نصوص أدبية

سنية عبد عون: غصة في ذاكرة الزمن

ليت الأماني تباع وتشترى

وليت حنين الزمان

كرجع الصدى

كأن الزمن توقف هناك. في عشرينيات عمرها، دموعها سرا، تحمل الف معنى ومعنى. واليوم تذكرته بلهفة تلك السنين. وكأنها بالأمس القريب، وأبجدية الحاضر تتقن فن اللعبة- بخيالها المتعب لاحت عقود عمرها. ليشهد الزمن: انك في عقدك الخامس سيدتي. !!

تجاهلي ماضيك وأحتفلي بمقالاتك وأحلامك-.

قالت: سأطوي صفحة ذكرياتي مجبرة مذ طفولتي. ولكن سبابتي تشير الى أخطاء الاخرين- البغيضة. واللعنة الأبدية لمن يكسر قلب امرأة في ربيع صباها.

شعرت بسعادة وهي تقرأ سطور الناقد التي كتبها عن مقالتها الأخيرة وتمنت ان يقرأ كل أصدقاءها ما كتبه الناقد المعروف-.

كان الناقد يشيد برصانة مقالتها من الناحية الأدبية مع ملائمة ثيمتها للحاضر، وما مدى تأثيرها على القارئ.

تحدثت الكاتبة خلال مقالتها عن الوفاء لدى الرجال والنساء على حد السواء لكنها في الحقيقة انحازت لجانب المرأة فهي بنت جنسها. فكتبت- ان الرجل أقل وفاء منها وتعني بان- المرأة تقولبت روحها مع مشاعر أمومتها لتصبح أكثر التصاقا ببيتها وابناءها وزوجها دون ان تلتفت الى الجوانب الأخرى بذات الاهتمام.

وذكرت الكاتبة في نهاية مقالتها ان الوفاء ينبع من أعماق النفس البشرية، ومن تبلور مشاعر الألفة بين الطرفين. فان كان الارتباط قد نتج عن بذرة حب. فقد نجحنا في الوصول لهذا الحب الرصين وربما الدائم-.

اما زواج المصالح فهو عرضة سهلة للريح القادمة من جميع الاتجاهات.

قرأت الكاتبة سطور الناقد وهي في غاية الرضا والطمأنينة

نشرتها ايضا على صفحتها الخاصة-.

وتلقت الكثير من التعليقات من اصدقائها وصديقاتها والكل يشيد بمنجزها وانها تستحق هذا النقد البناء.

ولكنها تفاجأت وبدهشة كبيرة عن تعليق كتبه أحدهم باسم كنية لا تعرفها وقد كتب في تعليقه-.

وهل تعرف سيدتي معنى الوفاء. ؟؟ لتكتب عنه !!

هذه العبارة هزت كيانها حتى انغرست قطرات الخجل فوق محياها وأخذت تذرع الغرفة ذهابا وايابا.

أصابتها الحيرة. فهمست بنبرة المنكسر مَنْ هو صاحب التعليق يا ترى.؟؟-.اذن كيف تجرأ وكتب هذه العبارة. ؟؟

وهل يعرفني شخصيا أم ماذا.؟؟

حاولت ان تأخذ مشورة زوجها. لكنها تراجعت فربما لا يهتم لما تكتبه وتنشره كعادته دائما.

اذن لأبحث في صفحته الخاصة- علني أجد ما يساعدني للوصول اليه. ومعرفة السبب الذي دعاه لكتابة هذه السطور..؟؟

أخذت تقلب بمواضيعه المنشورة الواحد تلو الآخر فكانت مواضيعا عامة لم تفدها بشيء. عليها ان تستمر في البحث والتتبع.

وهنا وجدت ضالتها. لقد وجدت صورته (قام فلان بتغيير صورة ملفه الشخصي) نعم عرفته !!

يا الهي انه هو وجع الماضي. وغصة في ذاكرة الزمن-.

اذن من حقه ان يكتب هذا التعليق !!.

ولو كنت مكانه لكتبت ما هو أبشع من ذلك.

فهو الرجل الذي أضاعته الأيام- لظروف غامضة لم تُعرف ملابساتها الا بعد سنين طويلة.

تقدم لخطبتها مع عائلته الذين وفدوا من محافظة بعيدة رحب بهم أخوها الكبير بطريقة لائقة وأسلوب مهذب. وأكرمهم التكريم الذي أظهره. وكأنه ذاك الرجل المتحضر الذي أحترم اختيار أخته لشريك حياتها.

رافقهم صباحا الى مرآب السيارات ليودعهم بكل أريحية. الا انه طلب من ذلك الشاب ان يزوره منفردا حتى يتفاهم معه عن الية الخطوبة وعقد القران.

وبعد عدة أيام عاد الشاب الى دارهم وحسب الاتفاق المبرم- وتقاليدهم- لا تسمح- للمرأة المخطوبة- ان تشارك بالحديث. انما الأخ الكبير هو من يتحدث نيابة عنها. في حالة وفاة الوالد.

خرج الشاب. وكالعادة رافقه أخوها الى مرآب السيارات. لكن هذه المرة غيّر طريق مسيرهما نحو المرآب- من خلال طريق زراعي قلما يتواجد فيه أحد-. لكن اختياره كان مقصودا. فقد أوقف الشاب في منتصف الطريق- وطلب منه بصيغة التهديد ان لا يعود الى هذه المدينة مرة أخرى. وربما اسمعه كلمات غير لائقة بلا أدنى شك.

هرب الشاب الى مدينته وهو يحمد الله لعدم تورطه مع هذه العائلة دون معرفته بشكل المؤامرة التي حاكها أخوها-.

وبكل وقاحة أبلغها ان الشاب قد تراجع عن طلبه.

وعاد مزهوا بهذا الانجاز الرخيص الذي رسم داخل روحه علامة تجبر فارغة.

ومضتْ هي مكابرة في متاهة عمرها. مع انتصار قسوته

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

في نصوص اليوم