نصوص أدبية
مصطفى علي: أغنيةٌ ثانية على (جسرِ الكرامة)

إلى الصقرِ الفدائي الذي رأى من جبالِ الضفةِ الشرقية فأوفى بعدما رأى
***
على جِسْرِ الكرامةِ حطَّ صَقْرٌ
جوانِحُهُ شَكَتْ ألَماً عظيما
*
(عُقابٌ) من ذُرى اليرموكِ آبا
كأوّابٍ محا ذنباً قديما
*
بَنى (الشاهينُ) في البلقاءِ عُشّاً
ومن قِمَمِ الجِبال رأى الجَحيما
*
رأى هَوْلَ القِيامَةِ من عُلُوٍّ
تُحِرّقُ نارُها الطِفْلَ اللطيما
*
رأى سودَ الظفائرِ نازفاتٍ
تغازلُ قُرْبها وَلَداً يتيما
*
رأى شيخاً غريقاً في دِماهُ
وأُمّا نزفُها غطّى الفطيما
*
رأى مَلِكَ البلادِ ينامُ رَغْداً
وقد خَبِرَ اللذائذَ والنعيما
*
ينادي زُمرةَ الشيطانِ حتى
تُذَبّحَ جارَها (الضيفَ) الرَجيما !!!
*
فَخُذْ كلَّ الديارِ وراءَ عَرْشي
وَذَرني أعبُدِ المُلْكَ العقيما
*
يجُدّدُ للعِدى أوفى سَلامٍ
فَحَسْبُ العَرْشِ أن يبقى سَليما
*
رأى عَرَباً سُكارى في البوادي
وحاديهم كَقاتِلِنا لئيما
*
كُثاراً إنّما كَغُثاءِ سَيْلٍ
تَيَبّسَ نخوةً فَغدى هشيما
*
رأى بعضَ المنابرِ نابحاتٍ
وشيخَ السوءِ نبّاحاً دميما
*
يَذُمُّ الواهِبينَ لها نفوساً
ويشمتُ في مصارعهم ذميما
*
رأى عُهْرَ الزعيمِ وداعميهِ
فشبَّ مغاضباً يهجو الزعيما
*
وحادي الركبِ للأنذالِ يسعى
خُلُوّاً من مواجِعِنا عَديما
*
بخيلاً نحو من جاعوا ولكن
جَواداً نحو قاتلهم كريما
*
يُقاسِمُ قاتلَ (القسّامِ) رزقاً
ويحسبُهُ شريكاً بل قسيما
*
رأى النهرَ المُقدّسَ في حِدادٍ
(ويَحْيى) يشتكي عطشاً أليما
*
يُعَمّدُ رأسَ (عيسى) في دمائي
وَينأى في بَراريها كَظيما
*
أ يسقي نهرُنا شَبَحاً هجيناً
لِيسقينا مع البلوى حَميما؟
*
وَهَلْ مسحَ المسيحُ صدورَ أهلي
وقد أمستْ أضالِعُهم رَميما؟
*
فَمعْذِرةً يَسوعُ على عتابي
فقبلَ صليبِكم خذلوا الكليما
*
توعّدَنا المُلثّمُ بعدَ يأسٍ
لنا سَيَصيرُ في الأُخرى خصيما
*
فَخُضْنا في خُصومَتِهِ فُجوراً
ولم يلمسْ بنا قلْباً رحيما
*
وكم لُمْنا المُحاصَرَ جاحِدينا
وَكلّا لم يَكُنْ فيها مُليما
*
رأى بجدارِ كعبتنا صُداعا
وعمَّ الحزنُ زمزمَ والحَطيما
*
رأى الرُكْنَ اليمانيَّ المُعَلّى
وحيداً سالكاً درباً قَويما
*
ينادي دونما جدوى هَلُمّوا
سَنسلكها طريقاً مُسْتقيما
*
فلم تسمعْ قبائِلُنا نِداءً
ولم نُبْصرْ بها شيخاً حَليما
*
رأى الوادي الخصيبَ يَسُحُّ دمعاً
ويبكي (غَوْرُها) شَجَراً هضيما
*
فليتَ البحرَ لم ينشقَّ يوماً
ولم يتركْ بها داءً وخيما
*
وليتَ التيهَ لم ينفضَّ حتى
يبدّدُ ذلكَ النسْلَ الأثيما
*
رأى كلّ الذي قلناهُ تَوّاً
فأشعلَ في مخالبه ضريما
*
نوى فإنقضَّ مفترساً عدوّاً
عُتُلّاً بعدَ ذلكَ بل زنيما
*
فِدائيٌّ رأى بعدَ اللَّتيّا
ضباعاً والتي : فغدا عليما
*
وصقرٌ طارَ من ضَفة لِأخرى
يُصلِّبُ تحتَ أجنحةٍ شَكيما
*
فَقدّمَ روحَهُ الثكلى خلاصاً
كفادٍ يرتجي ربّاً حكيما
***
د. مصطفى علي