نصوص أدبية

حياة بن تمنصورت: السٌاق الرابعة

مازلت مستندة على الجدار هادئة بلا صوت، خشبك الخيزران

 البنيّ المصقول اللّامع يحيطك بهالة من الفخامة لا تخفى عن عين مغرم بالتّفاصيل، عصا جميلة انت بلا شكّ تليقين بيد باشا وأبي ملكٌ..

هادئة تتّخذين مكانك قرب سريره لا بدّ انك تشعرين بخيبة مريرة يوم تحسّسك بيده الصّلبة وجرّب ان يتمشى متكئا عليك مزهوا بك.. ثم سرعان ما القاك بعيدا لم يحتج اليك وهو في الثمانين لطالما كان عنيدا ازاء الزمن.

يومها استرعيت انتباهي وانت مخبّأة وراء الخزانة بعيدا عن ايدي الاطفال العابثة قلت في نفسي: لو كان لك قلب مثلنا.. بم كنت ستشعرين؟..

هل ستحزنين لانه استغني عن خدماتك؟.. ام انك تفضلين ان يحتفظ بك في مكان يليق بقطعة فنية نادرة.. لا تقولي ان خيالاتك بلغت بك حدّ أن تكوني كما عصا موسى تشطر البحر الي نصفين..؟

اعترف اني اشفقت عليك يومها وتطاوست مزهوة بقرار ابي ان يخفيك وراء الخزانة ويجدّد العقد مع ساقيه نكاية في الزمن..

صاحبك فتك به الزهايمر وما خانته ساقاه لم يلتجئ اليك ايضا.بحذر يقوم بجولته الصباحية في ارجاء الحوش.. يتلمّس الجدران، الياسمينة شجرة الرمان حتى يصل آمنا الى مقعده الحجريّ مستأنسا بشيء من البصر وبعضا من بصيرة.

وها قد بحثت عنك اخيرا ايتها العصا الجميلة الوحيدة الكئيبة، كان يجب ان اخرجك الى النور.. صاحبك لم تخنه ساقاه ذلك اليوم، فلا يهزّك الغرور وتتعالي. لم تخنه ساقاه بل خذلته الذاكرة فنسي كيف يمشي.. وكان عليّ ان استعين بك، كنت انا ساقه الثّالثة وكنت انت ساقه الرّابعة.حين وضع يده المرتعشة عليك استقام ظهره، استعاد توازنه بخطًى وجلة مرتبكة مشى.. خطوة.. خطوتين ثم تركته انا اودعته ايّاك امانةً.. كان يردّد دائما وهو فى اوج عنفوانه.. لن اموت الا واقفا.. وكان علي ان لاانسى ولم انس

متّكئة انت الآن قرب فراشه الفارغ البارد متكئة على وجعي.. رحل هو وبقيت انت تحدّقين بي وانا احدّق في الفراغ ربما تقولين في سرّك.. "نحن الأشياء نودّع اصحابنا نرافقهم الى مثواهم الاخير ونعود لنوجع الأحياء.. "

***

حياة بن تمنصورت

 

في نصوص اليوم