شهادات ومذكرات
علي حسين: الحياة التي يمكن إنقاذها بالعلم والتجربة
"ان السائر في براريها، تظهر له الجبال كأنها تبرز من الارض شيء بعد شيء، حتى تنتهي اليها، وهذا ظاهر في الوجود، ليستقيم منه الدلالة على الارض والماء معا في كروية".
توقف عن الكتابة وسار بضع خطوات في اتجاه النافذة، سرح ببصره بعيداً، ها هو يخشى الخروج من البيت بسبب الاضطرابات التي عمت البلاد، اخبره أحد المقربين منه ان ابن سينا هرب إلى جهة مجولة، خوفا من بطش الحاكم الجديد لخوارزم " محمود الغزنوي "، حذره من الخروج فالجند يبحثون عن جميع الذين عملوا في بلاط امير جرجانية. تذكر ما كتبه له ابن سينا في واحدة من رسائله:" واني لأذكر كلامك، ونحن نتباحث في امور واحوال هذا الزمان، حين قلت: اننا لسنا سوى عيدان من القش تلهو بنا رياح ولاة النعم "
اسبوعان وانا سجين البيت، ردد مع نفسه، اغلق النافذة وعاد ليواصل الكتابة، بعد ساعات كان الجنود يحاصرون البيت، سارعت زوجته إلى إيقاظه قبل أن يداهم الجند البيت ويفزعون العائلة، خرج اليهم ليسلم نفسه. كان ابو ريحان البيروني يبلغ من العمر اربعة واربعين عاما عندما زج به في السجن، سمع ان استاذه "عبد الصمد بن عبد الصمد الحكيم "، قتل بعد أن حاول الهرب. كان ينوي ايضا الهروب لكن امه سيدة كبيرة في السن ولا تتحمل مشقة السفر. يروي ياقوت الحموي في معجم الادباء – تحقيق احسان عباس ان السلطان محمد الغزنوي قرر الاقتصاص من البيروني بتهمة الكفر والزندقة، لكن بعض مرافقيه قالوا له:"هذا إمام وقته في علم النجوم، وان الملوك لا يستغنون عنه "فانقذته هذه الكلمات من سيف الجلاد. كان القمر بدراً في السماء حين اجتاز البيروني بوابة السجن، ليتوجه مع مجموعة من السجناء للسفر إلى مدينة غزنة في افغانستان، فقد قرر السلطان الغزنوي ان ينقل البيروني ومعه عدد من العلماء الذين تم اعتقالهم بتهمة تعاونهم مع الحاكم السابق الى غزنة، هناك حددت اقامتهم وقيدت حركتهم. عندما وصل الى المنفى، كان في حالة من الفقر والبؤس، حددت اقامته الجبرية في قرية اسمها جيفور، وجد نفسه ينشعل بالقراءة والكتابة، قرر ان يتعلم اللغة السنسكريتية وكان يتقن السيريانية والعربية والفارسية واليونانية، وان يضع ملاحظات عن حياة واعمال الفلاسفة الذين سبقوه، وأن يدرس تاريخ العلوم، ويواصل بحوثه في الفلك، ومع غياب المال كان هناك هاجس لاتمام كتابه " تحديد نهايات الاماكن " – حققه د. پ. بولجاكوف –.انه يحتاج إلى آلات رصد هكذا تحدث مع الحرس الذين يحسبون عليه خطواته، يواصل الكتابة في مسائل علم الفلك التطبيقي، غير مهتم بما يلاقيه من صعوبات ومضايقات، فالعلم عند البيروني له قيمة خالصة لا تحددها المنافع الشخصية:" الفضيلة الذاتية للشيء غير المنفعة العارضة لأجله " - كتاب تحديد نهايات الاماكن - ، وقد منحه اجادته للسنسكريتية امكانية الاطلاع على وثائق نوعية تتضمن معلومات مهمة في مجال الفلك وعلوم الجغرافية والحساب..وفي" تحديد الاماكن " يحاول البيروني تفنيد الخرافات التي كان يطلقها المنجمون والمعارضين للتقدم العلمي الذين يحاولون اخفاء جهلهم:" واني لا اكاد اصدق بموضوعات اصحاب صناعة الاحكام " المنجمون " في الادوار وتدبير الكواكب، وجريان الاحوال في العالم باسره "، ثم نراه يضع اصول دراسة العلوم، بالابتعاد عن التقليد والمحاكاة، بالاعتماد على تقصي الحقائق والتفاصيل دون القشور، وان لا يكون الهدف الرئيسي للعالم هو الكسب المادي، ثم يرد على حجج الذين يتساءلون عن منفعة العلم. مشيرا الى ان العلم هو الذي يفرق بين الانسان والحيوان: " فيه يمكن اجتلاب الخير واجتناب الضير سواء في الدنيا او الآخرة، فالشؤون الدنيوية تحتاج الى شيء من العلم، والامور الدينية تحتاج الى دراسة للاديان وتاريخها. بل ان ان درسة نظام الكون ضرورية " - تحديد نهايات الاماكن -
ينتقل البيروني بعد ذلك الى الحديث عن نشاة العلوم واسبابها وعن رغبة الانسان في مواجهة كوارث الطبيعة وتاثيراتها.. بعدها يتناول الموضوع الذي خصص له الكتاب وهو علم الجغرافيا ويناقش فائدته ويخبرنا البيروني باهتمامه الشديد بعلم الجغرافيا منذ صغره وسعيه الى تاليف كتاب شامل عن هذا العلم ، بعدها يضع لنا البيروني اسس لعلم " الجيولوجيا " عندما يناقش التغييرات الجيولوجية التي طرأت على مر العصور وتاثيرها على حياة الناس.
طفولته كانت فقيرة، ولد أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني في الرابع من ايلول عام 973م في قرية من ضواحي مدينة " كاث " عاصمة خوارزم، واختلف الباحثون في اصوله، حتى انه يكتب:"
ولست والله حقا عارفا نسبي
اذ لست اعرف جدي حق معرفة
وكيف اعرف جدي إذ جهلت ابي
تخبرنا كتب السيرة ان والده كان يعمل يائعا متجولا، توفي وكان ولده محمد في الثانية من عمره، فتكفلت امه بتربيته، حيث عملت في جمع الحطب وبيعه، وكان في صباه يساعدها في هذه المهنة، وذات يوم يشاهد رجلاً يجمع الزهور والنباتات فسأله: لماذا تجمع هذه النباتات الزهور يا سيدي ؟! فأجابه الرجل: إني أجمعها من أجل العلم، فمِنها نأخذ العقاقير. دفعه الفضول ان يطلب من الرجل ان يشرح له اكثر عن العقاقير،الامر الذي دفع الرجل أن يسأله هل يُحب أن يعلمه ما يعرفه عن النباتات، كانت الام حريصة على تعليم ابنها برغم الفقر، ظل حائرا وهو يستمع الى العرض الذي قدمه الرجل، فهو يرغب في مزيد من العلم إلا ان احوالهم المالية لا تسمح وعليه ان يخرج كل صباح للبحث عن الرزق، لاحظ الرجل حيرة الصبي فطلب من الام أن تسمح لابنها بالعمل معه في جمع النباتات وسيدفع له اجرا جيدا، لتبدأ مسيرة جديدة في حياته.
كان الصبي مغرما بالتعليم، يقرا كل ما يقع بيده من الكتب، ووجد في مكتبة جامع النباتات الكثير من الكتب لكنها مكتوبة باليونانية، فقرر ان يتعلم هذه اللغة، بعد سنوات من العمل يقرر الرجل ان يرحل عن مدينة " كاث " تاركا معمله وكتبه لتلميذه الذي بلغ الثامنة عشر من عمره، في تلك الفترة يتعرف على عالم الفلك والرياضيات " أبو نصر منصور بن عراق " وكان من امراء الاسرة الحاكمة، في مكتبة الامير تستهويه كتب التاريخ والجغرافيا اليونانية، اهتم بقراءة هيرودوت واطلع على بعض كتابات ارسطو في الرياضيات والمنطق.. قام بتجربة لمعرفة الموقع الجغرافي لمدينة " كاث " بالنسبة لخطوط الطول والعرض، نجحت محاولته التي اعجب بها الامير.كان البيروني يعلق اهمية على دراسة جغرافية الارض وتاثير هذه الجغرافيا على حياة الناس، ونتيجة لدراسته الواسعة للطبيعة والتاريخ، صار عارفا بالطبيعة النوعية للعصور، وقد كان يعرف جيدا ان التجربة الخاصة مع التفكير العقلي تساعد الانسان على الفهم والتفسير، وانها تعينه في الوقت نفسه على مقارنة الاشياء ببعضها البعض واكتساب العلم، فقد كان يرى ان العبادة لا تتم مع الجهل، وان على الانسان ان يوسع من نطاق فهمه وادراكه للكون المحيط به ولنفسه وخباياها، فوظيفة الانسان هي الادراك والمعرفة..لم تطل اقامة البيروني عند الامير منصور بن علي، فقد حدثت اضطرابات في خوارزم دفعته للرحيل الى مدينة ري، وكان في حالة يرثى لها، فقد ترك كل ما يملك من المال لوالدته.هو الآن قد بلغ الثانية والعشرين من عمره وقد استهوته موضوعة الارصاد الفلكية، فعمل مساعدا عند الفلكي " الخو جندى " الذي أُعجب بالبيروني فصار صديقاً له، هناك سيتمكن من كتابه اول كتبه وكان بعنوان " حكاية الآلة المُسمَّاة بالسُدس الفخري ". بعد ان إستقرَّت الأحوال في مدينة كاث، عاد البيروني، لكنه لم يمكث طويلا حيث قرر السفر الى مدينة بُخارى، للاطلاع على مكتباتها، وفي بخارى يتعرف على إبن سينا الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 18 عاما، وينتهي من كتابه " الجماهير في معرفة علم الجواهر". يترك بخارى بعد حدوث اضطرابات ليقرر السفر الى جرجان التي سيقضي فيها سبع سنوات ينشر خلالها أول مؤلف من مؤلفاته الكبرى " الآثار الباقية عن القرون الخالية " – تحقيق علي الشحات -، يعمل في المرصد الفلكي، يتمكن من رصد خسوفين للقمر. انتقلت اخباره إلى المدن الاخرى فاستدعاه حاكم جرجانية الأمير " المأمون بن المأمون " الذي طلب منه الانضمام إلى مجمع العلوم والذي كان من بين اعضاءه الفيلسوف " ابن مسكويه ". في جرجانية يتفرغ لدراسة تضاريس الارض ويقوم بصنع كرة كبيرة رسم عليها الأقاليم و البلدان و حدَّدَ عليها خطوط العرض و الطول، فكان أول من وضع أصول الرسم للخرائط على سطح الكرة..تمضي ايام البيروني التي كان فيها ميالا الى الوحدة والكتابة، يستدعيه السلطان محمد الغزنوي ليصطحبه معه في رحلته الى الهند، وسيلتقي هناك بعلماء الهند ويتعرف على فلسفتهم ليخرج لنا كتابه الاشهر " تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة " – حققه محمد علي مكي – ويعرف في اوربا باسم " تاريخ الهند " وقد امضى البيروني في تاليف كتابه هذا اربعون عاما تفرقت على ثلاثة عشر رحلة قام بها الى بلاد الهند، وقد لخص فيه حياة الهند بكل تفاصيلها ضمن ما نسميه اليوم البحث الانثربولوجي المقارن الذي يشمل الدين والتاريخ والجغرافيا والعلوم والرياضيات والحكمة.
يتعرض البيروني الى محنة بعد وفاة والدته التي كان متعلقا بها كثيرا، بعدها يتوفى صديقه ابن سينا، ولم تمر اعوام قليلة حتى يُقتل السلطان مسعود الغزنوى الذي كان يرتبط معه بعلاقة صداقة. يقرر الاعتكاف في البيت بعد ان زادت عليه الامراض، يتفرغ لاتمام كتابه " قانون المسعودي " ويعد هذا الكتاب موسوعة في علم الفلك، فقد كان البيروني يوجه النقد لكتب بطليموس عن الفلك ويشرح مفهومه عن حركة الارض:" إن الارض تدور والسماء ثابتة، وحاول بعضهم رد هذا القول بانه لو صح ذلك لسقطت الحجارة والاشجار من الارض " ويضيف:" إن هذا السقوط لا يحدث لان جميع الاشياء الثقيلة تنجذب نحو الارض ". وكانت مسالة دوران الارض من اكثر الامور الجدلية في الفكر الاسلامي، وهناك بعض الدراسات التي تؤكد ان كوبرنيكوس اعتمد في بعض المسائل الفلكية على ما كتبه البيروني، حيث نجد ان كوبرنيكوس يستخدم حججا مماثلة لدحض ادلة بطليموس الزاعمة بأن الارض ثابتة. ويحاول في الوقت نفسه ايجاد صرح حسابي يتناول حركة الكواكب، ويشبه هذا الصرح الحسابي النموذج الذي صممه البيروني وعلماء الفلك من امثال نصير الدين الطوسي الذي انشأ اكبر مرصد في تاريخ الفلك القديم.
في سنواته الاخيرة قرر ان يحول بيته الى مدرسة ارادها شبيهة بما فعله افلاطون في اكاديميته، وكان يلقي دروسا عن الصيدلة جمعها فيما بعد في كتابه " الصيدلة في الطب " ومحاضرات عن حركة النجوم والافلاك كانت نواة لكتابه " مفتاح علم الهيئة ".
اصيب بمرض في المعدة لم يمهله طويلا، ففي صباح الثالث عشر من ايلول عام 1049م يفتح عينيه يسأل بصوت خافت عن احد المقربين له وهو قاض المدينة الذي حضر مسرعا، يحاول النهوض فيحد صعوبة، يهمس في اذن القاضي مستفسرا عن مسألة في القانون
فيجيب الرجل بأسى: افي هذه الحالة
فيقول بصعوبة:" يا هذا، اودع الدنيا وانا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرا وانا جاهل بها ". بعدها يغمض عينيه للمرة الاخيرة.
***
تتشكل صورة البيروني الفلسفية قبل كل شيء من خلال الرسائل المتبادلة بينه وبين ابن سينا – حققها ونشرها سيد حسين صر -.كان البيروني يبلغ من العمر " 30 " عاما، فيما بلغ ابن سينا " 23 " عاما وكانت مسائل الفلسفة اليونانية هي الحاضرة في الرسائل التي كانت بدايتها اسئلة تتعلق بالفلك، وتشمل الرسائل عددا من الاسئلة التي تتصل بنظرة ارسطو للفلك، وسيجيب ابن سينا الذي كان من انصار ارسطو على اسئلة البيروني الذي كان ينتقد اعتماد ارسطو على آراء القدماء في نظريته عن الكون دون الاعتماد على الملاحظة الذاتية، كان البيروني ابيقوريا الهوى، اعجب بالمانوية، لا يؤمن بعلم التنجيم، فمن وجهة نظره لا يعد التنجيم علما إنما هو نزعة صوفية. يصر على ان التجربة هي اساس العلم ، وبالنسبة له مهما كانت النظرية الزامية فانها يجب ان تخضع للملاحظة والاختبار.
كان اهتمام البيروني بالفلسفة بشكل مبكر، منذ سن الخامسة عشرة.ويبدو انه جصل على تعليمه الفلسفي من خلال كتب ابو بكر الرازي الذي توفي قبل ولادة البيروني بنصف قرن، وقد وضع كتابا بعنوان " فهرست كتب الرازي " بعدها ستقع بيده بعض رسائل وحكم ابيقور التي قرأها بالسيريانية، ربما سيخطر ببالنا ان البيروني كان محبا للمتع واللذات، فالغريب انه كان ابيقوريا زاهدا في حياته، ومن المؤكد انه لم يتوقف عن البحث عن المعرفة وكان يرى ان واجب العلوم هي ان تنقذنا من النماذج الخاطئة للحياة ، ولهذا فان كل علم وان طلب لذاته، لانه يحقق حاجات الانسان الاساسية اليه من حيث ان وظيفة الانسان العليا هي الادراك والمعرفة. إلا انه العلم ايضا يحقق كثير من الحاجات الاخرى، لان نشأة العلم ارتبطت منذ البداية بحاجات الانسان الاساسية.
لا شيء يأتي من العدم كانت هذه حجة البيروني التي يرد فيها على النظرية التي تقول ان العالم لم يكن له اصل، ولهذا فان البيروني يرى ان الاشياء لو كانت تاأتي من العدم، فاي شيء يمكن يأتي من شيء آخر، وهذا ما كذبته الوقائع على حد تعبير البيروني. فالكون يتصف بالازلية، وباللامحدودية.
كان البيروني يمثل الاتجاه التجريبي في الفلسفة الاسلامية،الذي يفسر الظواهر في حدود المشاهدة والملاحظة للكشف عن القانون الذي تسلكه الظواهر. فقد كان من القائلين بان الظواهر الطبيعية خاضعة لمبدأ الحتمية العلمية، بمعنى ان جميع الظواهر خاضعة لقوانين ثابته بامكان الفلسفة التجريبية كشفها.وقد حاول حابر بن حيان البرهنة على ذلك في بحوثه التجريبية في علم الكيمياء. وطبق ابن الهيثم هذه الفلسقة في بحوثه في الضوء وكذلك ابو بكر الرازي. وللبيروني نظرية في فلسفة التاريخ قدمها من خلال كتابه " تحقيق ما للهند " وموسوعته " القانون المسعودي، جاول فيها ان يقارن ويربط بين الحضارات ، وتظهر شخصيته كفيلسوف في اهتمامه بالمشاهدة والملاحظة، والاجتهاد في الوصول الى الحقائق، فهو يرفض الكثير من الخرافات والقصص التاريخية، حتى ان بامكاننا ان نعتبره رائدا من رواد الموضوعية، فهو يؤمن ان منهج البحث يقتضي ان يتجرد الفيلسوف او العالم من اهوائه وميوله ورغباته، واول ما نصادفه عند البيروني هو الروح النقدية. فروح النقد عنده تجعله ياخذ على عاتقه مهمة الفحص والتدقيق والتحري، فهو يوجه اعنغ نقد للجهل الذي كان سائدا آنذاك:" اذا نظرت الى اهل زماننا وقد شكلوا في اقطاره بشكل الجهل وتباهوا به وعادوا ذوي الفضل، واوقعوا بمن اتسم بالعلم، وساموه انواع الظلم ". ويسخر من الذين ينشغلون بعلوم لا فائدة منها ، ويهملون اهمية العلوم التجريبية المتصلة بالرياضيات والطبيعيات، كما تتجلى الروح النقدية في دعوته الى ازالة الحواجز والاصنام التي تحول دون معرفتنا للحقيقة،وينتقد البيروني النزعة العصبية فيقول:" ان العصبية تعمي الاعين، وتصم الاذان وتدعو الى ارتكاب ما لا تسامح باعتقاده العقول ".
يكتب جورج سارتون في موسوعته تاريخ العلم:" لو قلنا ان النصف الاول من القرن الحادي عشر الميلادي يعد اوج التقدم الفكري، لا نكون قد بالغنا. السبب الاساسي هو ان ذلك العصر قد تميز بميزة مهمة إا وهي وحود البيروني وابن سينا في ذلك العصر.هذان العالمان اللذان يعرف كل منهما الآخر يختلفان عن بعضهما تماما، فالبيروني يمثل طبقة من المفكرين الذين يتميزون بفكر يبحث عن الجديد ويسلك المسلك النقدي. اما ابن سينا فيتميز بفكر يعتمد في منهجه على التأليف والتركيب البيروني كان اكثر من مكتشف، ولهذا يُعد فكره اقرب الى الافكار الجديدة ".
والاآ ربما يسأل البعض هل البيروني المولود في خوازم فيلسوف عربي؟
اترك الاجابه للبيروني نفسه الذي كتب في كتابه الصيدلة في الطب:" وإلى لسان العرب نقلت العلوم من اقطار العالم، فازدادت وحلت الى الافئدة وسرت محاسن اللغة منها في الشرايين والأوردة ".
***
علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية