آراء
علجية عيش: زلزالُ سوريا.. جُرْحٌ ينزفُ
هل سترمم البرجوازية السورية ما دمره الزلزال؟
تشير دراسات أنه طالما عبرت سوريا عن ضمير الوجود العربي كله ولخصت عصارة تجربة الأمة العربية منذ قرون بعيدة وتمكنت من أن تتجاوز كل المحن، فالدعوة العربية أيام الدولة العثمانية تزعمها ابناء الشّام ونخبته وعلى راسهم المفكر الحلبي عبد الرحمان الكواكبي ودعوته إلى الفكرة العربية، لا شك أن زلزال سوريا سيجعل حكامها والقادة السياسيين النظر في كثير من المواقف التي تبنتها الشعوب من اجل تحقيق الوحدة العربية بل القومية العربية، فسوريا اليوم في حاجة إلى كل السواعد العربية لنجدتها وإخراجها من أزمتها
لا تزال آثار الدمار الذي لحق بالشعب السوري إثر كارثة الزلزال التي حلت به ومقتل آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، يحاول السوريون أن يتجاوزوا المحنة التي ألمت بهم ولعل لا يشعر بحجم الجرح إلا من عاش هذه الأحداث ولا شك أن الجزائر غير بعيدة عن الألم والوجع لكونها واجهت عدة زلازل وخسرت المئات من مواطنيها، ولذلك يشعر الجزائريون بالوجع السوري، فما حل بالشعب السوري ألم فوقه ألمٌ فهي لم تكن ذات يوم في منأى عن الخطر، كان نضالها موضوعا على الرفّ منذ فجر استقلالها، لكن التسميات فقط تتغير، تارة باسم القومية العربية وتارة أخرى باسم الثورة الديمقراطية والبرجوازية، هي في الواقع نوع من أنواع الانتهازية وأخطر انواعها هو المُقَنَّعُ منها، لم تستكمل سوريا تحررها الوطني المعنوي بعد فمن ثورة إلى ثورة وفي كل ثورة تجد بداخلها ثورة، ومن كارثة إلى أخرى أيضا، إذ نجدها تواجه العواصف تارة بشكل فردي وتارة بدعم جماعي، م تخرج سوريا من الحرب الأهلية حتى يستيقظ شعبها على دمار من نوع خاص، وهو اشد خطرا هكذا يقول منظري الثورات العربية.
الزلزال كارثة طبيعية وليس استعمارا، كارثة يستوجب الاستسلام لها بقلوب راضية بقضاء الله وقدره لأنه حتمية ولعل هذه الكارثة فيها خير، قد تستيقظ فيها الضمائر العربية وتتراجع فيها الأنظمة المستبدة عن مخططها التطبيعي لضرب القومية العربية، قد تعيد اللحمة بين الشعب السوري ونظامه، فيه ينقلب ميزان القوى لمصلحة الشعب، حسب المنظرين في الثورات العربية فقد عاشت سوريا على غرار بلدان عربية اخرى ثورات وصراعات غذتها الانتهازية فيما يسمى بالبرجوازية الوطنية التي كانت في مواجهة مع البرجوازية الكبيرة وكبار الملاكين ورجال الأعمال، لقد كانت الانقسامية في أبشع صورها، انقسمت فيها الجماعة إلى جماعات اختصر اسمها في عبارة "الطائفية"، كانت الأقلية تسعى إلى تجاوز حالة الاستبداد ليس في سوريا فقط، بل في كل ربوع الوطن العربي، وعلى غرار بعض الأنظمة العربية عرفت سوريا فئات سلطوية شهدت صراعات مع المستضعفين وهم الأقلية.
في هذا الزلزال لا يوجد رابح وخاسر، كنا لا يوجد مستكبر ومستضعف فالكل في دهليز واحد بعد سقوط المباني وتراكم الردم، تحولت المباني إلى شبه مغارات تحتها مواطنون عالقون، منهم من مات ومنهم من يبحث عن منفذ للتنفس أو للنجاة، الذي يميز الشأن السوري عن بقية الشعوب هو أن مثقفيها لا زلوا يحملون لواء الثقافة البرجوازية ويريدون إدماجها في ثقافة الإقطاع، وهم بذلك يعتبرون حلفاء لأي استعمار,.
الواضح أن كل شيئ مبني على الاقتصاد والثروة، وبدون الثروة لا يمكن تحقيق السيادة الكاملة، ولا شك أن هذ الزلزال خيب آمال البرجوازية السورية، التي هي مطالبة اليوم باستعادة ما خسرته في هذه الكارثة، في هذا الجانب يقول محللون أن الحكومة السورية في ظل هذه الكارثة تحتاج إلى معجزة كمعجزة إرهارد،الذي يعتبر أب المعجزة الاقتصادية في المانيا، والذي مكن ألمانيا من الخروج من أزمتها بعد الحرب، ما يجعلها تفتح الباب على مصراعيه للبرجوازية كما فتحته في مشروع اللاذقية، رغم أنها لم تكن يوما مثل بعض الدول (بقرة حلوب)، فإذا كانت سوريا تعاني منذ الطرابلسي وخالد العظم من العجز في القطاع الإقطاعي وحتى في عهد حافظ الأسد في ظل الحرب الطائفية القائمة بين السُنّة والشيعة،، فهي تعاني اكثر بعد الكارثة الطبيعية التي حلت بها، وكما يقال، لكل حُكْمٍ اسراره ولكل رجلٍ دوره، ولكل زعيم عقدته السياسية.
فالطائفية جعلت من سوريا لغما اثر سلبا على ولادة الوحدة السورية بل اثر سلبا على تطور القومية العربية التي لم يعد لها حديث في زمن الحراك والثورات، وإيمانها المشترك بضرورة النضال المشترك ضد الاستعمار وإسرائيل ايام الحشود التركية، إن التجربة الحزبية في سوريا عرفت نجاحا كبيرا على كل المستويات بالمقارنة مع التجربة الحزبية في البلدان العربية الأخرى كالجزائر، فقد تميزت التعددية الحزبية في سوريا بالوعي النضالي والنضج السياسي، فكانت تجربة غنية ومتقدمة، فالأحزاب في سوريا كانت لها سمات الحياة الحزبية ومقامها من مثل حزب العث العربي الاشتراكي، الحزب الشيوعي والحزب القومي الاجتماعي، إلى جانب أحزاب تقليدية كالحزب الوطني وحزب الشعب ونجحت هذه الأحزاب في تحرير سوريا من الاستعمار وفي بنائها بعد الاستقلال، لأنها كانت تستند في نشاطها إلى إيديولوجية واضحة، لولا الحرب الطائفية التي زعزعت كيانها وجعلت الطليعة السورية غير قادرة على مواجهة الواقع وشهدت الساحة نوعا من التوتر السياسي خاصة مع ظهور كتاب عبد الحليم خدام وكشفه عن من وراء اغتيار رفيق الحريري.
ما يمكن قوله هو أن سوريا عاشت عدّة زلازل سياسية دون أن تتأثر بها تأثرا عميقا، إلا أن زلزال 2023 كلفها النفس والنفيس، وجعلها على باب الإفلاس الاجتماعي والاقتصادي، ولا شك أن هذا الزلزال سيعيد اللحمة بين الشعب السوري ويجعله اكثر تضامنا ووحدة، من خلاله يضع حدا لكل الصراعات والخلافات السياسية والمذهبية، والسؤال هنا موجه للبرجوازية السورية بدرجة أولى: هل تستطيع البرجوازية السورية ترميم ما دمّره الزلزال؟ أم أنها ستُبْقِي تحالفها مع الأجنبي لاسيما وهذا التحالف سيجعل لا محالة الإصلاح مستحيلا، وبالتالي فهي في حاجة إلى إعادة نظر في المواقف السياسية، هي تساؤلات طرحها منظرون سياسيون وهم يقفون على مواقف الساسة السوريين والعودة إلى الماضي العربي العريق.
***
قراءة علجية عيش