آراء
أستراليا النووية ونهاية المساكنة مع الصين
[صفقة أوكس "أسوأ صفقة في التاريح"
بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي الأسترالي ألأسبق]
مؤخرا بدأت تظهر الى العلن تصريحات للمسؤولين استراليين عن التغييرات في الوضع الجيوستراتيجي في العالم وخصوصا في منطقة الباسيفيك، وما كان يهمس به أصبح لازمة وكأن أستراليا ذاهبة الى الحرب اليوم قبل الغد او غدا قبل الذي يليه.
يلعب الإعلام دوراً محورياً في عملية التعبئة وفي تأجيج نيران العلاقات المضطربة بين الصين وأستراليا وقرع طبول الحرب ضد الصين.
فمنذ اسبوعين نشرت صحيفتي ذي سدني مورننغ هيرالد والايج وفي وقت واحد عنوان ملفت (ذي ريد آلرت) الانذار الأحمر في سلسلة من ثلاث حلقات وتوقعت الصحفيتين عن إمكان دخول أستراليا الحرب في العام 2025 في حال قامت الصين بغزو تايوان.
اقامت الصحيفتين ندوة عن الوضع في المنطقة وكان محور الندوة هل أستراليا جاهزة في حال وقعت الحرب وماالتهديدات التي تواجه أستراليا ، وما هي الثغرات في استعداداتنا، وما يجب أن نفكر في القيام به ردًا على ذلك؟
تحدث في الندوة التي نظمتها الصحيفتين 5 من الخبراء العسكريين في كافة المجالات وكلهم من الذين يملكون وجهات نظر معادية للصين كما قال بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي ألأسبق والخبراء هم ليزلي سيبيك، ميك ريان، آلن تنكل، ليفانا لي وبيتر جيننغز، وكان لكل منهم وجهة نظر في مجال إختصاصه.
التقت وجهات نظر المجموعة على انه على أستراليا الاستعداد لما قد تحمله الايام والسنوات القادمة من تحديات وفي بيانهم المشترك قالوا: "لم تكن العقود الأخيرة من الهدوء هي القاعدة السائدة في الشؤون الإنسانية ، بل كانت انحرافًا". "عطلة أستراليا من التاريخ قد ولت".
إذنن لماذ تعزيز القدرات العسكرية ألأسترالية؟
أستراليا تنفق حاليآ 2% من الدخل القومي على النفقات العسكرية ما يوازي 40 مليار دورة ومن أجل سد الفجوة هناك دعوات لمضاعفة الإنفاق العسكري الى 4% اي 80 مليار دولار مع ان الحكومة تقول أن الإنفاق لن يتجاوز 2.5%.
ما كان يدور خلف الابواب المغلقة أصبح على كل شفة ولسان سواء كان من مؤيدي او معارضي الحرب والتي قد تقع مع الصين في حال قررت الصين غزو تايون لإعادتها الى الوطن الأم، مع العلم أن سياسية الحكومات الأسترالية المتعاقبة (عمال واحرار) هي الإعتراف بالصين كدولة واحدة وهو ما يطلق عليه البعض (الغموض الأستراتيجي)، والجدير ذكره أن زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون (أحرار) كان قد قال عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة موريسن أن استراليا ستدخل الحرب الى جانب الولايات المتحدة في حال نشوب الحرب مع الصين.
حكومة العمال والتي جاءت الى الحكم في أيار الماضي تحاول جاهدة ترميم العلاقات مع الصين، والتي كانت تدهورت في عهد حكومتي مالكوم تيرنبول وسكوت موريسن بسبب مطالبة أستراليا التحقيق في مصدر كوفيد 19، بالاضافة الى منع شركة هواوي من بناء الجيل الخامس من شبكة الاتصالات وغيرها من القضايا والتي ادت الى رد فعل عنيف من الصين التي فرضت عقويات اقتصادية على أستراليا بقيمة 20 مليار دولار بعد ان أوقفت استيراد الأخشاب والشعير والفحم والمأكولات البحرية وغيرها من المواد الأولية والزراعية.
نفسها الحكومة والتي ورثت من حكومة موريسن إتفاقية أوكس لا تزال ماضية في تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكان آخرها الإعلان عن صفقة الغواصات التي ستشتريها أستراليا وبكلفة 368 مليار دولار خلال الثلاثين عاماً القادمة.
بالإضافة الى اوكس تعمل حكومة العمال على تعزيز تحالف الكواد مع الولايات المتحدة واليابان والهند التي زارها رئيس الوزراء أنطوني البانيزي ألأسبوع الماضي لتوقيع إتفاقيات تجارية، وقد أعلن البانيزي من الهند أن أستراليا ستستضيف عمليات عسكرية مع الهند واليابان والولايات المتحدة في مناورات (مالابار) قبالة سواحل مدينة بيرث ألأسترالية في أغسطس آب القادم.
كيف كانت ردود الفعل على صفقة الغواصات النووية والكلفة الباهضة؟ وكيف سيتم تأمين هذا المبلغ الضخم؟ وأين ستتخلص أستراليا من النفايات النووية؟ وهل توجد طواقم أسترالية لتشغيل تلك الغواصات وهل توجد بنى تحتيه لإستقبالها؟ وهل يعني شراء تلك الغواصات تخلي أستراليا عن إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية؟ وغيرها من الأسئلة وما ذا عن الشفافية الحكومية بشكل عام ؟
أولاً نشير إلى أن الصفقة تحظى بدعم الحزبين الكبيرين العمال الحاكم والمعارضة المؤلفة من تحالف حزبي (الاحرار- الوطني).
رئيس الوزراء انطوني البانيزي قال أن الصفقة سوف تؤمن قرابة 20 ألف وظيفة، وقال أن استراليا سوف تشغل تلك الغواصات وبطواقم أسترالية، واضاف أن أستراليا لن تتنازل عن سيادتها بهذا الخصوص، وهذا ما أكده وزير الدفاع ريتشرد مارلز مدافعاً عن الصفقة، وقال إنها لا تعني أننا ذاهبون الى الحرب ولكنها لتعزيز الردع والسلام. ورفض وزير الدفاع الإفصاح عن كلفة صفقة الغواصات وتهرب من الإجابة عدة مرات في برنامج انسيدرز على اي بي سي 19/3/2023 لانه لا يملك الإجابة الشافية والتي قد تتجاوز مبلغ 368 مليار دولار.
بيتر داتون زعيم المعارضة الفيدرالية قال إن تامين هذه الصفقة مهم لحاجات أستراليا الدفاعية، ولكنه تحفظ على قيمة وكلفة الصفقة وأضاف انها ستكون على حساب النفقات العسكربة الاخرى، وقال إنه سيعطي رأية بهذه الكلفة بعد إجتماع مجلس الحزب وكان هذا الموقف أول خروج عن تأييد الحزبين غير المشروط للصفقة كما تقدم.
حزب الخضر حذر من ان تامين هذا المبلغ الكبير سيكون على حساب إقتطاع نفقات الصحة والتعليم وهدد بأنه لن يدعم عمليات الإقتطاع في البرلمان.
الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية هيو وايت رأى أن إنشاء أسطول أكبر من الغواصات التقليدية أفضل من الغواصات النووية الثمانية.
الرد الأعنف على الصفقة كان من جانب رئيس الوزراء العمالي الأسبق بول كيتنغ الذي إستضافه نادي الصحافة الوطني الأسبوع الماضي، فشن هجوماً غير مسبوق وعرى حزب العمال وسياسته اتجاه الصين والتحالف مع أميركا وبريطانيا، وسمى بالأسماء كل من وزير الدفاع ووزيرة الخارجية واتهمها بانعدام الرؤية ولم يوفر رئيس الوزراء على عقد تلك الصفقة، واعتبر هذه السياسة الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى والتي تم فيها تجنيد الشباب اجباريا للذهاب إلى الحرب، وقال اننا سوف ندفع وحدنا تكاليف الصفقة والتي تقدر ب368 مليار دولار لدعم الصناعات العسكرية الاميركية والبريطانية ووصف اوكس بأنها أسوأ صفقة بالتاريخ.
واعتبر كيتنغ بأنه من غير المنطقي إعتبار ان الصين تستطيع احتلال أستراليا هذا اذا كانت هذه النية موجودة.
وقال بأنه لا ينبغي أن تنجر أستراليا إلى صراع حول مستقبل تايوان.
وهاجم الصحافة الفارغة والمضللة ولم يوفر حتى أجهزة المخابرات.
تصريحات كيتنغ فتحت النقاش على مصرعيه حول الصفقة، رئيس الوزراء دافع عن سياسة حكومته واتهم كيتنغ بأنه لا يزال يعيش في تسعينات القرن الماضي وكذلك فعلت وزيرة الخارجية بيني وونغ.
ودعم تصريحات كيتنغ بيتر غارث الذي كان وزيراً للبيئة في حكومة كيفن راد العمالية ووضف أوكس بالصفقة (النتنة) وكان موقف مؤيد لتلك المواقف من بعض نقابات العمال المهمة والتي ترفض أن يشارك أعضاءها في العمل في موانئ تستقبل غواصات تعمل بالطاقة النووية.
النائبة المستقلة عن مقعد فولر في سدني أيدت تصريحات كيتنغ بقوة معتبرة أنه ليس من الحكمة إنفاق مبلغ 368 مليار دولار غلى أصول لن تؤثر عللى الأستراليين العاديين.
سكان منطقة بورت كمبلا والتي يعتقد أنها ستكون المرفأ الذي سيكون مركز الغواصات اعربوا عن سخطهم وغضبهم من تلك الخطوة والتي تشكل خطراً صحياً وانهم لا يرغبون بأن تكون القاعدة هناك.
الملفت في ألأمر أنه لم يصدر موقف معارض للصفقة أو مؤيد لتصريحات كيتنغ من أي من الوزراء والنواب العمال الحاليين رغم وجود حزبيين مؤيدين وبقوة لتصريحات كيتنغ.
مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء السابق (أحرار) أصرعلى أنه كان من الأفضل الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية من فرنسا لأنها ستكون أرخص ، وتكون في بالخدمة في وقت مبكر من الغواصات الاميركية والبريطانية ولا تستخدم إلا اليورانيوم المنخفض التخصيب.
وتساءل تيرنبول عما إذا كانت المملكة المتحدة على مستوى أن تكون شريكًا طويل الأجل في المشروع نظرًا لأن اقتصادها "المريض" غارق في "مشاكل وجودية أساسية.
نشير هنا الى أن حكومة تيرنبول كانت قد وقعت عقد شراء الغواصات من فرنسا والتي الغاها خلفه سكوت موريسن (أحرار) بضغط من الولايات المتحدة لصالح أوكس والتي أدت أي عملية الإلغاء الى توتر العلاقات الفرنسية الأسترالية واتهام الرئيس الفرنسي ماكرون لموريسن بأن كاذب.
الرد الخارجي الأعنف جاء من الصين التي اعتبرت ألإتفاقية طريق خطر وخاطئ وازدراء كامل لمخاوف المجتمع الدولي واعتبرت الصين أن هذه ألاعيب لا تؤدي إلى نتيجة.
واتهم أليكس لو المحرر في صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصحف الأسترالية "بصب المزيد من الوقود على النار" في وقت مضطرب للعلاقات بين أستراليا والصين وأضاف لو: "إن شريحة كبيرة من مؤسستها السياسية تهلل الآن بسعادة للحرب مع الصين" مع ان النهاية "لن تكون خيراً لأي شخص".
من جهتها روسيا أدانت الاتفاق وركز وزير الجارجية الروسي سيرغي لافروف على الطبيعة «الأنغلوساكسونية» للبلدان الثلاثة.
ويبقى السؤال الذي لا بد من طرحه أين هي الشفافية الحكومية ولماذا لم تعرض الحكومة خطتها على البرلمان بمجلسيه ( النواب والشيوخ) في جلسة مغلقة وسرية وإطلاعهما على نوياها قبل ان تلزم البلاد بهكذا صفقة بتكلفة 368 مليار دولار! والتي حتى المعارضة الفيدرالية المؤيدة بقوة للصفقة تتروى لإعلان موقفها من تكلفة الصفقة كما قال زعيمها بيتر داتون؟
أخيراً، هل تكون صفقة الغواصات المسمار الأخير الذي دق في نعش العلافات الأسترالية الصينية وتنهي علاقة المساكنة بين البلدين؟!
***
عباس علي مراد - سدني