نصوص أدبية

فرات المحسن: رعب يوم دراسي

نجحت إلى الصف السادس الابتدائي وباشرت الدوام في مدرستي الجديدة مدرسة حذيفة بن اليمان. أبي يوصلني بدراجته الهوائية إلى مدرستي كل يوم، قبل ذهابه لعمله في بيع الخضار في سوق المدينة. في نهاية دوامي المدرسي أعرج إلى السوق لأساعده، وهناك أكمل واجباتي المدرسية أيضا. تلك حصيلة يومي.
قبل يوم من العطلة الربيعية، كتبت عنوان موضوع الإنشاء الذي دونه مدرس اللغة العربية عبد القادر رضا الناجي، فوق اللوح المدرسي الأسود، وكان عنوانه أوصف مكان زرته واثر فيك. تركت اختيار المكان حتى اليوم ما قبل الأخير من انتهاء العطلة الربيعية، أو الأحرى قلبته في رأسي دون القدرة على اختيار مكان، لندرة ذهابي خارج البيت. ولكني أنجزت عملي في اليوم الأخير وسلمت دفتري بروح مغموسة بفرح غامر، عند أول يوم دراسي بعد نهاية العطلة.
أشاح المدرّس وجهه عني وابتسامة مصطنعة ترتسم بتثاقل فوق شفتيه. في اليوم التالي جلس فوق أول مقعد في الصف ثم نادى باسمي. أوقفني أمام الطلاب فشعرت بالارتباك والفزع فأطرقت رأسي. ثم انطلق صوته بقوة:
ـ ما الذي يفعله الطالب حين يصف مكاناً ذهب إليه؟ من يجيب عن ذلك؟
ارتفعت الأكف تتطاول كي يشير المدرّس لأحدهم بالإجابة، لكنه صرخ بأعلى صوته أن اخرسوا. وكان صوته المجلجل مثل زئير أسد. ارتبكت الأكف الصغيرة، وراحت تنسحب واحدة تلو الأخرى. انكمشت وأحسست أن الجدران تقترب لتطبق علي وتهرسني. إحساس بالرهبة والانسحاق سيطر على روحي فراح جسدي يرتعش بتسارع ولم أعد أستطيع السيطرة عليه.
ـ غبي.. ما هذا؟ أهو وصف لسوق شعبي يتبضع منه الناس أم مكب نفايات وفوضى؟
ــ نعم كان هكذا.
ــ أخرس لم اطلب منك الإجابة.
نزّ جبيني عرقاً بارداً غطـّى جبهتي، وراحت ركبتاي ترتخيان. قاومت اندفاع رغوة تصاعدت في أحشائي. ضحكات رفاقي أدخلتني هلام سائل كثيف، فسقطت مغشياً علي.
حين أفقت كان الخوف يعتمر قلبي وأنا أشاهد كـفه الثقيلة تمسد جبهتي بالماء البارد.
ـ دلال صبيان. لا شيء غير ذلك. انهض يا شاطر. رغم أنك لم تكتب عن الموضوع بشكل حسن، ولكن لا بأس. سوف أحتسبها لك هذه المرة.
حين جلست بين دفـّتي مقعد الدراسة، كنت أحبس دمعتي خوفاً ورهبة. وكان خدر تام يكتسح كامل جسدي. لم أكن قادر على إسكات ضحكاتهم التي راحت تجلجل في رأسي. وكان جسدي الواهن يتفصد عرقاً بارداً، ويقف المدرّس أمامي وهو يغتصب ابتسامة شاحبة لم تتعدَّ حافـّة شفتيه الغليظتين البغيضتين.
***
فرات المحسن

 

في نصوص اليوم