أوركسترا
كاظم شمهود: المقاهي ودورها التنويري في الحياة الاجتماعية الاوربية

صدر كتاب – المقاهي الادبية في باريس – حكايات وتاريخ – للكاتبة السورية هدى الزين عام 2014 وهو من الكتب النادرة التي تقدم قراءة جميلة عن تاريخ نشوء المقاهي في باريس ولندن وروما وامستردام. وكانت المقاهي في القرنين التاسع عشر والعشرين فضاءا للمثقفين والمفكرين والفنانيين والسياسيين. ومن على طاولاتها تم تحرير اغلب المقالات الصحفية وكتبت فيها بيانات كثير من الحركات الفنية والادبية وانطلقت منها صرخات الثوار والمناضلين ضد الظلم والفساد. وكان المثقفون يتخذون اركانا منها ليكتبوا مؤلفاتهم واشعارهم وسط سخونة جدلية حول الافكار والنقد. وفيها رسمت اللوحات العالمية والتيارات الفلسفية وفيها اقيمت المعارض الفنية وتوقيع الكتب ومنح الجوائز للاعمال الادبية والفنية.
وتذكر احد المقاهي في باريس واسمها -الاموموس – وكان من روادها الشاعر شارل بودلير 1821 والرسام ادوارد مانيه 1832. ومقهى اخرى تسمى -غروب دي مانتينول – حيث فيها يلتقي عظماء الادب والفن مثل بول سيزان 1839 والكاتب اميل زولا 1840 وادوارد مانيه. ومنها انطلقت الشرارة الاولى للمدرسة الانطباعية.. ومقهى -ليب – والتي يلتقي فيها كبار الشخصيات السياسية والادبية منهم فرانكويس ميتران 1916 والروائي الامريكي ارنس همنغواي 1899 حيث فيها كتب روايته – باريس والعيد.
ومقهى – دي لورانت – وكان من روادها الفيلسوف جان جاك روسو 1712- 1778 صاحب كتاب العقد الاجتماعي. والذي عرف عنه انه ناري حاد المزاج، وهجاء بالسليقة، وكان قد هجا كل من حوله من رواد المقهى حتى ادى به ذلك الى نفيه. ويذكرنا ذلك بالشاعر العربي الحطيئة الذي اتصف شعره بالهجاء حتى انه هجى نفسه، وادى به ذلك الى السجن من قبل الخليفة عمر بن الخطاب.. ومقهى – بروكوب – التي تاسست عام 1689 ويذكر انها اول مقهى تاسست في باريس. وكان من روادها عدد من المثقفين المجددين والرافضين للحكم المطلق والذين لا يهضمون الافكار الجامدة ويرفضوا التفكير الارستقراطي والكنسي ومنهم جاستاف فرانسوا فولتير 1694 – 1778 ابو التنوير، وكان يكثر من مديح محمد -ص- حتى قال ان دينه حكيم وصارم وطاهر وانساني. كما ظهر في باريس مقهى -ليه دي ماغوش ومقهى – دوفلوز – وكان يردها عدد من المفكرين والكتاب والفنانين منهم بول سارتر وصديقته سيمون دي بوفوار وبيكاسو، وغيرهم.
وفي انكلترا تم افتتاح اول مقهى عام 1652 تسمى – بيتي يونفر سيتيز – وتعني الجلوس مقابل اجر. ثم جاءت بعدها مقهى ادوارد اليودز عام 1688. وفي عام 1683 تم افتتاح مقهى في فينا ويرجع ذلك بعد هزيمة الاتراك في المعركة تاركين ورائهم مخزونهم من البن. وفي عام 1721 تم افتتاح اول مقهى في برلين. وفي عام 1760 ظهرت اول مقهى في روما تسمى انتيكوغريكو. ومقهى مونتمارت التشيكي والتي كانت مقر الاديب فرانز كافكا 1883-1924. والملحن والصحفي ماكس برود. والمقهى الادبي في سانت بيتر اسبورغ وكانت مقرا للادباء الروس مثل الكاتب ديستوفيسكي والشاعر الكسندر بوشكين وغيرهم.
وكانت هذه المقاهي بمثابة مراكز للتنوير والتثقيف حيث يجد الزبائن فيها المكان المناسب للكتابة واستقبال الضيوف وتناول الطعام. وبعضها تمنح جوائز سنوية لافضل الاعمال الادبية مثل مقهى – ليه دي ماغوش– وكانت بعض المقاهي تتوفر فيها الصحف اليومية للمطالعة المجانية. كما توزع فيها احيانا الحلويات.. وكانت من هذه المقاهي الباريسية تصدر بيانات الحركات الفنية مثل السريالية من قبل الشاعر اندريه بريتون وجماعته.
***
د. كاظم شمهود