نصوص أدبية
عبد الجبار الحمدي: الجوع كافر..
تخرج كل صباح تسأل قوت يومها، يرافقها قفتها التي اخذت تأريخ من مساحة عمرها، وهنة مثل سنينه، ضاع بين متاهات ازقة وهي تطرق الابواب طالبة الخبز اليابس، حتى ولو كان قد اصابه العفن عفن الفائض عن الحاجة، الشمس لا ترحم وهي تتزاحم مع رطوبة الجو، الرمضاء تأكل من اقدامها، برغم عجزها تقفز باحثة عن ظل يؤيها للحظة، خرج لسانها يعوي يلعق شفاة متيبسة طلبا للبلل.. لم تعينها قواها على السير اكثر، انزوت بسد جدار يزفر من بطنه هواء ساخن، ومن شدة زفرة يدفع حنقه قطرات الماء، تلقفها لسانها دون ان تسأل... فالعطش نال منها، كل ذلك وقفتها تتسائل كم حقير انت ايها الزمن؟ لا.. بل كم نحن حقراء في هذا الزمن، العناوين متفشية كالسرطان كثيرة لكن الفقر متفش بأضعاف، مبرات الايتام في ازدياد، مكاتب دعم الفقراء الشرعية والغير شرعية، دوائر حقوق الانسان، عناوين... وعناوين، لكن الحرمان اثواب سملة للمعوزين، يرتدوها ملابس اعياد أيام ميتة، كل من عليها فان، للصبر اجران، اجر الصبر نفسه واجر الصبر على الصبر، إذن هو الحنظل أليس كذلك؟؟! امسكت باصابع خشنة لسان قفتها وهي تقول: أششششش لا تثرثري فما عاد تجدي الثرثرة، لقد بتنا أناس اسلام دون مسلمين، ورع دون تقوى، امة تبحث تقتات الفقراء مناصب سياسية... تحول مأسيهم الى ارقام ونسب، يركبون ما يسمونه البرلمان، يركلون بأحذيتم البالية القديمة اصوات جوع الفقراء، يقتلونهم لأن الجوع كافر يستحق القتل، فلم تبحث عن المستحيل في اللامستحيل، انها رسالة الى ابواب السماء لكنها دون عنوان فجميع العناوين استنفذت كرسائل تماما مثل الوصايا العشر... ما ان عاد بها النبي موسى و شاهد السامري وقومه يعبدون عجلا من الذهب حتى حطم الوصايا، فلا حاجة لوصايا الرب لسادة يعبدون أصنام انفسهم اربابا، اما الفقراء فلا زالوا فقراء ما لم يزدادو فقرا، ان البحث عن بقايا خبز غيرعفن غاية طموحهم، هكذا خلقهم الله عوزهم كالنار وقودها الناس والحجارة، ساعات ظهيرة حارقة مرت وهي لازالت قابعة في ذلك الظل الذي سرقته الشمس عنها دون ان تشعر... مر احدهم، شاهدها مستلقية على قفتها، نادى عليها ايتها المرأة العجوز قومي معي، تعالي الى الداخل اروي ظمأك من هذا الحر، لدي الكثير من الخبز اليابس... لكنها كانت متيبسة كخشبة حطب منخورة فالموت قد آواها إليه رفقا بها.
***
عبد الجبار الحمدي