آراء
كريم المظفر: ماذا تنتظر موسكو؟
هذه الجملة "موسكو تنتظر"، أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، والذي حضره أيضا رئيس دول الأمارات العربية المتحدة الشيخ محد بن زايد آل نهيان، والرئيس الجزائري المتواجد في روسيا في زيارة رسمية استغرقت أربعة أيام، والذي وصف نظيره الروسي، بأنه صديق للعالم كله مثل الجزائر، وتواجدهم أكد بأن كل الضغوطات الامريكية تجاه الدول العربية لم تثنيهم عن التواجد في روسيا، وهو ما كشف عنه أيضا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع قناة (RT العربية)، عن تعرض دول الخليج لضغوط غربية لمنع تطور علاقاتها مع روسيا، وأكد أن هذه الضغوط لم تثمر، وباءت بالفشل.
وبلهجة واثقة، اكد الرئيس الروسي في كلمته في المنتدى، ان روسيا كانت وستبقى لاعبا على الساحة الدولية، وأن الدول الغربية التي لم ترغب في حوار روسيا، لكنها ستفعل، وأن موسكو تنتظر متى، وحول ماذا ستتحدث معهم، وقال "فيما يتعلق بما إذا كنا بحاجة إلى الحوار معهم أم لا، أكرر مرة أخرى، أننا لم نرفض هذا الحوار، هم الذين قرروا مقاطعتنا"، مضيفا في الوقت نفسه "إذا كانوا لا يريدون التحدث فلا داعي لذلك، لكنهم سيريدون الحديث معنا، وستنظر روسيا في متى، وحول ماذا ستتحدث معهم".
ويرى بوتين ان " الشركاء " هم الذين تخلوا بشكل رسمي عن التسوية السلمية، وهم من وقعوا الاتفاقيات وصرحوا علنا بأنهم كانوا يخادعون، وان استخدام روسيا لقواتها المسلحة هو لوقف هذه الحرب، التي أخذ البريء فيها بجريرة المذنب، ورغم ان الغرب يبذل قصارى جهده لـإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة، لكن هذه محاولات محكوم عليها بالفشل، وقال " اننا وضعنا صوب أعيننا تدمير الآلة العسكرية الأوكرانية والقضاء على النازية " .
والتغيرات التي يشهدها كل أنحاء العالم وكافة القطاعات الأساسية، كما يراها الرئيس بوتين، هي عميقة وجذرية ولا رجعة فيها، وأضاف ان "النظام القبيح للاستعمار الجديد في جوهره قد زال وجوده، ونظام العالم متعدد الأقطاب يتعزز، معتبرا ذلك "عملية حتمية"، وأكد بوتين أن روسيا كانت وستبقى لاعبا على الساحة الدولية، وان لدى روسيا بعض الأعداء إلى جانب الأصدقاء، وهؤلاء تعودوا على الهيمنة والاستغلال، ولا يرغبون في أن تكون لدى الدول الأخرى أنظمة بنكية ولا يرغبون بأي منافسة، ويكبحون مراكز التنمية والتطور، مشيرا إلى أن موسكو ستساعد في البرامج الغذائية للدول الإفريقية التي تعاني من الفقر.
وتفاخر الرئيس الروسي بما تقدمه الصناعة العسكرية في بلاده في ظل هذه الظروف الصعبة، وشدد انه على الرغم من ان الغرب بذل قصارى جهده لألحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة، لكن كل الأسلحة في أوكرانيا تأتيهم من الخارج، ولن يستمر هذا الأمر للأبد، ولكن " مصانعنا تعمل ليل نهار، ولدينا احتياطي كبير من الأسلحة والذخيرة "، وان خسائر الجانب الأوكراني للجانب الروسي تبلغ 1 إلى 10، ووزارة الدفاع الروسية ستكشف عن الأرقام، لكن الأكيد أنه لا يوجد أي نجاح للجانب الأوكراني .
وفي الجانب الاقتصادي، جاءت كلمات الرئيس الروسي "مخيبة " للآمال الغربية، الذي يحاول بكل صوره واعلامه " المزيف " بان يعطي الصورة الغير حقيقية عن الواقع الاقتصادي في روسيا، وكشف بوتين، ان شدة العقوبات الغربية كانت في الربع الثاني من العام الماضي 2022، والذي كان الأصعب بالنسبة لروسيا، بعدها تطورت الأمور بسرعة واليوم الناتج المحلي زاد بنسبة 3.3% في أبريل الماضي، ومؤشرات الصناعات التحويلية بلغ 2.9% والتضخم في روسيا الآن أقل بكثير من دول في الغرب، وهو عند 2.2% في سابقة تاريخية، وان التضخم في روسيا الآن أقل بكثير من دول عديدة في الغرب ودول الاتحاد الأوروبي، وهو عند 2.2% في سابقة تاريخية.
وحول تأثيرات " مغادرة " الشركات الغربية الأسواق الروسية، وبيع أصولها، اكد الرئيس الروسي، بان روسيا لم تطرد أحد من أسواقها، ولكن كان الاعتماد دائما على إتاحة الفرصة في الاختيار ودراسة الأسواق، وكل العلامات التجارية التي تبيع بضائعها هنا، هي بضائع روسية بعلامة تجارية أجنبية، لهذا لم يتوقف الإنتاج، ولكن تغيرت العلامة التجارية فحسب، وان هناك 90 ألف مبادرة للحصول على علامات تجارية، والطلب الآن هو عدم السماح بعودة الشركات الغربية .
واهتمت روسيا بشكل كبير في تطوير وسائل النقل، خصوصا وان السكك الحديدية سهلت من وجهة نظر الرئيس الروسي، الوصول إلى الشرق الأقصى، وقللت من أزمة السير، وسهلت الوصول إلى دول آسيا، كما وغيرت الحكومة من برنامج بناء السفن، حيث ضمن إطار هذا البرنامج في عام 2023-2027، يخطط بناء أكثر من 2600 سفينة جديدة، إضافة إلى بناء سفن للأسطول البحري الشمالي، وحوالي 34 مليون طن زادت في هذا العام، وسوف تزيد أضعافا في العام القادم، ما يدل على أهمية تطوير هذه الطرق من المواصلات، في غضون ذلك قامت روسيا أيضا بتطوير شبكات الاتصال، تم مد حوالي 300 ألف كيلومتر من خطوط الاتصالات، وتم توصيل الإنترنت لخمسة ملايين مستخدم إضافي العام الماضي .
وفي ظل هذه الظروف نشطت أيضا السياحة الداخلية، وزادت بشكل ملحوظ، ففي 2022 زادت إلى 16.7%، ما يمثل 10 ملايين شخص كانوا يقومون برحلات داخل البلاد، الامر الذي سيسهم حتما في تطوير قطاع السياحة، وكذلك ضرورة زيادة العمل عن بعد، لا سيما في الأقاليم التي يصعب الوصول إليه، وقد رفع حسب قول بوتين مؤشر القيمة المتوسطة للدخل ليصل إلى 6.3% ليصل إلى 18.5% في العام 2024 ليكون أعلى من نسبة التضخم في البلاد.
وشدد الرئيس الروسي أيضا على ان الدول الرائدة التي لا تخضع للضغوطات الغربية، فقد زاد حجم التعاملات معها، والآن أصبحت الأسواق الاقتصادية تعمل بشكل أكبر مقارنة بالتغيرات السياسية، وان النظام الاستعماري القديم بدأ يزول لصالح عالم متعدد القطبية، مشيرا الى ان لدى روسيا بعض الأعداء إلى جانب الأصدقاء، وهؤلاء تعودوا على الهيمنة والاستغلال، ولا يرغبون في أن تكون لدى الدول الأخرى أنظمة بنكية ولا يرغبون بأي منافسة، ويكبحون مراكز التنمية والتطور، ولفت إلى أن السلطات الروسية تطور آليات جديدة للحسابات الحسابات العابرة للحدود، وفتح حسابات للشركات الأجنبية، وقال إن "التغيرات في العالم تحمل طبيعة جذرية لذلك يجب المضي قدما، نحتاج إلى سياسة اقتصادية استباقية"، وأن حوالي 90% من التجارة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (روسيا، بيلاروس، كازاخستان، أرمينيا، قرغيزستان) تتم بالعملة الروسية الروبل.
ان جني الأموال في روسيا وإيداعها في حسابات أجنبية بات أمر غير مقبول وفقا للرئيس الروسي، لأنه برأيه لم يكن أحد يفكر في أن انتهاكات قوانين الملكية في الغرب ستصل إلى هذا الحد، وهذا يعيدنا للقرون الوسطى، لأنها سرقة بعينها، ولا تفسر غير ذلك، وطالب بوتين مجلس الوزراء الروسي، بالإسراع بإعادة الأصول الروسية في الصناعات الرئيسية إلى الولاية القضائية المحلية، واقترح في الوقت نفسه عفوا عن الانتهاكات القسرية للعملة، والتي ارتكبت خلال فترة التجميد، لإن اقتصاد المبادرات يتطلب زيادة القدرات الصناعية وتعزيز البنى التحتية واستخدام التقنيات الحديثة، وبناء مجالات صناعية جديدة، وحتى تلك القطاعات التي لم تظهر سابقا فلديها الآن فرصة، وهو ما يتطلبه اقتصاد المبادرات، وضرورة تطوير وتحديث آليات التصدير لتكون أكثر مرونة وسهولة لقطاع الأعمال، وقال "نحن اليوم نخرج إلى أسواق صديقة، نحتاج أن نتكيف معها من خلال ضمان وتأمين البضائع، ودعم المنتجين والمصدرين، وإعطائهم مزيدا من الضمانات".
***
بقلم: الدكتور كريم المظفر