شهادات ومذكرات
صادق السامرائي: معاوية ودولة بني أمية؟!!
هذه قراءة مركزة، تحاول تشريح الحالة نفسيا، وفقا لما يتوفر من المعلومات المدونة، وتتناول السلوك أيا كان صاحبه.
معاوية بن أبي سفيان، ولد قبل بعثة النبي بسنتين أو أربع سنوات، وتولى الخلافة (41 - 60) هجرية، وتوفي في عمر (75 أو 77)، معروف بدهائه وحلمه ومهاراته القيادية وذكائه السياسي، صحابي ومن كتّاب الوحي، وأسلم عند فتح مكة (8) هجرية، والبعض يقول قبل ذلك، أي أسلم في عمر تجاوز العشرين بقليل، ويُقال هو من المؤلفة قلوبهم، أو الطلقاء، وكان واليا على بلاد الشام لعشرين سنة، بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان في طاعون عمواس، وخليفة لعشرين سنة، والبعض يرى أن الحظ لعب دوره في بزوغه وصعوده.
أسس الدولة الأموية، وكانت عربية صرفة، وانطلقت بفتوحاتها وإنجازاتها المعروفة في زمنه، ولم يضع الأسس المتينة لها، بل قوضها بإسقاطه مفهوم الكفاءة والشورى، وإطلاقه لولاية العهد والبيعة لمن بعده مبكرا، وجعل الحكم وراثيا عائليا، مما أصابها بمعاضل.
فيزيد بن معاوية ربما لا يمتلك الخصال المطلوبة لقائد دولة ناشئة، ومعاوية بن أبي سفيان ما عنده ولد غيره، والبعض يذكر أن له ولد آخر إسمه عبدالله وآخر إسمه عبد الرحمن ، وهناك ما يشير إلى أنه لم يعقب سوى بضعة بنات بعد يزيد أو قبله.
فمعاوية بن أبي سفيان ربما أضعفَ دولته بإتخاذه إبنه خليفة من بعده، وكان قليل خبرة فأجج المسلمين عليه، ولو أن قادته إرتكبوا الخطايا الجِسام التي حصلت، لكنه هو المسؤول لفقدان مهارات السياسة والقدرة على التفاعل القيادي النبيه، المستوعب للحاضر والمستقبل، بل يُذكر أن الإنفعال عنوان ما بدرَ منه من تصرفات وقرارات ذات تداعيات مروعة.
ومن خطبة لمعاوية " أللهم إن كنتُ قد عهدتُ ليزيد لما رأيتُ من فضله فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنتُ إنما حملني حب الولد لولده، وإنه ليس لما صنعت به أهلا، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك".
وموضوع الحكم الوراثي على الأرجح أخذه من الأمم الأخرى التي تفاعل معها، فالحكم بالوراثة متداول في إمبراطوريات الدنيا من قبل، ولخلافة الحسن دورها، ولو أنها كانت ببيعة، لكنه ربما أدركها على أنها توريث.
وكادت أن تنهار دولته، بوفاة يزيد ومن ثم إبنه معاوية الثاني، الذي كان مريضا عند توليته، فمنع مروان بن الحكم الخلافة عن خالد بن يزيد لصغره، وبعد وفاته سنة (65) هجرية، تولى إبنه عبد الملك الأمر، وكان عبدالله بن الزبير (1-73) هجرية خليفة أيضا، ولمدة تسع سنوات (64 - 73) هجرية ، فلجأ إلى القوة الفتاكة، المتمثلة بما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي بإمرته، ولم يستتب الأمر نسبيا إلا بالقضاء على عبدالله بن الزبير.
فكان المروانيون في غاية القسوة على مَن يعارضهم، ولا يعنيهم مَن يكون، المهم أن يؤيدهم ولا يقاوم الدولة، وهذا الأسلوب تهاوى بعد غياب أساطينه الأقوياء، ولهذا إنهارت الدولة في أقل من قرن.
والعجيب في أمر معاوية بن أبي سفيان أنه عهد لإبنه يزيد بولاية العهد وهو في سن الخامسة عشر، وبقي خليفة يعاني من هذا القرار ومناوئيه لمدة عشرة سنوات، وهو الحليم الداهية، وكأنه ما أدرك خطورته، وما إتخذ ما يلزم لرأب الصدع الماثل أمامه.
وهو ذات الخطأ الذي إرتكبه فيما بعد، المتوكل على الله عندما عهد بولاية العهد لإبنه المنتصر بالله وهو في عمر الثالثة عشر، وبقي وليا للعهد إثتي عشر سنة، فيها تغيرت نظرته وتقديره للأمور، وكاد أن يتخذ إجراءً ضده، فانتهى بمقتله على يد ولي عهده ، الذي مات بعد ستة أشهر من توليه الخلافة.
فالأسس التي وضعها معاوية بن أبي سفيان أنهت دولته الحقيقية بعد وفاته، ولفظت أنفاسها الأخيرة بعد موت إبنه يزيد، وبدأت دولة بني مروان، الذين إنطلقوا بها على ذات الأسس الوراثية، وللسيف الدور الأكبر في إبقائها لأقل من سبعة عقود.
وحسب دراسة للدكتور عبدالسلام العجيلي أن معاوية كان مصابا بداء السكر، وهناك ما يشير إلى مرضه الشديد في السنوات الأخيرة من حكمه، ومعاناته من البدانة المفرطة، وكأنه كان مشوش التفكير والتقدير ومُقعدا، وتفاعلاته ليست كما عُرف عنه، وما تمكن أحد من الإنتباه لذلك، وأخذ الأمور على محمل الجد.
إن للأمراص التي تصيب القادة والخلفاء تأثيراتها الجسيمة على الدولة والمواطنين، ودورها الخطير في الأحداث الكبرى التي ألمَّت بالمسلمين، لكن القدسية التي تُضفى على الخليفة أو القائد تمنع الناس من النظر إليه ببصر قويم.
ولا بد من الأخذ بالإعتبار الأمراض النفسية والعقلية والبدنية، التي تصيبهم وتدمّر الأجيال من بعدهم.
د- صادق السامرائي