شهادات ومذكرات

علي حمدان: نصر حامد أبو زيد (1943-2010)

مفكر، واكاديمي مصري، ولد في احدى قرى طنطا في مصر. والده كان صاحب بقالة وامه كانت ربة بيت. لديه اختان واخوين. تزوج من ابتهال يونس، استاذة الادب الفرنسي في جامعة القاهرة. ورغم ان عائلته لم تستطع ان توفر له تعليما جامعيا، تحصل على دبلوم صناعي في عام 1960، والذي سمح له بالعمل كفني لاسلكي  بين 1961-1972.

التحق أبو زيد بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة بعد تخرجه عام 1972، وعين معيدا في الدراسات الإسلامية، حصل علي درجة الماجستير عام 1976 والدكتوراه في عام  1982، واثناء اعدده لرسالة الدكتوراه حصل علي منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الامريكية بالقاهرة بين عامي 1976 و 1977، ثم بين 1978و 1980حصل على منحة من مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا.  كما عمل كأستاذ زائر في جامعة اوساكا من عام 1985 الى عام 1989.

بعد حكم قضائي مثير للجدل يقضى بتطليق أبو زيد من زوجته، على أساس انه مرتد، اضطر لمغادرة مصر، في أكتوبر 1995، واستقر في هولندا للعمل كأستاذ زائر في جامعة ليدن. وفي عام 2002، تم تعيينه أستاذا لكرسي ابن رشد في جامعة أوتريخت. توفى في القاهرة في 5 يوليو 2010 بعد اصابته بفيروس اثناء زيارة لأندونيسيا.

كرس أبو زيد معظم اعماله الاكاديمية لدراسة الخطاب الإسلامي التقليدي والمعاصر. ويقول أبو زيد في بيان مقتضب يلخص غرض مشروعه الاكاديمي" انه انتاج وعي علمي بالدين وتفسيرات عقلانية للنصوص يعتبر فيها التاريخ والمصالح الإنسانية عوامل أساسية" ( أبو زيد 1994، ص. 48). ولتحقيق هذا الهدف تناول أبو زيد العديد من القضايا الأساسية المتعلقة بالاتجاهات الرئيسية في تفسير القران في التراث الإسلامي. خصص رسالة الماجستير لمعالجة مشكلة الاستعارة في القران. صدر له تحت عنوان (الاتجاه العقلي في التفسير: دراسة في قضية المجاز في القران عند المعتزلة، 1982).

تناولت أطروحة الدكتوراه تأويل الصوفية للقران في كتابات ابن عربي، صدر الكتاب تحن عنوان: فلسفة التأويل؛ دراسة في تأويل القران عند محي الدين بن عربي 1983. ولقد أوضح أبو زيد في هذا الكتاب بان العقل كان هو مرجعية المعتزلة للاستدلال المعرفي، وفق مقتضيات المنطق، فقد كان الحدس هو سبيل المتصوفة للبحث عن المعنى الديني، حيث كشف أبو زيد عن محاولات المتصوفة، وممثلهم الأبرز ابن عربي، حيازة المعنى الديني في جوانبه الوجودية والمعرفية التي تتعدى النظرة الروحية للانفصال عن الواقع والسياحة في الكون.

 علاوة على ذلك في  كتابه: (الامام الشافعي وتأسيس الايدلوجية الوسطية، 1993)، استكشف أبو زيد مفهوم الشافعي للقران والسنة، هذا المفهوم الذي كان له تأثير على العديد من التفسيرات التقليدية للقران الكريم. " ويرى أبو زيد ان ابرز الأسباب التي جعلت النص يغمر الحياة يتمثل في "العقل الفقهي" الذي دشنه الامام الشافعي من خلال تأسيس سلطة للنصوص، تشمل نطاقاتها سائر الحياة الاجتماعية والمعرفية، وذلك بعد ان قام الامام الشافعي بتحويل النص الشارح الى الأصلي، واضفى عليه، كما يقول أبو زيد، درجة المشروعية نفسها، ثم وسع مفهوم السنة بأن الحق به الاجماع، كما الحق به العادات، وقام بربط الاجتهاد/ القياس بكل ما سبق ربطا محكما، مما يعني في التحليل النهائي وفق أبو زيد، تكبيل الانسان بإلغاء فعاليته واهدار خبرته، والسعي الى المحافظة على المستقر والثابت، وتكريس الماضي بإضفاء طابع ديني ازلي عليه". 

قبل مغادرته مصر، كتب أبو زيد (مفهوم النص)، الذي اثار كثير من الجدل، ويرى أبو زيد في هذا الكتاب ان النص القرآني هو نتاج التفاعل بين الوحي والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أحاطت بالتنزيل، لفهم تأثير العوامل الثقافية في انتاج معنى النص القرآني، لذلك انخرط أبو زيد في "تأسيس تاريخية " لبنية الخطاب الإلهي، وكشف طبيعة القراءات الايدلوجية للنص القرآني، وبفضل قراءة تحليلية نقدية تتوسل بالدرجة الأساس، بمنهجية تحليل الخطاب، وتستفيد من منهج السيميولوجيا، فضلا عن الاستفادة من مناهج الالسنية والاسلوبية وعلم السرد، وسواها من المنهجيات المستخدمة في حقل العلوم الإنسانية، تتيح له هذه المقاربات تقديم وجهات نظر جديدة حول المفاهيم المركزية في الدراسات القرآنية، مثل الوحي والموقد والمنسوخ، والآيات المكية والمدنية، وأسباب نزول سور القران.

لقد تابع أبو زيد مشروعه في نقد الخطاب الإسلامي من خلال العمل في اتجاهين. أولا، قام بتطوير منهجيات تحليل النصوص والاحاديث؛ الذي تضمن  بكتاب " علم العلامات، (1986)"  والذي ساهم  في إصداره والذي يعتبر من  ابرز مساهماته في هذا المجال، وثانيا، قام بدراسة نقدية للخطابات الإسلامية المعاصرة مثل السلفية والاصولية وجماعات الإسلام السياسي، متضمنا ما اسماه أبو زيد ب" اليسار الإسلامي" ويعتبر كتاب (نقد الخطاب الديني) من اهم مؤلفاته في هذا المجال.

امضى أبو زيد الفترة من عام 1995 حتى وفاته عام 2010 خارج مصر باستثناء زيارة قصيرة وحقق خلال هذه الفترة مكانة دولية رفيعة في مجال الدراسات القرآنية. كتب العديد من اعماله باللغة الإنكليزية، وترجمت اهم كتاباته الى لغات مختلفة، مثل الهولندية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، التركية، الفارسية، الاندونيسية، والاسبانية.

في هذه الفترة أولى أبو زيد اهتماما كبيرا لقضيتين أساسيتين؛ الأولى هي حقوق الانسان وخاصة حق المرأة، ويحلل كتابه (دوائر الخوف) الخطاب الديني الذي يمكن توظيفه على أنواع من الهيمنة والتمييز ضد المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية. اما المسالة الثانية فهو تطوير منهج تأويلي انساني للقران يعطى دورا أساسيا للسياق الإنساني التاريخي والثقافي المصاحب لنزول القران الكريم، والذي يساهم في فهم وإعادة انتاج معانيه. حاول وضع منهجه موضع التنفيذ من خلال انشاء معهد للدراسات القرآنية في اندونيسيا، وكان يعمل بشكل مكثف من اجل تأسيسه في الأشهر التي سبقت وفاته.

لقد نال أبو زيد جوائز عديدة من ضمنها جائزة الديمقراطية، منحت له من قبل جمعية المسلمين الديمقراطيين، كوبنهاغن الدنمارك، في عام (2006)؛ وجائزة ابن رشد في حرية التفكير، برلين عام (2005)؛ وجائزة جمعية الكتاب الأردنيين (1998).

***

كتب: علي حمدان

....................

المصدر: 

نصر حامد أبو زيد "مفهوم النص" دراسة في علوم القران. مؤمنون بلا حدود، للدراسات والأبحاث، الرباط، المملكة المغربية.

Amad Abdul Latif, Dictionary of African Biography, Editors in Chief :

Emmanuel K. Akyeampong, Henry Louis Gates, Jr. Volume !.

 

في المثقف اليوم