آراء
صلاح حزام: حجم الحقيقة في تفسير ما يجري في المجتمع العراقي
الظواهر السلبية التي ظهرت في المجتمع العراقي منذ بداية الاحتلال عام ٢٠٠٣ والى الآن والتي تعتبر جديدة على المجتمع العراقي وتثير المخاوف والتساؤلات، تختلف الآراء في تفسير اسبابها .
الا ان الملاحظ هو طغيان نظرية المؤامرة واتهام جهات مختلفة بأنها تريد تدمير العراق وتمنعه من التقدم..
ونادراً ما يصدر رأي علمي هاديء يقدم تفسيراً منطقيا ً وعلمياً لما يجري بعيداً عن المؤامرات.
اليس ممكناً ان يكون ذلك الانفلات ناجماً عن عقود من الكبت والتضييق والحياة الصعبة ومخاطر الحروب وعذاب الحصار؟.
متى عاش العراقيون بارتياح وهدوء وتنعّموا بالحياة؟
قالها الرئيس السابق ذات مرة ومن على شاشة التلفزيون، باننا نستطيع جعل العراقيين يتمتعون برفاه دول الخليج، ولكننا نريدهم ان يعتادوا الحياة الصعبة لكي يستطيعوا انجاز المهام القومية التي تنتظرهم !!
اذن فلقد كان التضييق سياسة مخططة ادت الى هذا الكم من العذاب الاجتماعي والحرمان من منتجات التكنولوجيا الحديثة بحجة الدواعي الامنية .
والآن وبعد الانفلات الذي اعقب الاحتلال، هل يمكن مطالبة الاجيال الجديدة بنوع من الانضباط؟
وماهي مقاييس الانضباط ومن الذي يحددها؟
هل كان لدينا بناء منهجي متدرج لمنظومة قيم متفق عليها؟
هل لدينا احزاب تمتلك تراث ثقافي وفكري يغطي كل جوانب الحياة ويدخل في المناهج التعليمية وفي المنتجات الثقافية التي تشكل الوعي المجتمعي؟
هل كانت لدينا مؤسسات ثقافية مستقلة بعيداً عن تدخلات السياسيين وميولهم الايديولوجية ؟
هل كانت لدينا ثقافة مستقلة او دور نشر مستقلة او مسرح او سينما مستقلة؟ هل كانت لدينا منظمات مجتمع مدني ونقابات وجمعيات مستقلة؟.
في فترة ما من تاريخ العراق اضطر حتى المطربون والشعراء والملحنون الى الهرب من العراق لانهم كانوا يُجبرون على الأداء ضمن سياق ايديولوجي تحدده الدولة والحزب القائد.
وعندما انهار النظام وانهار البلد وانهارت مؤسسته الامنية وغيرها من المؤسسات. لم يجد الجيل الجديد امامه سوى ما سمح به الاحتلال من تدفق فوضوي للأشياء المختلفة، المادية والمعنوية والقيمية!
حاجات الناس مختلفة وامزجتهم مختلفة وتطلعات الشباب ايضاً متنوعة ولايمكن أخضاعها الى قوالب حكومية قسرية لان ذلك سوف يخلق شخصيات مزدوجة تتظاهر بالانصياع لرغبات النظام لكنها تخفي اموراً أخرى.
يبدو ان البعض يرى ان اليتم والترمل والاستغلال والفقر والجوع والحرمان ومشاهد العنف والانفجارات والاغتيالات، ليس لها تأثير على توجهات الناس لاسيما الشباب منهم ..
كما يبدو ان البعض يعتقد ان انغلاق الأفق وانعدام فرص العمل.
لاتؤثر في بناء الشخصية!
ارجو ان لايساء فهمي في هذا المنشور، فليس القصد استبعاد الأثر الخارجي في مايحصل في العراق سواء من قبل الدول الاخرى او اجهزة الاستخبارات او العصابات او الشركات الخ..
ولكني اردت القول ان العامل الخارجي ليس هو المسؤول وحده عما حصل بل ان العوامل الداخلية الموروثة والحالية تلعب دوراً فاعلاً في ذلك اضافة الى العوامل الخارجية والمؤامرات، بالطبع.
***
د. صلاح حزام