آراء
كريم المظفر: مَن مَلَّ مِنْ مَن؟
قد يبدو العنوان غريب بعض الشيء، ولكنه يعكس حقيقة الوضع السائد الان بين أوكرانيا ورئيسها (المهرج) فلاديمير زيلينسكي، الذي على ما يبدو نسى انه ليس سياسيا محنكا ولا حتى بسيطا، ونسى انه الخطأ في السياسة واللعب مع الكبار كمن يدخل خلية "الدبابير"، ليتلقى اللسعات الغربية في كل أجزاء جسمه دون استثناء، وبين الغرب، الذي وضع كل رهاناته على "المهرج"، وتقديم وتسخير له كل الإمكانات لأكثر من 50 دولة الكبيرة منها والصغيرة، لتحقيق مبتغاهم، تدمير روسيا واسقاط النظام السياسي، وتقسيمها.
وسائل الاعلام العالمية تداولت وبشكل كبير، لصورة الرئيس " المهرج " خلال تواجده في قمة حلف شمال الأطلسي، والتي عقدت مؤخرا في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وهو يقف وحيدا منبوذا، والى جانبه القادة الغربيين يتسامرون مع بعضهم البعض، بضحكاتهم العريضة، وهو (أي زيلينسكي) يعض شفاه السفلى بغضب شديد، وعينيه تقدح بالشرار، صورة فسرها الكثيرون، بانها تنطق بالواقع الان، فقد أستنفذ الغرب " زيزو " وركنه جانبا وحقق مبتغاه، بضم فنلندا والسويد الى (الناتو)، وهما أيضا يقعان على حدود روسيا الشمالية، وإن كان ثمن ذلك غاليا.
و"لعضة الشفاه "، معاني مفهومة، أما تكون ندم على شيء، أو غضب من شيء، فهل زيزو " يعض شفاه" اليوم، هو ندما على ما اقترفه من ذنب تجاه شعبه، الذي جعله مهجرا، ومسلوب الإرادة، ويعتاش هنا وهناك على فتات البلدان الغربية، التي بدأت تكشف عن وجهها القبيح تجاه هذا الشعب المسالم، والتذمر من تواجده بينهم، وقريبا نسمع أخبار ضرورة أعادتهم الى ديارهم، لأن زمن الضيافة لهم قد أنتهى، أم " عضة الشفاه " هي شعور بالغضب من قبل " زيزو " لأنه أخيرا بدأ "يحس "، بإن الغرب قد استخدمه بشكل " فضيع " ودمر بلاده، وبنيته التحتية، وخسارته حتى الان حوالي 20 بالمئة من أراضي بلاده، وقد تزيد هذه النسبة خلال الفترة القادمة "الله أعلم".
ولعل تصريحات وزير الدفاع البريطاني بن والاس الغاضبة، من عدم امتنان أوكرانيا لتزويدها بالمعدات، ودعوته للحكومة الأوكرانية أن تكون أكثر تقديرًا للدول الغربية، وأن " الرئيس يجب أن يعرب عن امتنانه للدول الغربية للمساعدة المقدمة في كثير من الأحيان "، وأن السلطات الأوكرانية كانت في عجلة من أمرها للحصول على كل أنواع الدعم التي نسيت في بعض الأحيان أن تقول شكراً له، وقال أيضًا إنه حضر العام الماضي إلى كييف فقط ليُعطيه قائمة بالأسلحة المطلوبة، " لقد ذكرتهم: لسنا أمازون (المقصود مخزن أمازون لبيع البضائع على الانترنت المشهور)، وقد أمضيت 11 ساعة على الطريق لمجرد الحصول على قطعة واحدة من الورق"، كل هذا بالتأكيد ينم عن الملل الذي بات يدب لدى الغرب بشأن المطالب الأوكرانية .
ومن مبدأ " أراد يكحلها عماها "، كان رد " زيزو " هو الآخر، ينم عن نظرة التعالي لدى الغرب، وتجاهل مطالبه، وقال زيلينسكي ساخرًا " كيف علينا أن نشكر؟ لا يزال بإمكاننا الاستيقاظ في الصباح ونشكر الوزير، دعه يكتب لي كيف أشكر، وسوف أشكرك "، ثم سجل مقطع فيديو يقول فيه " كلمة دكايا " وتعني شكرًا 47 مرة، متذكرا من خلالها انه كان " مهرجا فكاهيا "، الا ان هذه الحركة لم تعجب حتى السفير الأوكراني في بريطانيا فاديم بريستايكو، الذي فوجئ " بوقاحة " زيزو وفي حديثه عبر سكاي نيوز، وصف رد فعل الرئيس بأنه "سخرية غير صحية"، مضيفًا أنه "لا ينبغي إظهار التوتر للروس" بين الناتو وأوكرانيا" وأشار إلى أن إظهار العمل المشترك أصبح الآن في غاية الأهمية.
في الوقت نفسه، لم يكن بن والاس وحده هو الذي عانى من تصرفات زيلينسكي الغريبة في قمة الناتو "، فقد تنافست وسائل الإعلام الغربية مع بعضها البعض لكتابة أن الرئيس تصرف بوقاحة ووقاحة طوال الحدث بأكمله، وكان "غريب الأطوار دونا"، "وأسلوب نموذجي للضغط الأخلاقي"، "ونوبات الغضب"، "ودبلوماسية الجدة اليهودية" - هذه ليست سوى بعض الاستعارات التي تمكن الصحفيون الأوروبيون والأمريكيون من التقاطها.
ولم تكن تصريحات والاس الوحيدة التي اغضبت " زيزو "، فقد أعربت رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس عن تفهّمها التام لخيبة أمل الجانب الأوكراني في قرارات قمة "الناتو" في فيلنيوس، وقالت إن "هذا كل ما يمكن أن نقدمه، لأن أوكرانيا لا يمكنها الآن أن تصبح عضوا في الحلف بسبب مخاوف الدخول في حرب مع روسيا، في حين اكدت بولندا بأنها غير مهتمة بضم أوكرانيا إلى الناتو، لأنها تريد الحصول على أراضي غرب أوكرانيا.
فالغرب لم يعتبر كلمات "زيزو" داخل قمة الناتو هي ليست وليدة اليوم، ويشيرون الى ان السلوك "الوقح" للنخبة الأوكرانية منذ فترة، ويكفي استدعاء سفير ألمانيا السابق في ألمانيا، أندريه ميلنيك، الذي أهان المستشار الألماني، علاوة على ذلك، لم تتم إدانته على هذا الفعل، بل على العكس، حصل على جائزة، مما جعله نائبًا لوزير الخارجية، ومع ذلك، تم إرساله لاحقًا كسفير في البرازيل، ومع ذلك، أصبحت الفظاظة والفظاظة جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية لمكتب زيلينسكي.
ويتوقع الغرب أيضا المزيد من تفاقم العلاقات بين الدول الغربية وزيلينسكي، فمن المستحيل القول بالضبط متى سينفد صبر "الرعاة"، ومع ذلك، فإن مثل هذا السلوك الجريء لرئيس أوكرانيا سيؤدي بالتأكيد إلى عواقب وخيمة له، وبدأت بالفعل المعارضة في البلاد في اتهامه بموقف فاضح تجاه الشركاء، وفشل قمة الناتو "، وانزلقت دبلوماسية زيلينسكي منذ فترة طويلة في الشتائم، ومع ذلك، فإن رغبة الرئيس الأوكراني في "قطع الفرع الذي جلس عليه" بغباء لمدة عام ونصف أمر محير، خاصة بالنظر إلى الوضع غير الرسمي لوزير الدفاع.
ووفقًا للمعايير المحلية، يعد والاس أحد أكثر الشخصيات موثوقية في الحكومة البريطانية، فقد ظل في منصبه في عهد تيريزا ماي وبوريس جونسون، وإنه قادر تمامًا على "تجاوز" رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، علاوة على ذلك، وفقًا لعدد من المحللين، فإن والاس، جنبًا إلى جنب مع رئيس MI6، ريتشارد مور، هم مهندسو الموقف العسكري السياسي لمكتب زيلينسكي، والذي كان الجميع يراقبه في السنوات القليلة الماضية، وفي هذا الصدد، لا يستبعد الخبراء أن استياء والاس قد يكون له عواقب طويلة المدى على الأفراد في مكتب زيلينسكي، ووفقا للأعلام البريطاني، ان فظاظة استجابة الفاسد زيلينسكي لراعيه، كمن "يعض اليد التي تطعمه"، قال.
وبشكل عام، هناك اليوم تناقضات خطيرة بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، والتي بدأت تظهر على المستوى العام، وعلى وجه الخصوص، يريد مكتب زيلينسكي أن ينضم حلف الناتو إلى الحلف، وأن يتدخل بشكل أكثر فاعلية في النزاع، في غضون ذلك، تسعى الدول الغربية جاهدة لتسليح القوات المسلحة لأوكرانيا قدر الإمكان، لكنها لا تريد تحويل الوضع إلى حرب مباشرة مع روسيا، ففي المستقبل، يمكن أن تؤدي هذه التناقضات إلى مشاكل تنظيمية خطيرة، ووالاس من وجهة نظر المحلل السياسي فلاديمير كورنيلوف، رجل عانى مرتين بسبب أوكرانيا، في البداية، اعتمد على منصب الأمين العام لحلف الناتو، ولهذا السبب أصبح عضو الضغط الرئيسي لتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالأسلحة، ومع ذلك، لم تعجب الولايات المتحدة مثل هذا الحماس، فمن وجهة نظرهم، يجب أن يكون "رئيس التحالف موظفًا هادئًا وهادئًا "، لذا فقد بن والاس فرصة عمل، والآن، الجاني الرئيسي لمشاكله، "المهرج" زيلينسكي، هو في الواقع إهانة وزير الدفاع البريطاني، متناسيا الدور الذي لعبه في دعم القوات المسلحة لأوكرانيا، وان رئيس أوكرانيا يجز "بوقاحة" الفرع الذي كان يجلس فيه منذ عام ونصف العام .
ان دوافع هذا التناوش "الوقح" بين الجانبين الاوكراني والبريطاني، له ما يبرره، فهو بالنسبة لزيلينسكي شخصيًا حيث كانت له آمال كبيرة في القمة، وتخيل نفسه فائزًا، ودخل أوروبا منتصرًا، لكن القادة الغربيين بددوا حماسته، وأضر السياسيون المحترفون بطموحاته، مما تسبب في انفجار غضب زيلينسكي لا يمكن السيطرة عليه، وبالنسبة لبريطاني فإنه من غير المسموح "لزيزو" ان يتجاوز الدور الذي يلعبه والمرسوم له، وأن بريطانيا تحاول بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي إيجاد مكان جديد في الساحة الدولية، وبدون أوكرانيا لا تستطيع فعل ذلك، ويمكنها إهمال زيلينسكي.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر