نصوص أدبية

مجيدة محمدي: حتى أنتَ، يا قلمي...

أيها العارفُ بأسرارِ الورق،

الساكنُ في جُبَّةِ المعاني،

الحافي على سطورِ التنهيدة،

لماذا انحنيتَ فجأةً،

كأنكَ هويتَ مع أولِ رعشةِ خذلان؟

*

أأنتَ الذي كنتَ تتيم يدي؟

أم أنكَ كنتَ غريبًا يلبسُ هيئةَ الألفة؟

ألم نكن نتواطأ معًا على العتمة؟

ألم أرسم بكَ اقواس النسيانِ فوقَ الجراح،

وأعلِّقُ على سنِّك الهزيلِ دُموعَ المدنِ الميتة؟

*

لماذا إذن

حين استوحشتُ الدربَ من صمتِهم،

حين اختنقَ الحرفُ في صدري كصرخةٍ مشنوقة،

تراجعتَ؟

تلعثمتَ؟

بل، ارتعدتَ كطفلٍ رأى أباه يبكي؟

*

حتى أنتَ...؟

يا من كنتَ آخِرَ أعمدةِ المعنى،

خنتَني مثلهم؟

*

أكانوا كثيرينَ إلى هذا الحدّ،

حتى خِفتَ أن يضعوكَ في قفصِ الإتهام ؟

أم أنكَ، مثلهم، لا تحتملُ البوحَ حينَ يسيل دمًا؟

*

لقد كتبتُ بكَ أسماءَ الذين غابوا،

ونزف حبركَ في دفاترِ الذين اشتروا الخلودَ بنصفِ خطوة ،

سقيتُك من دمعِ وطني حين وقف على شرفةِ الانتظار،

ومرَّت القافلةُ دونَ أن تخلّفَ له ابنًا ولا ظِلًّا.

*

كيف تُرعِبُكَ الآنَ الكلمات

كيف تفرُّ من يدي كافعى الندم؟

أكنتَ خائفًا؟

من مَنْ؟

من صدى الحقيقة؟

من أن أكتبَ أن البلادَ لم تعدْ وطنًا،

بل قبرًا فسيحًا يُدعى ، "نحن"؟

*

ألا تدري أني خبّأتُك مرّةً تحتَ وسادتي،

لأنك كنتَ أغلى من ميراث أبي؟

ألا تذكر كيف هربنا معًا من حروفِ الرقابة،

وأدخلنا الحرفَ في سراديبِ المجاز،

وجعلنا الورقَ يشهقُ كالعرّاف،

والجملةَ تنهضُ من بينِ الأنقاضِ كقيامة؟

*

لماذا إذن،

حين أردتُ أن أكتبَ الحقيقةَ عاريةً،

وقفتَ بيني وبينَها،

كأنكَ أغمضتَ عينيَّ قبلَ أن ترى المدينةَ تُذبح؟

*

ليتني لم أؤمن بك،

ليتني ظللتُ أكتبُ بالفحمِ على الجدرانِ

أصرخُ في المدى،

أرسمُ وجهَ الشهيدِ على الندى،

دون أن تَرتعدَ أنتَ في يدي،

مثلَ خائنٍ يمسحُ بصماتِه عن جريمةٍ مخفية .

*

حتى أنتَ؟

حتى أنت، يا قلمي،

خُنتَني مثلهم؟

*

سأكسرُك...

لا، بل سأدفنكَ في دفتري الأخير،

وأكتبُ فوق قبرِك بالحرفِ الدامي ،

"هنا يرقدُ القلمُ الذي خان الحُرقة،

حين أرادت أن تصيرَ قصيدةً لا تموت."

***

مجيدة محمدي – شاعرة تونسية

في نصوص اليوم