نصوص أدبية
سعد جاسم: موفَّق محمد.. قابَ قبرينِ أَو أَقسى

الى روح الانسان والشاعر الحقيقي
موفق محمد
***
قبلَ أَنْ أُغادرَ البلادَ
كنتَ قدْ بكيتَ عليَّ
وأَنا الآخرُ
كنتُ بكيتُ عليكْ
وفي تلكَ اللحظاتِ الفاجعةِ
ومن خللِ غيوم الدمعِ
ونشيجِ القلبِ الراعفِ
قُلتَ لي:
- كيفَ تستطيعُ إحتمالَ
بردَ المنافي
ومخالبِ الغربة القاسية؟
لحظتها اجبتك
غاضباً ومشتعلاً:
- بردُ الغربةِ
وثلوجُ المنافي
ولا ذلُّ الطغاةِ القساة
وتهديداتِ القتلة
ومخاوفِ المخبرين
الذينَ يتجسسون
حتى على انفاسِنا
وكرياتِ دمِنا
وأَصابعِنا وقلوبِنا الواجفةْ
ولاتنسَ وشاياتِ العسسِ
والدركِ والجندرمةِ الواقفةِ
فوقَ خلايانا ومساماتِنا
واكبادِنا النازفةْ،
وإِياكَ تنسى نهيقَ
ونباحَ الشعراءِ المداحينْ
وسمومَ الكَتَبةِ المأجورينْ
وطعناتِ الظلاميينَ والطائفيينْ
والغزاةِ المتوحشينْ
وكتّابَ التقاريرِ من الذؤبان
والغلمان والخصيان
وابناء الزنا والخنا
والمتعة الـمُقْرِفَةْ
وأَرجوكَ صديقي لاتنسَ
خياناتِ الأَعدقاءْ
والتافهينَ والسُفهاءْ
وذوي القلوبِ المريضة
والضمائرِ الواقفة
قابَ قتلينِ
وقاب موتينِ
وقابَ قبرينِ
من الظنون والشكوك العاصفة
ولا تنسَ الجناةَ والزناةَ والرواةَ
وافاعيلَ البغايا والخطايا والمطايا
والنوايا الزائفةْ
**
ها أنا أرتجفُ الآنْ
في مجاهيلِ الزمانْ
وثلوجِ الغربةِ المُلتهبةْ
وأَرى أَولاديَ
وأصدقائي النبلاءْ
وأَرى وطني الأوَّلَ
في التلفازِ محروقاً
ومخنوقاً بين نارينِ
وأَرى شعبي شريداً
ووحيدا وشهيداً
في مهبِّ العاصفةْ -
وحتى بلدي الآخرُ
من الشًبّاكِ أَراهُ
وكم يحُزنُني
أَنَّهم كلُّهم عاجزون
أَنْ يمنحوني لحظةَ دفءٍ
وحنانٍ ولمسةَ عاطفةْ
ولذا أَشعرُ
أَنَّكَ تتعمد أن توهمني
بانَّكَ قد عشت َ كلَّ شيءْ
وشفتَ كلَّ شيْ
في الوطنِ العليلْ
وفي غيابةِ الحبِّ
وفي هاويةِ الجُبِّ
والفرح القليلْ
وفي الظلامِ الطويلِ
وأَعني: ظلامَ العراقِ
الطويييييييييييييييلْ
حيث الخراب والجحيم
والخسائر النازفة
وبعدها الكثيرالكثييير
والمُذلُّ والأَقلّ ُمن القليلْ
وها نحنُ الآنَ
والعالمُ والوجودُ
والناسُ والكائناتُ
والطبيعةُ والخليقةُ
والحقيقةُ والحياةْ
نعيشُ بآخرِ الأنفاس
ونمضي الى قيامةِ العدمِ
الثقيلِ الثقيييييييييييييييييلْ
وياأَيَّها الرجلُ الأًصيلْ:
وياأَيُّها الشاعرُ النبيلْ
ماأَروعكَ وماأَبهاكَ
لأَنَّكَ كنتَ قادراً
على تَخيّلِ وتَحَمّلِ
قسوةِ وكذْبَةِ
وغربةَ العيش
في مكانٍ اسمه:
الوطن الجميل
ولازلتَ مُخْلصاً للشعرِ
ومازلتَ مُهَيّئاً للحُلْمِ
بأَشياءَ هائلةٍ
كالعودةِ للبيت في أَيِّ وقتٍ
وإمتلاكِ فسحةٍ من الأمل
وعشقِ امرأةٍ كانتْ تنتظرُكَ
على أحرٍّ من العطرِ
والزهرِ والجمرِ والحبِّ
والشغفِ المستحيلْ
تُرى يا صاحبي
وحبيبي وخِلّي
ويا صديقي البابليُّ
العتيدُ والعنيدُ
والعاشقُ الحلّي
مَنْ فينا السعيد؟
ومَنْ فينا الوحيد؟
مادامَ كلانا الآن
هُنا ...أَو هُناااكَ
حيثُ الغربةُ السوداءُ
تسكنُنا وتقهرُنا وتذبحُنا
منذُ النطفةِ الأُولى
ومنذُ الصرخةِ الأُولى
ومنذُ الدمعةِ الأُولى
ومنذُ الرحلةِ الأُولى
ومنذُ الوحشةِ الأُولى
ومنذُ الميتةِ الأُولى
وحتى قيامتِنا الأَخيرة.
***
سعد جاسم