نصوص أدبية
نجاة الزباير: بياض مكتظ برائحة الحزن

إلى قارئ لا أعرفه
هل تجلس مثلي بين ثنايا الصفحات البيضاء، تتدفق روحك حبرا، ولا تعرف كيف تُوقف جريانه؟
هو الفراغ يناديني باسمي، أكتبُني لأهرب مني، لكنني كلما كتبتُ، انكمشتُ في الحروف أكثر، وصرتُ ظلاً لمجازٍ لم يُكمِل رحلته.
وكأن عصافير الصمت تطير من كفي لتحط فوق جسر الخيال، فأخفي ارتجافي بين السطور. وحين يطرق الشوق باب الهواء، أتطلع للسماء كي يهطلَ عليَّ مطرُ الرؤيا، لأرى ما لا يُرى...
يا قارئي الذي لا أعرف
يا من تمرُّ على نبضي كمن يعبر غيمةً لا تمطر، هل شعرتَ بثقل الكلمات حين تصير مرآةً لا تعكس سوى صخب الذكريات؟
أنا الآن؛ أقطف من الريح فاكهة وجودي المُرِّ، وأغتسلُ بماء الوجع مرات، لعل رسائلَ البحر تنثر الحنين في كف الشوق. لكنها لا تجد غير صدى لقصيدة تجمع حقائبها كل ليلة كي تستقبل ماء الحزن من كل الجهات.
يا قارئي الذي لا أعرف
إني أتلاشى كلما جرحتني الأخبار حتى لم أعد أدري إلى أين يحملني كل هذا الصراخ...
فهل مرّت عليكَ خريطة ملفوفةٌ كالكفن؟ ، قرأتَ فيها عن وطن يتنقّلُ في الجنازات، وهل سمعتَ الضحكة وهي تُختَنق بينَ خوذةِ جنديٍّ، وصوتِ أمٍّ لا تعرفُ بأيّ لهجةٍ تنادي؟
نحن يا قارئي نتقنُ البكاء بلهجاتٍ شتّى، نبكي بصمتِ أصوات عربية كثيرة، ثم نمد كفنا في الخواء وكأننا ننتظر شيئا ما.
لقد صار لنا في كل مدينةٍ نكبة، وفي كلّ زقاقٍ مآذن بلا مؤذّن.
فيا قارئي الذي لا أعرف
هل رأيت مثلي طفلًا يحملُ حقيبةً أكبر من حلمه، يسألُ عن الطريقَ إلى مدرسةٍ هُدمتْ قبل أن يعرف الأبجدية، ويجرُّ وراءه ظلّ بيتٍ اندثر قبل أن يحفظ عنوانه، ويرسم بعمق في قلبه اسم أمّه كي لا يضيع في خيامِ الذاكرة؟
يا قارئي الذي لا أعرف
أنا لا أُحسنُ صياغة النهايات، أكتبُ فقط لأنفُضَ عن قلبي الغبار و أمضي، ولأسرّب الأمل من شقوق الكلام حين يعجزُ النهار عن تبرير عتماته.
وها أنا أرتق الفراغ بإبرة التساؤلات، فلا أجد غير ممرات معتمة تضع فوق كتفي شال استعاراتها.
فهل شعرتَ يومًا بأنك تهرول على حافة المعنى، مثلي. وكأن ناي جلال الدين تردِّدُ صداه ريح قديمة تمسك بأطراف ثوبك فتهرب منك إليك؟، وكأنك تصغي لصوت انكسار القلوب ونزيف اللغة.
فيصبح الورق أضيق من أن يصير أنشودة غجرية ترافقني بدهشتي الطفولية، كي أجدني بعد منتصف الليل، أستمع لكمنجات الألحان القديمة.. وأمشي فوق الطين، لعل أقدامي تشكل بداية جديدة لحلم قد يأتي.
***
نجاة الزباير
07/07/2025