نصوص أدبية

مصطفى علي: مِصر التي في خاطري

سُمّيتِ قاهرةً! هل تقهرينَ عَدا؟

قلوبَ مَنْ وهبوا ما يملكونَ فِدا

*

أُنْبيكِ لم تقهري ذبّاحَ غَزّتِنا

لكنْ قهرتِ الذي صوْبَ السماءِ عَدا

*

صدقاً ولم تقْهَري في عَهْدِ مُنْقَلِبٍ

إلا بَني شعبَكِ الأحرارَ والسَنَدا

*

أرثيكِ قاهرةَ الناجينَ من شَرَرٍ

لُؤماً وناهِرَةَ الراجينَ منكِ نَدى

*

نادوا عليكِ وراءَ السورِ وا أسفي

نادوا ولم تسمعي للراحلينَ نِدا

*

نادوا عليكِ حُماةُ الأرضِ كي تَلِدي

جيلَ العُبورِ الذي أوفى بما وَعَدا

*

الشاذِليُّ بذاكَ اليومِ رَدّدَها

اللهُ أكبرُ قبلَ الفجرِ واتَّقَدا

*

ياعابرينَ شواطي النارِ بي عَتَبٌ

هل غابَ عنكمْ لظى تشرينَ وابتعدا

*

وعينُ جالوتَ في التاريخِ هل سُمِلتْ

أمْ عُهْرِ سامِلِها للعالمينَ بَدا

*

ضنَّ الغيارى غداةَ الحُلْمِ أسكرهم

تأتي الشقيقةُ (بالنُعمى) تَمُدُّ يَدا

*

تلكَ التي سكنتْ في خاطري زمناً

ضاعتْ فتاهتْ خطى العُشّاقِ محضُ سُدى

*

كُبرى الشقائقِ إذْ تعمى بصيرتها

تمشي لِهاويةٍ ظلماءَ دونَ هُدى

*

شقيقةٌ أنكرتْ قُرْبَ العَريشِ أخاً

قد ذبّحوا أمّهُ والبنتَ والولدا

*

تنمو شقيقتهُ الكبرى ورُبّتَما

فاقتْ بلا حَسَدٍ جيرانَها عَددا

*

وكلّما كَبُرتْ وَلَّتْ حكومتها

للثائرينَ تشدُّ الحَبْلَ والمَسَدا

*

لاكتْ بسكّينها أكبادَ صبيتِهِ

وغرّزت في قلوبِ النازفينَ مُدى

*

شيخٌ بغزّةَ يرجو الغوثَ من عطشٍ

لكنّهُ لم يذقْ من نهركِ المَددا

*

النيلُ يكفي عطاشى الكونِ قاطبةً

وتسكُبينَ له الزقّومَ والزَبَدا

*

نادى ونادى وراءَ السورِ جارتَهُ

مُسْتصْرِخاً إنّما لم تلْتَفتْ أبَدا

*

أوتارُ حنجرةِ الظامي تَسحُّ دَماً

كعازفٍ للورى لحْناً بدونِ صَدى

*

صُمّاً ينادي، سماواتٍ بها صَمَمٌ

زخّتْ هنا حِمَماً، سَحّتْ هناكَ ردى

*

أوْما لِسُكّانِ واديها العَريقِ فَما

هَبّوا لِنجدَتِه بل لم يَجِدْ أحَدا

*

أتتبعينَ دُويْلاتٍ مصنّعةٍ

وتجهلينَ ضفافَ النيلِ والبَلدا

*

وتلجمينَ ضميرَ الشعبِ لو غضبا

وتنكرينَ دَمَ الأحرارِ والشُهدا

*

شَمّ الرياحينَ ليلاً حولَ خيمتها

فجاءها راجياً يستعطفُ الوتَدا

*

فَهالَهُ إذ رأى الأوتادَ خاويةً

لم تشتعلْ نخوةً أو تتقدْ رَشَدا

*

جنودُ هامانَ قد صاروا لها حَرَساً

يقتصُّ من لائذٍ لو حَجَّ أو قَصَدا

*

فهبّتْ الريحُ من سيناءَ عاصفةً

وهدّمتْ خيمةَ الأعرابِ والعَمَدا

*

يا طالباً من لئيمِ الدهرِ مكرمةً

هلْ فاقدُ الشيء يعطيك الذي فَقدا؟

*

فَعمدةُ الخيمةِ الصفراء مُتّخِذٌ

تابوتَ مَنْ ذبّحوا الأطفالَ مُلْتَحَدا

*

يا أرْمَدَ القلبِ والعينينِ كُنْ حَذِراً

إنَّ العَمى آفَةٌ قد تتبعُ الرَمَدا

*

يَحِثُّ فِرْعونُها هامانَ يأمُرُهُ

رَدْمَ السبيلَ إذا ما ضامئٌ وَرَدا

*

كأنّهُ سادِرٌ في غيّهِ ثَمِلٌ

بَلْ سامريٌّ لغيرِ العِجْلِ ماسَجَدا

*

إخشيدُها أودعَ التلمودَ مُهْجَتَهُ

لِيرضعَ اللؤمَ من أسفارها أمَدا

*

أبواقُ كافورِها المجذومِ نابحةٌ

ليلاً وناهشةٌ من طِفْلَةٍ كَبِدا

*

نامتْ نواطيرها عن غدرِ ثعلَبِها

فعاثَ في حقلِها الميمونِ مُنفردا

*

ساقَ الحُداةُ لوادي النيلِ قافلةً

وكم فقيراً الى أمِّ الجياعِ حَدا

*

لكنّها لم تَرَ الصدّيقَ يوسفَها

حتى يكيلَ لها كُرمى لِمَنْ وَفَدا

*

فالنيلُ جافى فراتَ اللهِ مبتعداً

عن شطِّ دجلةَ والخابورِ أو بردى

*

ما أكثرُ الجندَ في سيناء يا أبَتي

وحينما أزِفتْ تاهوا بها بَددا

*

الغوثُ يا والدي قد جَاءَ من يَمَنٍ

من صَعْدَةَ العزِّ صوْتُ الحقِّ قد صَعَدا

***

د. مصطفى علي

 

في نصوص اليوم