيا ان الدول الغربية كانت قد وعدت بأن يتم بالتوازي مع مسار العقوبات، تنفيذ المسار السياسي وحل القضايا الإنسانية في كوريا الشمالية، لكن تبين أن هذه الضمانات والوعود كاذبة، وهذا التنصل من الوعود يؤدي إلى إفشال محاولاتها لإصدار قرار ضد كوريا الشمالية عبر مجلس الأمن الدولي، وأشار لافروف، الى أن الولايات المتحدة رغبت في مايو 2022 بتمرير قرار دوري لمجلس الأمن الدولي حول العقوبات ضد كوريا الشمالية، لكن روسيا لم تسمح بذلك.
وبشكل عام، كان الاجتماع بين بوتين وكيم جونغ أون ناجحا، فقد أعرب الطرفان وبوضوح عن اهتمامهما بالعمل معا ودعم كل منهما الآخر، بالإضافة إلى ذلك، تسببت هذه الزيارة في الغرب بالفعل في مخاوف حقيقية بشأن آفاق التقارب بين الدول، وهو أيضا مؤشر مهم، وإن التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية يجعل المرء يتساءل عما إذا كانت موجة من القيود الاقتصادية الجديدة من الولايات المتحدة ستتبع ذلك، واذا كان الحديث عن الإمدادات الغذائية، فمن الممكن تماما أن تحول روسيا تركيز الانتباه إلى حقيقة أن هذه إمدادات إنسانية تحل مشاكل الأمن الغذائي لكوريا الديمقراطية وتلبي المصالح الإنسانية، وبشكل عام، قد لا يكون هناك تناقض جذري مع نظام عقوبات الأمم المتحدة في هذا الشأن .
وبشكل عام، يمكن وصف زيارة كيم جونغ أون لروسيا بأنها ناجحة للغاية، والمفاوضات التي جرت هي واحدة من تلك الحالات النادرة في السياسة الدولية عندما يمكن بالفعل اعتبار حقيقة الاجتماع مهمة للغاية، فعلى الرغم من مصاعب العالم الخارجي، تمكن قادة الدولتين من إيجاد وقت في جدول مزدحم للتحدث وجها لوجه، وهذا يؤكد ان العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ تزداد قوة كل يوم، ويمكن اعتبار ذروة هذه العملية تحقيق اتفاقيات بشأن إطلاق الأقمار الصناعية الكورية وشركات الطيران الروسية، وهذا يدل على أعلى مستوى من الثقة بين الطرفين، ويجلب رمزية خاصة للاجتماع في قاعدة فوستوشني الفضائية، بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه المبادرات للدبلوماسية الروسية، تعطي زخما لزيادة التعاون في إطار مثلث روسيا والصين وكوريا الشمالية، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة، إنشاء ما يسمى بحلف شمال الأطلسي الآسيوي، يصبح هذا مهما بشكل خاص وسيؤثر على توازن القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ .
الزيارة برمتها، نسفت جميع التحليلات الغربية، والقصص والخرافات التي ساغها الاعلام والمسئولين الغربيين، والتهديدات الامريكية في حال التعاون العسكري بين البلدين، وبهذا تعتزم روسيا تطوير العلاقات مع كوريا الديمقراطية في جميع الاتجاهات الممكنة، ومع ذلك، لا تزال القيود قائمة، ويمكن استخلاص مثل هذا الاستنتاج من المحادثات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، حيث تعتزم روسيا الامتثال لعقوبات الأمم المتحدة المفروضة على التعاون العسكري التقني مع كوريا الديمقراطية، على ما يبدو، فإن الجيش الكوري الشمالي لن يذهب إلى منطقة الصراع الروسي الأوكراني، وباختصار، سوف يتعاون البلدان، ولكن بطريقة لا تضر باتصالاتهما الدولية المتبقية.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر