نصوص أدبية
سنية عبد عون: درس التعبير
تكتبُ تلك الصبية في درس التعبير موضوعا لا أعرف فحواه لأني منحتهن حرية اختيار الموضوع الذي يكتبن فيه ، شدتْ انتباهي دون الأخريات، كانت تكتب قليلا ثم تتنهد بحرقة شديدة ثم تعاود خفض رأسها نحو دفترها وأخيرا انفجرت باكية وغطت وجهها بمنديلها وأغلقت دفترها.
اقتربت منها ومسحت على راسها وقلت لها هامسة أي موضوع بهذه الحياة لا يستحق منا دمعة واحدة.
قالت: ـ أحيانا نحتاج الى رقود طويل كي ننسى ما يستحق ان نبكي من أجله سحبتُ الدفتر من أمامها وأخبرتها ، انه بإمكانها تأجيل الكتابة الى درس آخر.
قالت:ـ لكني انهيت كتابة موضوعي.
قلت:ـ اذن هذا جيد أنت فتاة مجدة وعليك ان تكوني قوية كذلك ، وخطك جميل وهذا يدل على قوة شخصيتك.
نظرتُ الى ساعتي وقلت:ـ ارجو المعذرة ان الوقت على وشك الانتهاء ثم توجهت للجميع وبصوت مسموع قلت:ـ
الانسان الضعيف لا ينجح في مراحل حياته القادمة اذن علينا ان نكون أقوياء ونمتلك ارادة صلبة ثم ان البكاء يليق بطلاب الأول الابتدائي وليس الأول متوسط اليس صحيحا يا ابنتي وأشرت اليها بيدي، ابتسمت ثم قالت نعم صحيح ولن أكررها مرة أخرى.
جمعتُ دفاتر طالباتي وخرجت بعد انتهاء مدة الدرس دفعني خوفي على مشاعر هذه الصبية ولمعرفة ما الذي تخفيه بروحها الغضة وما الذي كتبته وكان سببا لبكائها بحثت عن دفترها من بين الدفاتر.
فوجدتها قد كتبت.
أمتلك ذكرى عن أبي لا تمحوها السنون عانيت من أوجاعها أياما صعبة للغاية وأنا ابنة الخمس سنوات.
والدي كان يحب أمي ولم أسمعهما قد تشاجرا في يوم ما ولو لمرة واحدة أمي كانت تحمل أعباء الدار وتشرف على مراجعة دروسنا وأبي منهمك في عمله وحين يعود للدار تحاول أمي أن تحافظ على هدوء المنزل من أجل راحته وتقدم له وجباته من الطعام في موعدها.
لكن لا أدري ما الذي جعل أبي يتصرف بهذه الطريقة البشعة معها والتي غيرت مجرى حياتنا وغيرت نظرتنا له كأب حنون، أليس في ذلك ما يثير الدهشة.؟؟
فان كانت أمنا قد قصرتْ معه في أمر ما فما ذنبنا نحن الأبناء ليضع هذا الحاجز بيننا وبينه.
وبالتأكيد ان كل طفل يحب أمه أكثر من أي انسان آخر ولا يمكنه ان يراها حزينة..فهو يحزن لحزنها ويفرح حين يراها فرحة، هذه سنة الحياة وقانونها الذي لا يتغير.
نعم لا يمكنني ان أنسى هذا المنظر دائما وكأنه عشعش في تلافيف مخيلتي ليت هناك دواء للنسيان.
أتذكر سيارة حمل محملة بغرفة نوم جديدة وكنت وقتها العب مع صديقاتي أمام باب دارنا وخلفها سيارة أخرى (تكسي) تجلس بداخلها سيدتان وكان أبي يجلس في المقعد الامامي وقفت السيارتان أمام باب دارنا هرعتُ مسرعة وناديتُ أمي وحين حضرتْ لم تتحدثْ مع أبي لكني فهمتُ من ملامح وجهها ان هناك أمرا مزعجا أحزنها وأعتصر روحها بقوة لا تصدق.
أتذكر أمي وحزنها العميق وامتناعها عن الطعام لعدة أيام حين علمت بزواج أبي من امرأة أخرى وقد بنى لها بيتا صغيرا في الطابق العلوي لدارنا،وكانت تعتقد أمي أن هذا البناء لفك تكدسنا نحن الأبناء ذكورا واناثا في غرفة واحدة
إلا انه عاد ومعه زوجه الجديدة وأختها، وأختها هي من تبرعت وبجرأة عالية بإخبار أمي بالموضوع وانه حدث قبل عدة شهور ويتوجب عليها ان تتقبل الأمر وتبارك هذا الزواج، وفعلا قامت بترتيب الأثاث وهي صامتة.
مرَّ اسبوع كامل وقد وصلنا لقمة اليأس والألم نحن الأبناء
لكني كنت أراقب أمي خلال هذه الفترة فسمعتها تجهش بالبكاء في خلوتها عدة مرات.
كلهم كانوا في حالة صمت الا أنا آخر العنقود وقفت أمامه وبجرأة عالية واجهته رغم طبعه الذي يتصف بالحزم والتجهم، وقفتُ أمامه وقلت:ـ أبي أنت ظالم
وهذا اصطلاح سمعته من جارتنا وهي تواسي أمي...
فحزن حزنا شديدا وحاول ان يضمني الى صدره لكني هربت منه ونفرته حتى موته المفاجئ والمبكر بذبحة
قلبية.
لكني شعرت فيما بعد بندم يضايق روحي الى يومنا هذا..
***
قصة قصيرة
سنية عبد عون رشو
اقتربت منها ومسحت على راسها وقلت لها هامسة أي موضوع بهذه الحياة لا يستحق منا دمعة واحدة.
قالت: ـ أحيانا نحتاج الى رقود طويل كي ننسى ما يستحق ان نبكي من أجله سحبتُ الدفتر من أمامها وأخبرتها ، انه بإمكانها تأجيل الكتابة الى درس آخر.
قالت:ـ لكني انهيت كتابة موضوعي.
قلت:ـ اذن هذا جيد أنت فتاة مجدة وعليك ان تكوني قوية كذلك ، وخطك جميل وهذا يدل على قوة شخصيتك.
نظرتُ الى ساعتي وقلت:ـ ارجو المعذرة ان الوقت على وشك الانتهاء ثم توجهت للجميع وبصوت مسموع قلت:ـ
الانسان الضعيف لا ينجح في مراحل حياته القادمة اذن علينا ان نكون أقوياء ونمتلك ارادة صلبة ثم ان البكاء يليق بطلاب الأول الابتدائي وليس الأول متوسط اليس صحيحا يا ابنتي وأشرت اليها بيدي، ابتسمت ثم قالت نعم صحيح ولن أكررها مرة أخرى.
جمعتُ دفاتر طالباتي وخرجت بعد انتهاء مدة الدرس دفعني خوفي على مشاعر هذه الصبية ولمعرفة ما الذي تخفيه بروحها الغضة وما الذي كتبته وكان سببا لبكائها بحثت عن دفترها من بين الدفاتر.
فوجدتها قد كتبت.
أمتلك ذكرى عن أبي لا تمحوها السنون عانيت من أوجاعها أياما صعبة للغاية وأنا ابنة الخمس سنوات.
والدي كان يحب أمي ولم أسمعهما قد تشاجرا في يوم ما ولو لمرة واحدة أمي كانت تحمل أعباء الدار وتشرف على مراجعة دروسنا وأبي منهمك في عمله وحين يعود للدار تحاول أمي أن تحافظ على هدوء المنزل من أجل راحته وتقدم له وجباته من الطعام في موعدها.
لكن لا أدري ما الذي جعل أبي يتصرف بهذه الطريقة البشعة معها والتي غيرت مجرى حياتنا وغيرت نظرتنا له كأب حنون، أليس في ذلك ما يثير الدهشة.؟؟
فان كانت أمنا قد قصرتْ معه في أمر ما فما ذنبنا نحن الأبناء ليضع هذا الحاجز بيننا وبينه.
وبالتأكيد ان كل طفل يحب أمه أكثر من أي انسان آخر ولا يمكنه ان يراها حزينة..فهو يحزن لحزنها ويفرح حين يراها فرحة، هذه سنة الحياة وقانونها الذي لا يتغير.
نعم لا يمكنني ان أنسى هذا المنظر دائما وكأنه عشعش في تلافيف مخيلتي ليت هناك دواء للنسيان.
أتذكر سيارة حمل محملة بغرفة نوم جديدة وكنت وقتها العب مع صديقاتي أمام باب دارنا وخلفها سيارة أخرى (تكسي) تجلس بداخلها سيدتان وكان أبي يجلس في المقعد الامامي وقفت السيارتان أمام باب دارنا هرعتُ مسرعة وناديتُ أمي وحين حضرتْ لم تتحدثْ مع أبي لكني فهمتُ من ملامح وجهها ان هناك أمرا مزعجا أحزنها وأعتصر روحها بقوة لا تصدق.
أتذكر أمي وحزنها العميق وامتناعها عن الطعام لعدة أيام حين علمت بزواج أبي من امرأة أخرى وقد بنى لها بيتا صغيرا في الطابق العلوي لدارنا،وكانت تعتقد أمي أن هذا البناء لفك تكدسنا نحن الأبناء ذكورا واناثا في غرفة واحدة
إلا انه عاد ومعه زوجه الجديدة وأختها، وأختها هي من تبرعت وبجرأة عالية بإخبار أمي بالموضوع وانه حدث قبل عدة شهور ويتوجب عليها ان تتقبل الأمر وتبارك هذا الزواج، وفعلا قامت بترتيب الأثاث وهي صامتة.
مرَّ اسبوع كامل وقد وصلنا لقمة اليأس والألم نحن الأبناء
لكني كنت أراقب أمي خلال هذه الفترة فسمعتها تجهش بالبكاء في خلوتها عدة مرات.
كلهم كانوا في حالة صمت الا أنا آخر العنقود وقفت أمامه وبجرأة عالية واجهته رغم طبعه الذي يتصف بالحزم والتجهم، وقفتُ أمامه وقلت:ـ أبي أنت ظالم
وهذا اصطلاح سمعته من جارتنا وهي تواسي أمي...
فحزن حزنا شديدا وحاول ان يضمني الى صدره لكني هربت منه ونفرته حتى موته المفاجئ والمبكر بذبحة
قلبية.
لكني شعرت فيما بعد بندم يضايق روحي الى يومنا هذا..
***
قصة قصيرة
سنية عبد عون رشو