أوركسترا
عدنان حسين أحمد: انهيار.. شريط وثائقي صادم يقطِّع نياط القلب
![](/images/2/1069_movie.jpg#joomlaImage://local-images/2/1069_movie.jpg?width=&height=)
يُشكِّل فيلم "انهيار" للمخرج هادي ماهود التسلسل السابع في رصيده للأفلام الوثائقية حتى سنة 2009م إضافة إلى أربعة روائية قصيرة وهي "بائع الطيور"، "الساعة 1800"، "الغريق" و"جنون". وقد اعتمد هادي على تقنية "الرؤوس المتكلمة" التي تَحاوَر معها على مدى 50 دقيقة وهي مدة الفيلم الكُليّة ليصوّر لنا الانهيار الذي تعرّض له الدكتاتور صدام حسين، وحزب البعث الذي يقوده منذ سنواتٍ طوالا قبل أن يتبوأ منصب الرجل الأول في الدولة في 16 يوليو / تموز 1979م، غير أنّ مفهوم هذا الانهيار من وجهة نظر المخرج هادي ماهود قد تمثّل بتخريب "مسرح الرشيد" و "دائرة السينما والمسرح" ونهب محتوياتهما التي لا تُقدّر بثمن لأنها تمثل الذاكرة السمعية والبصَرية لما أنتجتهُ الإذاعة والتلفزيون والسينما العراقية منذ تأسيسها ولحد 2003م؛ السنة التي سقط فيها صدام حسين، وانهار فيها نظام البعث، وغاب عن المشهد السياسي كليًا أو هكذا تتمنى الغالبية العظمى من الشعب العراقي. لم تكن اللقطة الافتتاحية لظهور صدام حسين الأخير في منطقة الأعظمية وهو يُحيّي مجموعة صغيرة من المواطنين لقطة عابرة أو مشهدًا يمكن نسيانه بسهولة فمن يتمعن في ملامح وجهه يكتشف اندحاره الداخلي وسقوط الهالة الكارزمية التي كانت تحيط به أينما حلّ أو ارتحل سواء في داخل البلاد أو في خارجها. أمّا مشهد قصف بغداد من قِبل قوّات التحالف فهو الآخر لا يمكن نسيانه أو غضّ الطرف عنه، فلقد أمعنت القوات الأمريكية المحتلة تدميرًا بالبنى التحتية للشعب العراقي ولم يستطيعوا استهداف صدام حسين الذي كان يتنقل في أحياء بغداد أول الأمر قبل أن ينتهي به المطاف في منزل قيس النامق في قضاء "الدور" ثم ينتقل إلى بستانهم المطل على نهر دجلة.
تعمّد المخرج إدخال أغنية "يا حريمة" للفنان حسين نعمة ضمن المقطع الأول للفيلم الذي تتعرض فيه بغداد إلى قصف غير مسبوق في تاريخ الحروب استعملت فيه قوات التحالف قسوة مُفرطة تعبّر عن الوحشية الكامنة لدى المحتل في تدميره للطرق والجسور والمنشآت الحكومية الخدمية وكأنّ لسان حال المخرج يقول:" يا حرام لما يتعرّض له العراق وشعبه المغلوب على أمره من خراب ودمار وطمس لمعالمه العمرانية والحضارية حتى أننا أصبحنا أحجية أو "سالوفة" بين الملل والنِحل والطوائف". كما يتناهى إلى سمعنا خبر تصدير الملايين من براميل النفط العراقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكأنه يلمِّح لنا بأنّ النفط هو أحد أسباب الاحتلال الرئيسة. ولا يبتعد الخبر الإذاعي الثاني الذي يزعم فيه الكيان الصهيوني أنه سيشن في اليوم ذاته حربًا حتى النهاية ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وثمة خبر ثالث تحثُّ فيه أستراليا رعاياها في ذلك اليوم أيضًا على مغادرة إسرائيل إذا شعروا بأي قلق أمني وتجنّب السفر إلى هناك بعد تصاعد العنف في الشرق الأوسط.
مرثية مُوجعة لتوديع رموز الفن العراقي
كل هذه الأخبار تمهِّد لنا الطريق للولوج إلى متن الفيلم وفضاءاته الحوارية المتعددة التي يتحدث فيها قرابة عشرين شخصًا غالبيتهم من الفنانين والمثقفين والمعنيين بالشأن العراق باستثناء بعض الشخصيات البسيطة مثل الطفل الذي يسكن مع والديه في بناية "المسرح" نفسها، وبعض النسوة الملفعات بالسواد اللواتي يفترشن أرصفة الشوارع في العاصمة الأردنية "عمّان" وما على المتلقّي إلّا أن يستمع إلى هذه الحوارات التي يغلب عليها البوح الصادق، والألم العميق، والشجن الذي يهزّ قلوب المتابعين لهذا الفيلم المرصّع بالفجائع المتلاحقة التي تصيبنا، نحن العراقيين، على وجه التحديد وتأخذ منّا مأخذًا كبيرًا وكأنّ الفيلم يبدو مرثية مُوجعة نودِّع من خلالها الأدباء والفنانين والمفكرين إلى مثواهم الأخير واحدًا إثر الآخر وكأنهم لا يريدون أن يروا ما سيحلُ بأرض الرافدين من إحن ومحن.
ليس غريبًا أن يلتقي المخرج بطفل يتعثّر بكلماته التي لا تُعينه على التوصيف لكنها كافية لأن تدلّنا على أنه يسكن مع عائلته في "مسرح الرشيد" الذي قصفته قوات التحالف وأحدثت ضررًا جسيمًا في محتوياته من الأشرطة والأفلام والأرشيف الكبير وما إلى ذلك. يؤكد الفنان محمد مطر الذي يسكن في مسرح الرشيد بعد قصفه بأن الفرق المسرحية لا تزال تزاول عملها في المسرح وأنهم يتدربون الآن بفضل بعض الفنانين المخلصين وعلى رأسهم الفنان سامي قفطان وآخرين حافظوا على سلامة المسرح وبعض ممتلكاته. ثم تطل علينا الفنانة آلاء حسين التي منحها المخرج مساحة كبيرة في البوح والكلام لأهمية ما تقوله وتعبّر عنه بطريقة دراماتيكية مؤثرة تلهب المشاعر وتحرّك الأحاسيس الداخلية. فهي لا تجد حرجًا بأن تقول: "إنّ الذين ساهموا باغتيال دائرة السينما والمسرح، وليس مسرح الرشيد فقط، هم مسؤولو هذه الدائرة الذين أخذوا الأشياء الثمينة وتركوا الأشياء البسيطة إلى عامة الناس مثل الكراسي واللوحات". لعلنا نغبط المخرج هادي ماهود على استقطابه لهذا العدد من المخرجين والفنانين العراقيين الذين وقفوا أمام عدسة كاميرته وباحوا بأشياء مهمة كثيرة فالفنان خليل شوقي الذي أمتعنا بالكثير من أعماله الفنية في الإذاعة والتلفزيون والسينما يقول:" لقد حزّ في نفوسنا أن نجد هذا المسرح محترقًا ومتهدمًا ومتلاشيًا. لقد دمعت عيني حين شاهدتهُ أول مرة لأنني جسّدتُ فيه أكثر أعمالي مع عدد من المخرجين الذين قدّموا روائع الأعمال الفنية". وفي إطلالة أخرى يقول:"الجهلة هم الذين خربوا هذا المسرح، ونحن نقول للأجيال القادمة: لا تدعوا هؤلاء الناس يهدّموا مسارحكم لأنهم دخلاء على العمل الفني وعلى كل مجالات الفنون الجميلة".
أحزان عميقة على المسارح المُدمّرة
يُدلي الفنان والمخرج المسرحي محسن العزاوي بآرائه القيّمة بصدد تدمير "مسرح الرشيد" حينما يقول: "كيف يتسنى لي أن أنسى هذا الهمّ وهذا الحزن على "مسرح المنصور" وعلى "قاعة الرباط" وعلى "قاعة الشعب" وقاعات أخرى لها ارتباط نفسي وحسّي وجمالي مع حياة الفنان. وأنا أقولها بصراحة أنّ هذا الحزن لا يتعلّق بنا وإنما يتعلّق بكل شخص يمرّ أو يعبر بسيارته ليجد هذه البناية وقد سُدّت بطابوق وآجرّ يحمينا من السُرّاق واللصوص".
يمتلك هادي ماهود جذورًا مسرحية فلقد درس المسرح في معهد الفنون الجميلة ببغداد قبل أن ينتقل إلى قسم السينما ويتخصص فيها فلا غرابة أن يسلط الضوء على مسرحيين عراقيين بارزين أو يركز على مقاطع راسخة في ذاكرتنا الجمعية من بينها: "من أجل أنكيدو خلّي وصاحب أبكي وأنوح نواح الثكلى". يغنّي الممثل باسم الحجار أغنية جميلة من التراث البغدادي الأصيل ثم يمضي بالحديث عن انهيار البنى والأخلاق المجتمعية الأمر الذي يدفع بالكثير من الفنانين والأدباء والمثقفين العراقيين إلى مغادرة العراق واللجوء إلى المنافي الأوروبية والأمريكية.
تُنبّه الفنانة آلاء حسين بأن صورة المخرج عبد الهادي الراوي والفنانة ناهدة الرمّاح لم تكونا موجودتين قبل السقوط وإنما وجدتا طريقهما إلى مسرح الرشيد بعد الانهيار المروع للنظام الدكتاتوري البائد. ينتقد المخرج عبد الهادي الراوي الدعوات التي وُجهّت للسينمائيين العراقيين المتواجدين في الخارج ويدمغها بالكذب لأن السينمائيين الموجودين في الداخل لم يجدوا فرص عمل فكيف بالسينمائيين المبثوثين في المنافي العالمية. وحينما عاد الراوي من منفاه الهولندي عيّنوه بشهادة المرحلة المتوسطة لأن شهاداته الجامعية والعليا قد احترقت في وزارة التعليم العالي فلا غرابة أن يُعيّن بشهادة المرحلة المتوسطة التي تقترب من مرحلة الأميّة أو تحاذيها في الأقل.
يعتقد المخرج قاسم محمد أنّ العودة إلى العراق ليست مستحيلة وفي معرض ردّه على سؤال هادي ماهود يثير عددًا آخر من الأسئلة ويجيب عليها في الوقت ذاته قائلًا: "هل يمكن إعادة الدم إلى المسرح العراقي؛ ذلك الدم الذي سُفِك في كثير من الأحيان مجانًا وظُلمًا وتعسفًا؟ الجواب ممكن ولكن كيف؟ ومتى؟ ويخاطب آلاء حسين وغيرها من الفنانين الأحبة الذين لا يغيبون عن العقل والقلب والروح لحظة واحدة ويقول لهم: "من الممكن أن نكفكف دموعكم ودموعنا معًا لذلك فإن حُرقتي وشوقي ليس للعودة فقط، وإنما سأقدم لهم أرشيفي الشخصي المسرحي الذي دأبتُ على جمعهِ منذ العام 1957م. وفي إطلالة ثانية يقول قاسم محمد: "تعرّض العقل العراقي منذ آلاف السنين إلى التهشيم والتخريب والحرق، وأنّ مكتبات العراق القديمة واجهت المصير نفسه على أيدي المحتلين والطامعين بأرض الرافدين الغنية، ليس بالمادة فقط، وإنما بالعقل أيضًا". ثم يتساءل بصوت عال: "قُل لي أيّ حضارة عراقية لم تتعرض للحرق والإغراق والتهشيم والدمار والنقل إلى خارج أرض الرافدين"؟ فليس غريبًا أن تكرّ الكرّة ليمارس المعتدون سواء من داخل العراق أو من خارجه تخريبهم لأنه لا يسرّهم أن تزدهر أرض الرافدين أو يتوهج الإنسان العراقي الذي ألبسهُ القدر لبوس المبدع منذ آلاف السنين.
حسين نعمة.. أنا أُسعِد الناس وأُفرحهم
يُطل علينا الفنان حسين نعمة غير مرة ويقول بأن "الإنسان العراقي لا يستطيع أن يبني بلده ويصل إلى برّ الأمان من دون ثقافة". وهو لا يعني بالثقافة "أنّ كل العراقيين يجب أن يقرأوا الرواية والشعر والفلسفة، وإنما يدعو إلى تعلّم الناس للقراءة والكتابة، وأنّ يعرفوا الصحّ من الخطأ، وأن يتجاوزوا الغلّو". ويعتقد الفنان حسين نعمة "أنه من الخطأ الفادح أنّ البعض يعتبر وزارة الثقافة وزارة غير مهمة وزائدة عن المَلاك بينما هي أهم وزارة، وأنّ أي بلد بلا ثقافة لا يساوي أي شيء". لا تخلو أحاديث حسين نعمة من الطرائف المُحببة إلى النفس فذات مرة أخبره أحدهم بأنه سيدخل للنار لأنه يغنّي فكان ردّه:"يُخيّل لي أن بعض الناس الذين سيدخلون للنار هم الذين سرقوا النفط، وقتلوا، وأرعبوا الأطفال، وأفزعوا المرضى والشيوخ، بينما أنا أفرّح الناس وأُسعِدهم".
تعاود الفنانة آلاء حسين إطلالتها الجريئة لتعرّج في الحديث هذه المرة عن الفنانة الراحلة ناهدة الرماح التي يعرف جميع الفنانين بحادثة إصابتها بالعمى بينما كانت تقف على خشبة المسرح، وهي لا تعرف كيف تسمّي هذه الحالة التي يفقد فيها الفنان إحدى حواسه ويظل مستمرًا في أداء الدور المُسند إليه.
يحتاج أبو حالوب "لبيد رشيد" لوحده إلى فيلم وثائقي كامل، فقد عاش أكثر من 40 سنة بدمشق وكان موظبًا على التواجد في مقهى "الروضة" منذ التاسعة صباحًا حتى العاشرة ليلًا لكننا لسنا بصدد الحديث عن حياته الشخصية وإنما الإنصات لوجهات نظره حيث تحدث عن الهجرتين الأولى والثانية واحتلال الكويت. ويعتقد أنّ هذه الحروب مخطط لها من قِبل البنتاغون منذ عام 1947م، وأنّ هدفهم هو إنهاء الشعب العراقي. أمّا الهدف الثاني فهو النفط. ولا يرى "أبو حالوب" أي أمل بالعودة إلى العراق. وحمّل العراقيين جزءًا من المسؤولية لأنهم كانوا يبررون لهذه الأنظمة ما تفعله بالشعب العراقي.
يصف المخرج باسم قهّار شخصية أبو حالوب بـ"الرجل الذي اكتنز في ذاكرته مليون عراقي، وتحولت طاولته إلى ملتقىً لكل العراقيين، مثقفين وسياسيين، وعاطلين عن العمل وحالمين، ومطرودين وطاردين، ومهاجرين ومهجّرين، وكل هذه الكنايات استقبلها أبو حالوب وهو الرجل الذي تشبث بالعراق من خلال طاولة في مكان آخر فجعل منه وطنًا لهم".
تتشابك آراء الفنانين التشكيليين والمخرجين الذين يلهمون بعضهم بعضا مثل الرسّام ضياء مهدي والمخرج استناد حداد، وهذا الأخير يعتبر المخرج هادي ماهود والتشكيلي جبار الجنابي وسلام جبار جزءًا من تراثه وثقافته الشخصية. بينما يعرّج الفنان ضياء مهدي على استباحة وسرقة الأعمال الفنية لجواد سليم وضياء العزاوي وخالد الرحّال وحافظ الدروبي وفائق حسن منذ احتلال بغداد عام 2003م.
تحدثت برباره كوفمان، مديرة مهرجان هامبورغ ودعت المخرجين العراقيين للعودة إلى وتوثيق الأحداث التي تجري على أرض الواقع بعد غياب نظام البعث وأشارت إلى عدد من المخرجين بينهم هادي ماهود وقاسم عبد وميسون الباجه جي وقتيبة الجنابي وآخرين عادوا إلى العراق وصنعوا أفلامًا وثائقية نالت استحسان النقاد والمشاهدين على حدٍ سواء.
تُفصح التعليقات الصوتية على قلّتها عن الحقيقة وتقول:" تعبر نساء الأهوار بين الماء واليابسة بأناقة ورشاقة ملكية. لا نرى في شوارع هذه المدينة اليوم إلّا صور الأئمة والصوت الوحيد الذي يقارب الغناء هو التراتيل الدينية والمراثي الشيعية لإحياء استشهاد الإمام الحسين".
التطرّف الديني يهدد الموسيقيين والمغنّين بالموت
لم يترك هادي ماهود موضوعًا إلّا وطرقهُ سواء بواسطة الحوار المباشر أو التعليق الصوتي الذي يقول فيه:"لا بدّ من الاختفاء في ظلال حقول النخيل اليوم لكي تصغي إلى أغاني المدينة في الناصرية لأنّ التطرّف الديني يهدّد الموسيقيين والمغنين بالموت" فقد شهدت المحافظات الجنوبية الهجوم على بعض الفرق الفنية ومحلات بيع الأدوات الموسيقية ودمّروها بطريقة همجية لا تليق باسم العراق وحضاراته المتعاقبة.
يغنّي الفنان السماوي عزيز عبد الصاحب أغنية تراثية وينخرط في النشيج. ثم نراه في مشهد آخر أكثر حزنًا من سابقه وهم يشيّعون نعشه قبل أن يوارونه الثرى، وهو مشهد سيتكرر مع ثلاث شخصيات فنية أخرى وهم خليل الرفاعي وعبد الخالق المختار، وكامل شياع وهؤلاء سوف يذكّروننا بعوني وبهنام وحنين وحامد ومحسن وغيرهم الكثير.
يطل الفنان فؤاد سالم ليتحدث بمرارة موجعة ويقول: "نحن بحاجة إلى أم وليس هناك أم حنون مثل الوطن. فلا غرابة أن يتساءل عن ابتلاء العراقيين بغضب من الله لا نعرف سرّه. ومع ذلك فما من شيء يشجّع على العودة إلى العراق من وجهة نظره، وإذا ما عاد المغترب أو المهاجر أو المُقتلع من جذوره، فلن يشعر أنه سيعيش عيشة كريمة ومحترمة". يتحدث فؤاد سالم عن حالة الإحباط التي أصابت الجميع ولم يجد غضاضة في القول بأنه بات يعدّ أيامه الأخيرة فهو يعاني من مرض السُكّر، وارتفاع ضغط الدم، ولم يتبقّ له سوى خمس سنوات يريد أن يعيشها في بلده، وأن يموت في بلده أيضًا. ثم يتساءل بألم ممضّ: هل يقبل الشعب العراقي أن يُدفَن الجواهري وآدم حاتم والبياتي بدمشق؟
ثم نرى لافتة تشير إلى اغتيال المفكر كامل شياع، مستشار وزارة الثقافة برصاص لم يُعلن عن مصدره.
يعلن الشيخ عبد الستار البهادلي وهو رجل دين من البصرة على لسان "الصدر" أنّ هذا التيار الديني يجب أن يحتضن كل الطاقات العلمية والأدبية التي تتفق معهم أو لا تتفق، فإذا اتفقت كان بها، وإذا لم تتفق فإنهم يقدّمون لهم الأفكار والبراهين، وإذا لم يتأثروا بها فسيقبلون بالرأي الآخر.
آلاء حسين ترمي بكل شيء إلى المحرقة
وما إن يُشارف الفيلم على النهاية حتى نرى الفنانة آلاء حسين وهي تؤدي مشهدًا مسرحيًا يختصر رحلة الألم الطويلة التي تعاني منها حيث تقول: "هل استفسرتِ يومًا عن عائلتي إن كان عندي عائلة أو زوج أو أطفال؟ هل تقصيتِ الأسباب التي دعتني للخروج من بلدي؟ لماذا ذبحوا زوجي وقطّعوه في الشارع إربًا لا لشيء فقط لأنه وقف ضدّ الظلم. كنتُ أتمنى لو سألتِني يومًا لماذا يغرق شعبي في بِركة دماء كبيرة، وكيف يُولد القتلة، وأية أمهات تلدهم؟ سليني لماذا جئتُ إلى ألمانيا؟ لِمَ اخترتُ هذا الفردوس المُستعار، الممزق، الملوث. كلاب مترفة، حدائق رتيبة، غابات ميتة، أؤكد لكِ بأنني أنوي الزواج من ألماني وأنجبُ أولادًا ألمانيين ثم أغسلهم من آثار اللغة العربية، أكسر أمامهم سيوف تاريخهم، سأهزأ من كل فرسانهم، إنني أكرههم، أكره صلواتكِ وصلواتهم، أكره فرسانكِ وفرسانهم، أكرهُ عقائدكِ وعقائدهم. لا أحبُّ بلادي، ولا أغنيات بلادي، ولا شوارع بلادي، ولا أي أي شيء في بلادي. سأرمي بكل شيء إلى جحيم المحرقة، سأحرق ذاكرتي كلها". ومع إنّ هذا المشهد يصلح أن يكون نهاية لهذا الفيلم الوثائقي الذي يقطّع نياط القلب إلّا أن المخرج هادي ماهود أصرّ على أن يكون مشهد التشييع المهيب للفنان الكبير عبد الخالق المختار هو النهاية الصادمة التي تهزّ المشاعر والأحاسيس الداخلية للمتلقّي العراقي والعربي على حد سواء.
***
عدنان حسين أحمد