نصوص أدبية
جاسم الخالدي: صدى بلا ملامح
في غرفةٍ مكتظةٍ بالضوء الأزرق،
حيث لا نافذة تُطلُّ على الشوارع القديمة،
ولا أصواتُ الباعةِ تخترقُ الزجاجَ العازل،
يجلسُ الإنسانُ أمامَ صندوقٍ بلا ذاكرة.
يبحثُ عن ظلِّه بين الحروف،
لكنه لا يجدُ سوى انعكاسٍ
مكسورٍ على شاشةٍ صامتة.
*
هل يعرفُ أحدٌ
كيف فقدنا أصواتَنا؟
كنا نُحدّثُ الأشجار،
ونسمعُ وشوشةَ الرياح في المساءات الطويلة.
الآن، كلُّ شيءٍ يُقالُ
يموتُ في الأثير
قبل أن يصل.
*
كانوا يقولون:
"هذه التقنية ستختصرُ المسافات،
وتقربُ الأحباب."
لكنهم نسوا أن المسافةَ
لم تكن أمتارًا،
بل كانت حنينًا.
*
في هذه الغرفة،
أحاول أن أكتبَ رسالةً
لكن الحروفَ
تتساقطُ من يدي كأوراقِ خريفٍ
لم يجدْ شجرةً تأويه.
كلُّ كلمةٍ تخرجُ باردةً،
عاريةً من المعنى.
حتى الحزنُ صارَ مُعلّبًا
في رموزٍ
أُرسلها دون أن أشعر.
*
أين نحن؟
وأين العالمُ الذي كنّا نعرفه؟
كان للصمتِ هيبته،
وكان للحضورِ ثقله،
لكننا الآن
نعيشُ في ضجيجٍ
لا صوتَ له.
*
ربما يومًا ما
سنتذكرُ
أنَّ الإنسانَ كان يحتاجُ
إلى أكثر من آلةٍ
ليحيا.
***
د. جاسم الخالدي