أوركسترا
ليلتي عند مود - Ma nuit chez Maud / إخراج إريك رومر
إعداد وترجمة د. جواد بشارة
ليلتي في ليلتي عند مود أعاد تريننتنيانTrintignant اختراع رهان الفيلسوف باسكال Pascal حول الله
الممثل جان لوي تريننتنيان، الذي توفي قبل أيام، لعب دور البطولة في واحد من أكثر الأفلام الفلسفية المباشرة على الإطلاق، ليلتي عند مود Ma nuit chez Maud (1969)، للمخرج إيريك رومر. الأستاذ الذي درسني مادة الإخراج السينمائي في كلية السينما في جامعة السوربون. في هذا الفيلم، يلعب جان لوي تريننتنيان دور مهندس كاثوليكي يعود للعمل في مدينة كليرمون فيران، مسقط رأس بليز باسكال Blaise Pascal. يكون الفيلسوف حاضراً بانتظام في المحادثات - المكتوبة للغاية وبدقة متناهية- بين شخصية، المهندس الكاثوليكي، ورفاقه في أمسية تواجد فيها فيدال، Vidal (مثل الدور الممثل والمخرج المسرحي الكبير أنطوان فيتيز (Antoine Vitez والممثلة الرائعة فرانسواز فابيان (Françoise Fabian). التي أدت دور مود Maud نظرة إلى الوراء على عمل تحول إلى تحفة سينمائية بامتياز، حيث يحتل رهان باسكال مكانة مركزية.
* في ليلتي عند مود Ma nuit chez Maud، يعثر البطل والراوي في الفيلم جان لوي على صديقه السابق في المدرسة الثانوية، فيدال، الذي أصبح مدرسًا للفلسفة وماركسيًا. وفي المقهى، يدور نقاش حول باسكال، الفيلسوف وعالم الرياضيات الذي هو ابن رمزي لهذه المدينة الصناعية في ماسيف سنترال. :"آه، باسكال، يعلق جان لوي ترينتينان، بصوته الضعيف والمعدني المتميز. إنه مضحك، أنا أقرأه الآن. ولكني أشعر بخيبة أمل كبيرة. أولاً، أشعر أنني أعرف ذلك عن ظهر قلب تقريبًا، وبعد ذلك فهو لا يجلب لي أي شيء. أجده فارغًا تمامًا. بقدر ما أنا كاثوليكي، أو على الأقل أحاول أن أكون كذلك، فإن هذا لا يتماشى على الإطلاق مع الكاثوليكية الحالية. ولأنني مسيحي على وجه التحديد، فإنني أثور على هذه الصرامة. أو إذا كانت المسيحية كذلك فأنا ملحد.»
* تركز المحادثة بعد ذلك على أهمية رهان باسكال. هذا الرهان، الذي وضعه باسكال في كتابه أفكار Pensées، يتألف من شرح سبب كون الإيمان بالله أكثر عقلانية من عدم الإيمان به: كتب باسكال: "دعونا نزن المكسب والخسارة بأخذ الصليب علامة على الله. دعونا نقدر هاتين الحالتين: إذا فزت، فزت بكل شيء، وإذا خسرت، فلن تخسر شيئًا. لذلك أراهن وبلا تردد. أنه موجود (أي الله) - هذا رائع. نعم، عليك التعهد. إذا راهنت أن الله موجود، ويتضح لي بالفعل أن الله موجود حقاً، فأنا أربح الحياة الأبدية. الفوز بالجائزة الكبرى! يلعب باسكال هنا على ما يسمى "التوقع والترجي الرياضياتي l’espérance mathématique «، أي حقيقة أن رهانًا صغيرًا جدًا يمكن أن يؤدي إلى ربح أكبر بلا حدود. لكن إذا خسرت الرهان ولم يكن الله موجودًا، فلن أفقد شيئًا لأنه لا توجد حياة أبدية موعودة لي. والدليل، بالنسبة لباسكال لإثبات صحة رهانه، أنه من المناسب رياضياتياً الإيمان بالله من عدم الإيمان به.
* لكن جان لوي يرى أن رهان باسكال عديم الجدوى. في محادثته التي أجراها مع مود، المرأة المتحررة وذات الروح الحرة التي أخذه صديقه فيدال لتناول العشاء عندها، قال لها: "في حالة باسكال، التوقع الرياضياتي دائمًا غير محدود. ما لم يكن احتمال الخلاص صفراً، لأن اللانهاية مضروبة في صفر تساوي صفرًا. لذا فإن الحجة لا تساوي شيئًا لشخص غير مؤمن تمامًا. التظلم الأول، يركز باسكال فقط للمقتنعين أو المؤمنين أصلاً، بحسب جان لوي." للمراهنة، يجب أن تتخيل بالفعل أن الخلاص يمكن أن يوجد". يقر فيدال بهذا، ثم يواجه جان لوي بعلاقته الخاصة بالمراهنة والمقامرة: "أنت لا تراهن، لا تخاطر، لا تتخلى عن أي شيء. "الأشياء الصغيرة، التي تؤدي إلى تبادل لذيذ:
- "نعم، هناك أشياء أتخلى عنها،" يرد عليه جان لوي.
"ليس الغناء أو الترانيم chanturgue!"
"لكن الغناء ليس لعبة فلماذا نتخلى عنه؟" ما لا يعجبني في المراهنة هو فكرة العطاء بالمقابل، وشراء تذكرتك كما في اليانصيب [...] عندما أختار المغني، لا أختاره ضد الله "
* ينتقد جان لوي باسكال بسبب إيمانه باليانسينية jansénisme، وهذه الرؤية الصارمة للمسيحية التي ستقود الفيلسوف، "لا سيما في نهاية حياته"، إلى إدانة الملذات وحتى ممارسة الرياضيات نفسها، حيث يرى في كل ممارسات "الترفيه" هذه "ما يبعده عن الله. يظل جان لوي باحثًا عن المتعة، يحب النساء والنبيذ الجيد. وبالتالي فهو إذا رفض فكرة الرهان، فهذا أولاً وقبل كل شيء لأنه يلغي تماماً مسألة الرغبة. إن الإيمان بالله، أو بالإنسان، أو بجمال الحياة، لا يمكن أن يتقبل منطق الحسابات الباردة وغير المجسدة.
* هل يجب إذن رفض كل شيء في رهان باسكال؟ ليس وفقًا لفيدال، الماركسي والملحد الذي يتبين للمفارقة أنه أكثر باسكالية من رفيقه. ويؤكد لجان لوي في المقهى: "بالنسبة للشيوعي، فإن نص الرهان هذا موضوعي للغاية. في أعماقي، أشك بشدة في أن للتاريخ معنى ومنطق. ومع ذلك، فأنا أراهن على معنى التاريخ، وأجد نفسي في حالة باسكالية. الفرضية A أ: إن الحياة الاجتماعية وكل عمل سياسي لا معنى لهما على الإطلاق. الفرضية B ب: للتاريخ معنى. لست متأكدًا تمامًا من أن احتمال أن يكون B صحيحًا أكثر من A. ومع ذلك، لا يمكنني الرهان على الفرضية B لأنها الوحيدة التي تسمح لي بالعيش. ماركسي يانسني marxiste janséniste؟ بالكاد يمكن تصديقه! لكن فيدال يشير إلى شيء واحد مهم. يمكن في الأساس، عندما يتساءل: ألا يمكن أن نكون نحن ليس سوى آلات حسابية، ونعتقد أننا نلتزم بحرية بالأفكار أو ننتمي بحرية لبعض الأفكار في حين أننا لا نقوم بأكثر من إننا نوازن المعلومات دون وعي. يقول فيدال: "مع باسكال، يتوحد عالم الرياضيات والميتافيزيقي فهما ليسا سوى شخص واحد". الإيمان، والاختيار، والمراهنة، هل ستكون أمر واحد ونفس الشيء؟
أما المخرج إريك رومر فقد رحل كأحد صانعي ومخرجي أفلام "الموجة الجديدة" عن عمر يناهز 89 عاماً، وقد تميز بعلامة بليز باسكال. وتأثيره عليه. تشير الإشارة إلى مؤلف كتاب الأفكار Les Pensées بشكل خاص إلى هيكلية وتركيبة وأسلوب فيلم ليلتي عند مود Ma nuit chez Maud، وهو العمل الثالث لصاحب حكايات Les Contes الأخلاق. حتى «يعيش حياة أفضل". ومن خلال الممثل جان لوي تريننتينيان، يعترف أن الموت أمر طبيعي وإنه فكر عدة مرات بالانتحار وهو موضوع "ليس بالضرورة مفرحاً " ومع ذلك، بلا شك، أقل دراماتيكية مما نعتقد.
....................
* إريك رومر: "الفلسفة جزء من التشويق":
إيريك رومر، مقابلة مع ميشيل التشانينوف نشرت في 24 سبتمبر 2007
ترجمة د. جواد بشارة
***
- كيف تتحدث عن النظرية في فيلم دون أن تبدو مبالغاً؟
إريك رومر: يبرع المخرج في مواجهة هذا التحدي. يتضح هذا من خلال المناقشة حول رهان باسكال في Ma nuit chez Maud، أو المشهد في فيلم حكايات الربيع Conte de Printemps حيث تعرض جين إبان مأدبة عشاء نظرية كانط عن الحكم التركيبي
بمناسبة عرض فيلم حب آستريه وسيلادون Amours d'Astrée et de Céladon، وهو مقتبس من الرواية الطويلة من القرن السابع عشر التي كتبها هونوريه دو أورفيه Honoré d’Urfé، حيث يتحدث المخرج عن رؤيته للإخراج.
ــ فيلمك القادم مقتبس من ألاستريه L’Astrée، وهي رواية رعوية roman pastoral رائعة من القرن السابع عشر. لماذا تختار عملاً سقط منذ فترة طويلة في النسيان؟
إريك رومر: بسبب الجودة السينمائية للنص وخاصة حواراته. إنها حيوية وحديثة للغاية، وأسهل من تلك الموجودة في مسرح كورنيه Corneille، والتي هي مع ذلك لاحقة لها أو جاءت بعدها. كما إنني أردت تصوير الطبيعة. إنها مهمة جدًا في الآستريه L'Astrée. يوجد نهر ومساحات شاسعة من المروج وخطوات في الغابة والأشجار وخاصة أشجار البلوط: وتلعب جميعها دورًا دراماتيكيًا رئيسياً يأتي في المقدمة في الأهمية. هذا جعلني أرغب في وضع الفيلم في ديكور حقيقي خارجي. لا يجب أن نعيد إنشاء أو شق نهر في الاستوديو.
أنا أؤمن بالطبيعة قليلاً مثل جان جاك روسو. أنا لا أقول إنني من دعاة حماية البيئة لأن الجميع الآن كذلك، لكنني كنت من بين الأوائل ممن تحدث عن ذلك. خلال أحداث عام 1968، أكدت، في وقت لم نكن نتحدث فيه عن ذلك، أن المشكلة الكبرى ليست المجتمع بل الطبيعة. ما يعجبني هو ذلك القائد للحركة الطلابية الطالب في جامعة نانتير آنذاك وهو، دانيال كوهن بنديت، الذي أصبح الآن من قادة تيار حماية البيئة écologiste.
ـ قصة الشاب سيلادون، الذي يحترم بشدة كلمته، وقسمه على عدم الظهور أمام من يحبها لأنها تشك في أنه خانها، فهل ستؤثر على الجمهور؟
إريك رومر: نعم أراهن على ذلك. ولكنني يمكن أن أخطئ. على أي حال، أنا لا أحاول تجديد موضوع لجعله أكثر سهولة. أسعى، على العكس من ذلك، إلى إعادته إلى وقته وجعله قادرًا على التأثير في الأجيال الحالية. وظيفتي تشبه إلى حد ما عمل المؤرخ. لأن جمال الأشياء من الماضي له القدرة على لمسنا بالرغم من المسافة التاريخية. أحاول أن أظهر أيضًا أن لدينا طرقًا معينة في التفكير، والشعور التي لم تكن كما هي الآن، ولكنها ليست بالضرورة قديمة. كان التواضع مختلفًا: نخفي أرجلنا ونظهر صدرونا. مثال آخر: عندما تداعب آستريه وامرأة شابة بعضهما البعض، لم يكن يُنظر إلى ذلك بالضرورة على أنه ممارسة سحاقية.
ـ كيف تتصور الإخلاص، الموضوع الرئيسي للفيلم؟
إريك رومر: كان الإخلاص أساس الأخلاق في الفترة الدينية. الإخلاص هو الإيمان. لا أعرف ما إذا كانت تستطيع الاستغناء عن الإيمان. قد تعتقد ذلك اليوم. ومع ذلك، أعتقد أن هناك شيئًا فائقًا في الأمانة، وهو القسم أمام الله. هذا الإخلاص العنيد موضوع يثير اهتمامي ونجده في معظم أفلامي.
ـ ما هي مكانة الدين في عملك؟
إريك رومر: يأتي الفن الغربي من التمثيل الديني في كل من الرسم والموسيقى. جاءت اللوحة الحديثة أولاً من حقيقة أن مشاهد من حياة المسيح رسمها الإيطاليان جيوتو Giotto وفرا أنجيليكو Fra Angelico. في أفلامي، هناك لحظات دينية أو نقاشات حول هذا الموضوع. في فيلم ليلتي عند مود Ma nuit chez Maud، تدور النقاشات حول رهان باسكال. وفي فيلم "حكاية الشتاء"، هناك امرأة غير مؤمنة حدث لديها وحي أو كشف روحاني في الكنيسة.
ـ هل وجود نقاشات فلسفية في أفلامك يساهم في التمثيل الدرامي أو تعزيز دراماتيكية المشاهد dramatisation؟
إريك رومر: نعم، إنها تلعب دورًا، فهي جزء من التشويق. إنه غير مطلي. في معظم الأفلام، توفر الفلسفة أو النظرية نوعًا من عدم الراحة. يبدو أنه في غير محله. أعتقد أنه يمكنني دمجها في دراماتيكية الحدث la dramaturgie أو مسرحة أفلامي. في فيلم " حكاية صيف Conte d’été"، على سبيل المثال، بجوار البحر، يقول البطل للفتاة التي يمشي معها: "أنا لست الذي هو أنا ". تجيب: "أكون أو لا أكون. "هناك تأمل في الكينونة والوجود وأن يكون مدمجًا تمامًا في القصة.
ـ ما هي إلهاماتك الفلسفية؟
إريك رومر: لقد تأثرت ببعض المعلمين، ولا سيما ميشيل ألكسندر Michel Alexandre، تلميذ آلان Alain. كان هذا الشخص هو اكتشافي العظيم. لقد استخدم القليل من المصطلحات الفلسفية، وكان معلمًا وبيداغوجياً رائعًا لديه فلسفة شخصية للغاية. مثل آلان وميشيل ألكسندر، بقيت مؤيدًا لفلسفة الجواهر philosophie des essences. ويوضح ذلك اهتمامي بالأشكال الهندسية، وهو أمر حاضر جدًا في جميع أفلامي.
قال أندريه بازان André Bazin، الذي لم يكن فيلسوفًا، أشياء أكثر إثارة للاهتمام ... من جيل دولوز Gilles Deleuze، الذي لم تلمسني أعماله الفلسفية عن السينما، (يقصد كتابيه الصورة-حركة L’Image-mouvement وL’ Image-temps الصورة –زمن). هذه الكتب، العلمية للغاية، لا تسمح لنا بالتفكير في جوهر السينما، وما يميزها عن الأدب، على سبيل المثال. إن ما يثير اهتمامي هو وجود السينما، وأنطولوجياتها. في هذا، أنا أتفق مع آلان وأندريه بازان. بالنسبة لهذا الأخير، فإن ما يميز السينما عن الفنون الأخرى هو الاستنساخ الميكانيكي للواقع. سحر السينما هو أن تتصرف كما لو كنت تواجه الواقع. يوجد في هذا الشيء جمال تراه الآلة لا يمكن إبرازه في الفنون الأخرى. ما هو سينمائي بحت proprement cinématographique وصحيح هو حقيقة التسجيل.
ـ كيف تنفذ أفكارك؟
إريك رومر: بعدة طرق. الأكثر فضولًا هو الاعتماد على الصدفة. عندما كنت أقوم بإعداد آستريه L’Astrée، على سبيل المثال، واجهت صعوبات هائلة في البداية. لم أتمكن من العثور على أي ممثلين أو مواقع تصوير مناسبة. ثم لعبت الصدف السخيفة دورها.
ـ لماذا كل هذا الكلام والحوارات والحديث في السينما الخاصة بك؟
رومر: الكلام ضروري للسينما منذ نشأتها. في معظم الأفلام الصامتة، هناك الكثير من العناوين والحوارات المكتوبة.بين اللقطات من وجهة نظري، لا يجب أن تدعم الصورة ما يسمى بالتلخيص la diégèse أو الوصلة، حقيقة أن تتحدث عن الأشياء. إنه دور أحجزه وأخصصه للكلام. أفضل باستر كيتون على تشارلي شابلن. يبني `` شابلن مشاهده السينمائية ويصنع'' أفلامًا توحي بها الصورة. أو تكون الصورة فيها ذات إيحاءات أما في حالة كيتون، فعلى العكس من ذلك، فإن الكوميديا لا تستند إلى الفكرة بل على الشكل. أضحك أمام الأشكال النقية ولكن ليس أمام العلامات. أنا أفضل صانعي الأفلام الذين لا تحمل الصورة عندهم مثل هذا المعنى التوضيحي signification diégétique، من هذا النوع، أي السينما غير المفاهيمية.
Alain، في عشرون درساً في الفنون الجميلة Vingt Leçons sur les beaux-arts، يميز بوضوح بين العلامة النسبية والعلامة المطلقة. ويأخذ مثال الكاتدرائية: هناك الكاتدرائية كشبكة قراءة، كدليل على شيء آخر - العلاقة بين العلامة والصورة تكون نسبية. وهناك جمال قلب القوصرة tympans هذه، وهو مطلق وليس نسبي ولا علاقة له بالكود أو الشفرة. الصورة ليست معمولة لتقديم دلالة. يجب أن يتم توفير La diégèse التحديد أو الترجيح من الخارج وليس من الصورة. لكن هذا الكلام، أود ألا يكون جامداً، بل يسهم في تقدم العمل، بل ويضفي طابعًا دراميًا. مثل هيتشكوك، أنا أزرع التشويق.
ـ الجمال حسب آلان:
"الكاتدرائية مثل شارتر بليغة بطريقة يمكن للخطاب العادي أن ينقلها. هنا الإنجيليون، القديس دينيس saint Denis يحمل رأسه، الخليقة، آدم يعاقب على أكله الثمرة من الشجرة المحرمة، الدينونة الأخيرة. أو يوم القيامة، لكن الكاتدرائية لن تكون عملاً فنياً إذا لم تقل شيئاً آخر، بل شيء آخر أولاً، والذي هي وحدها تعرف كيف تقوله، والذي هو أكثر بلاغة، وأكثر إثارة. هذه هي العلامة المطلقة. [...] تعبر عن نفسها فقط؛ وهذا المعنى لا يمكن اختراقه.»
الناقد والمخرج والمنظر وكاتب السيناريو باسكال بونيتزر Pascal Bonitzer، في مقابلة مع مارتن دورو Martin Duru
نُشرت في 24 فبراير 2010
ترجمة د. جواد بشارة
***
اختفى صديقي أحد أعمدة مدرسة "الموجة الجديدة" الذي تعاونت معه في كتابة سيناريو ليلتي عند مود، وكان مدموغاً بفكر الفيلسوف بليز باسكال. والإشارات المرجعية إلى مؤلف كتاب الأفكار Les Pensées وتأثيره على جو وعالم وأسلوب فيلم ليلتي عند مود. ومن خلال تحليل الفيلم، يكرم المخرج وكاتب السيناريو باسكال بونيتزر هذا الفيلسوف.
"في مشهد العشاء في فيلم ليلتي عند مود Ma nuit chez Maud، تجري الشخصيات نقاشًا فلسفيًا جادًا، والذي يتضمن أيضًا علاقات الإغواء. وحالة من التنافس تنشأ في العلاقة بين جان لوي وفيدال، من خلال النقاش المثقف عن باسكال كحجر عثرة وتحدي لإرضاء مود وكسب ودها. فيدال هو ماركسي وملحد يراهن كباسكالي على معنى التاريخ. بالنسبة له، حتى لو كانت هذه الفرضية - أن للتاريخ معنى - أقل احتمالية أن تكون صحيحة من الفرضية المعاكسة، أي ألا يكون للتاريخ معنى، مع ذلك ينبغي الاستفادة منها، لأنها "الوحيدة التي تبرر حياته. وعمله". جان لوي كاثوليكي يقول إنه "محبط للغاية" من باسكال. على وجه الخصوص، ينتقد تخلي باسكال عن الملذات، ويعلن ذوقه للنبيذ ولـ(الترانيم le chanturgue) والموسيقى والغناء والنساء ... ينتصر جان لوي على فيدال: تدعوه مود للبقاء معها لكي يمضيا الليلة معاً ويمارسا الجنس بينما يغادر فيدال، في حالة سكر، منزعجًا في الليل. ومع ذلك، فإن جان لوي "مأخوذ" بطريقته الخاصة بـ " باسكال"، بقدر ما يقوم برهانه الخاص. بخصوص الحب النقي والزواج المسيحي المرتبط بالأمانة والإخلاص. يراهن جان لوي على أنه سيكون سعيدًا بفرانسواز (شقراء، هي نفسها كاثوليكية) ( أدت الدور الممثلة البديعة ماري كريستين بارو)، مما يعني التخلي عن العلاقات المتحررة والزائلة، على غرار تلك التي بدأها مع مود (سمراء، غير مخلصة، مطلقة).
ـ باسكال في ليلتي عند مود أليس هذا هو العمود الفقري لمحتوى الفيلم ورسالته الأخلاقية:
باسكال بونيتزر: استقر البطل والراوي جان لوي في كليرمون فيران - مسقط رأس الفيلسوف - حيث يعمل مهندسًا في شركة ميشلان للإطارات. وهو كاثوليكي، لاحظ خلال قداس شابة، هي فرانسواز (ماري كريستين بارو). وأعجب بها حتى دون أن يتحدث معها، فهو مقتنع بأنه سينتهي بهما الأمر إلى الزواج. عندها وجد بالصدفة صديقًا قديمًا في المدرسة الثانوية، فيدال (أنطوان فيتز)، أستاذ الفلسفة والماركسي. وفي المقهى، دار نقاش حول رهان باسكال. دعاه فيدال إلى صديقة يعشقها هي، مود (فرانسواز فابيان). أدى العشاء إلى تبادل نقاش جديد بين جان لوي وفيدال حول باسكال وانتهى بقضاء ليلته عندا وممارسة الجنس بين مود وجان لوي...
جان لوي: هذا المغني الممتاز، باسكال لابد أنه جرب شرب النبيذ منذ أن كان في كليرمون. ما ألومه عليه ليس لأنه حرم نفسه منه [...]، بل عندما يشربه، لأنه لم ينتبه إليه. منذ أن كان مريضًا، كان عليه اتباع نظام غذائي وأخذ الأشياء الجيدة فقط. لكنه لم يتذكر قط ما أكل.
فيدال: نعم، أخته جيلبرت هي من تقول ذلك. لم يقل أبدًا، "هذا جيد!»»
جان لوي: حسنًا، أنا أقول: هذا جيد!
مود: أحسنت!
جان لوي: عدم إدراك ما هو جيد هو أمر سيء. من الناحية المسيحية، أقول إنه شر [...] هناك شيء آخر صدمني بعمق في باسكال. يقول إن الزواج هو أدنى شرط للمسيحية.
مود: نعم، أجد الزواج في حالة متدنية للغاية.
جان لوي: حسنًا، أنا أقول: هذا جيد!
مود: أحسنت!
تشير الخاتمة إلى أن رهان جان لوي قد أثبت أنه فائز: فقد تزوج من فرانسواز، وأنجب منها ولدًا، وعندما التقى الزوجان بمود، كانت بمفردها، ويبدو أنها غير سعيدة ... هذه هي الرواية الأساسية للحكايات الأخلاقية: الرجل الذي يعتقد أنه مرتبط بامرأة يلتقي بأخرى، تغريه، لكن ينتهي به الأمر بالعودة إلى الأولى، التي ركز عليها اختياره للحياة معها بشكل دائم.
في فيلم " حكاية الشتاء" Conte d’hiver، فقدت البطلة فيليسي، Félicie، للأسف أثر تشارلز Charles، الذي كانت تربطها به علاقة حب قصيرة وعابرة. وُلدت ابنة من هذا الاتحاد، وتعيش فيليسي، إلى جانب عشيقين لا تحبهما حقًا، على أمل أن ترى مرة أخرى الشخص الذي تعتبره رجل حياتها. تشارلز هو الإله الغائب، الإله الخفي بالمعنى الباسكالي. الفيلم عبارة عن جزء من مسرحية شكسبيرية الطابع متجانسة اللفظ، حيث تدور أحداثه حول الظهور المعجزة للملكة. فيليسي، تراهن على عودة الحبيب، الذي اختفى ومع ذلك فهو موجود في كل مكان: إنها تأتمن وتسر لعشيقها لويك Loïc أنه حتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة جدًا في رؤيتها لتشارلز مرة أخرى، حتى لو كان من المحتمل جدًا أنه لم يعد يحبها و / أو أنه متزوج، فإنها اختارت أن تؤمن بلم شملهم السعيد، لأن الفرح (المكتسب) سيكون عندئذٍ هائلاً. ولويك، الكاثوليكي ومحب الفلسفة، يشرح لها أنها باسكالية دون أن تدري. هناك مرة أخرى، في نهاية الفيلم، يكون الرهان فائزًا: تصطدم Félicie بتشارلز بالصدفة على متن حافلة - وهو وضع روميري نموذجي une situation typiquement rohmérienne - ويلتقي الزوجان. آخر كلمات البطلة التي احتضنتها رفيقتها الباسكالية هي الأخرى: "إنني أبكي بفرح. ومع ذلك، تظهر هالة من التشابه والمحاكاة من هذه النهاية السعيدة: هل ستكون فيليسي سعيدًا حقًا بتشارلز؟
إريك رومر هو صانع أفلام مليء بالمراجع الفلسفية - في حكاية الربيع (1990)، فإن فئات كانط في نقده للعقل الخالص أو المحض هي التي تشكل الخيط الأحمر للحبكة. من اللافت للنظر أنه نجح في جعل الفلسفة سينمائياً، ليست واضحة فحسب، بل مثيرة أيضًا. ويعطيها شحنة مثيرة. هذا واضح بشكل خاص في ليلتي عند Ma nuit chez Maud. تنجح أفلامه.. في. التحدي المتمثل في أن تكون فكرية وسهلة المنال، وأكاديمية وجذابة. اختفائه يتركنا أيتامًا ويذكرنا بمدى تطور السينما في العشرين عامًا الماضية.»
***