شهادات ومذكرات
صادق السامرائي: إلى روح زميلي الطبيب الشاعر!!
الدكتور ريكان إبراهيم أعرفه منذ أن كنت مقيما في مستشفى إبن رشد، وأتابع ما يكتبه في عموده الأسبوعي "تحت الجذر التربيعي"، وتصلني بعض أشعاره عن طريق المرضى الذين كانوا يتواصلون معه، ويحسبونه حكيما وعارفا بخفايا النفوس.
إلتقينا مرارا فبالة تلك المستشفى وتحدثنا طويلا عن الأدب والنفس والشعر، وما تجود به قرائح الأطباء من إبداع وفن.
وباعدتنا الأيام، ووجدته ذات يوم يسأل عني ويتواصل مع صديق مشترك بيننا، ليذكر لي بأنه يسأل عني، فهاتفته وإستمر الكلام بيننا عندما كان في الأردن، وأخبرني كثيرا عن حالته الصحية وما يمر به، كما أن صديقنا صاحب أطراف الحديث حدثني عنه مرارا، وذكر لي مقابلاته معه فتابعتها.
وبعدها عرفت بأنه إنتقل للأنبار وعمل في عيادة خاصة، أو حصل على عقد مع الجامعة.
وقد لعبت صحيفة المثقف دورها في توطيد التفاعل بيننا، فكان يعلق على ما أنشر، ويهاتفني ويشجعني، وعندما أبث له شكواي، عن مرض الكتابة، يقول إنه " المرض اللذيذ"، ويضيف " أيها المملوء أسكب خزينك".
كتبت عنه نصا تعقيبا على ما أشار إليه في إحدى محاوراتنا، ونشرته صحيفة المثقف في حينها، وعلق عليه وهاتفني، وأمعن في فلسفته ورؤيته للنفس والحياة والعقل والشعر.
وعنوان النص: "سفينتنا" منشور في صحيفة المثقف بتأريخ 27 آذار 2019
تواصلا مع قوله: "أعرف أن سفينتنا مثقوبة، لكن لا أعرف هل أن البحر سيدخلها نزقا أو طيشا، أم أن سفينتنا ستشربه كي تروي الركاب العطشى"!!
ومطلع النص: " سفينتنا بلا ثقبٍ أراها...وإنّ الثقب في بشرٍ علاها، وإن البحر يسألها لماذا...تأخر سفرها، ماذا اعتراها".
تعلمت منه منذ بدايات خطواتي في الطب النفسي، وكان بمثابة أستاذي عن بعد، وفي الأشهر الأخيرة إنقطعت أخباره عني، وتساءلت عنه، وبلغني نعيه ورحيله بعد معاناة قاسية مع المرض.
وداعا أيها الطبيبُ الشاعرُ، ودم حيا، فأنت صاحب رسالة فكرية أديتها بصدق وأمان وإصرار على أن الحياة إرادة، والشعر صوت الروح المكابدة، الصاعدة نحو فضاءات النور الأسمى.
و"حكم المنية في البريّة جارِ...ما هذه الدنيا بدار قرارِ"!!
***
د. صادق السامرائي