نصوص أدبية

جاسم الخالدي: شهوة الطين

قبل أن يعلو صوت المؤذن،

يجلس أبي،

يغسل وجهه بقطرات ماء

خبأها من شهوة الطين الأول،

يضعها في مدخل بيته،

كأنَّ أولَ صلاةٍ كانت تيممًا،

وعجينةَ الطين النجفي

تعود لتغسل يديه.

*

يركض لئلا تفوته صلاة الجماعة،

ويمسح جبينه

كمن يمسح غبار الطريق،

كأن الصفوفَ

امتدادٌ لخطى الآباء،

والمطرُ ينسكب فوق الأرض،

يغسلُ العمرَ

ويعيدُ الولادةَ لكلِ صلاةٍ.

*

يتذكرُ والدَهُ الذي رحل في ليلةٍ بعيدة،

وأورثه دينين:

أن يحفظ اسمه،

وأن يسدّد ما عليه

في أرضهِ

وفي سمائه.

*

قبل عيدين،

وقفت قبالة رسمه،

كأنني أمام معلّم قديم،

أقرأ الدرسَ الأولَ

في عينيه،

درس الطينِ

والماءِ

والدمعِ،

درس الحياةِ

الممزوجةِ بالسماءٍ،

حضور الأب

وغسله للروح

كما يغسل المطر الأرض.

*

حين خرجت،

حملت في يدي رائحة التراب المبتل،

وفي قلبي وصيّة لا تنتهي:

أن أظل أبحث عن النهر الذي شربه أبي،

حين كانت الأرض طفلة،

والماء أول صلاة،

والتراب أول تيمم،

والمطر أول هبات السماء.

*

وهكذا،

كلما أقبل الفجر،

وشهقت الأرض بنداوتها،

أغسل وجهي بقطرات خبأتها في قلبي،

من شهوة الطين القديم،

وأمضي،

كأنني أواصل وضوء أبي،

في الصف الذي يبدأ من آدم،

ولا ينتهي.

***

د. جاسم الخالدي

في نصوص اليوم