حوارات عامة
د. آمال طرزان تحاور د. محمود محمد علي (2)
حول "وضع المرأة عبر العصور وما تواجهه من تحديات معاصرة"
س- دعنا ننتقل للحديث عن الحركات النسوية ودورها في تحرير المرأة. من وجهة نظر المثقف الشامل، ما أبرز الإنجازات التي حققتها هذه الحركات على أرض الواقع؟
ج- أنا من المؤيدين لفكرة أن الحركات النسوية ودورها في تحرير المرأة قد مرت بأربع موجات وكل موجة لها طابعها الخاص الذي تحقق على أرض الواقع، وهذه الموجات تتمثل كالتالي:
الموجة الأولى: وكانت في نهايات القرن التاسع عشر، وبالذات من ١٨٧٠ وحتى منتصف القرن العشرين. في تلك الموجة، لم يظهر بعد مفهوم الجندر بدلالاته الحالية. بدأت المرأة هنا تعي ذاتها، وركّزت فقط على تعريف نفسها للناس كامرأة. سؤال هذه الموجة الأساس هو: ما المرأة؟.. وفي الإجابة على هذا السؤال، باتت ناشطات هذه المرحلة يطالبن بمطالبات حقوقية من مثل مساواة المرأة بالرجل، والحق في الاقتراع، وهنا في هذه الموجة سمعنا بــاسمين مهمين وهما "سوجيرنر تروث" و"فريدريك دوغلاس".
الموجة الثانية: وهذه الموجة بدأت في الستينيات وحتى التسعينيات من القرن العشرين، والسمات الأساسية التي كانت تركز عليها تلك الموجة هي: مساواة المرأة بالرجل في الحياة الاجتماعية، حق المرأة في العمل والإنجاب، معاداة الحرب، نقد المجتمع الذكوري.
الموجة الثالثة: والتي تمثلت في الفترة بين عام ١٩٨٩ وعام ١٩٩٥، وقد بدأت هذه الموجة من أفكار الأم الروحية للنسوية الثالثة، وهي الفيلسوفة الأمريكية "جوديث بتلر"، حيث نشرت كتابًا بعنوان" اضطراب الجندر" Gender Trouble، وتُرجِمَ إلى العربية "قلق الجندر"، وفي هذا الكتاب تطرّقت بتلر إلى كل أنواع ومفاهيم الجندر حيث كشفت على أن الجندر ليس بيولوجيًا، بل ثقافة ومفهوم سائل ومتغير عبر الأزمان. كذلك ظهرت في هذه الموجة فكرة "النسوية السوداء" والتي كانت تمثل رد فعل على النسوية البيضاء.
الموجة الرابعة: لقد ظهرت هذه الموجة بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحالي، وفي هذه الموجة بدأت الناشطات النسويات تدافع عن المرأة في الأجزاء الأخرى من العالم، كنساء العالم الثلاث، وليس داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وكذلك بدأت تركز على التحرش الجنسي والاغتصاب مما جعل بعض الناقدين لهذه الموجة يقولون بأن هذه الموجة أرجعت النسوية إلى الوراء حيث المطالبة بالحقوق الأولية البديهية للمرأة. تنظر الموجة النسوية الرابعة إلى التحرش الجنسي على أنه تمييز جنسي يهدف إلى إخضاع المرأة وعدم تمكينها، ومعاقبتها على تنافسها مع الرجل في الحصول على العمل والمراكز المتقدمة، ولهذا تدعو هذه الموجة إلى النظر في التحرش على أنه تمييز للنوع يعكس رغبة الرجل في فرض سيطرته على المرأة وإخضاعها لرغباته.
في هذه الموجة أيضًا، تم التطرق إلى العنف المجتمعي والمنزلي، مع الاهتمام بالخطاب العالمي للحريات. تركز هذه الموجة على التقاطعية أيضًا بوصفها مفهومًا يسلط الضوء على تقاطع (تداخل) هويات اجتماعية عدة كالعرق والطبقة والجندر (النوع الاجتماعي) التي تجعل تجربة بعض النساء فريدة ومغايرة عن الأخريات بسبب الظلم متعدد الأبعاد الذي يقع عليهن جراء اجتماع تلك الهويات فيهن.
وهذا التعريف يركز على فكرة أساسية مفادها أنّ اضطهاد النساء لا ينشأ من فراغ وإنما تبعًا لعوامل، كالعرق والطبقة الاجتماعية والدين والأصل الوطني والإعاقة والمستوى التعليمي والتوجه الجنسي، التي تجتمع لتُشكل تجربة اضطهاد فريدة لكل امرأة وفقًا لما تحتله من مواقع تهميش أو امتياز. ناهيك عن أن التقاطعية هي عدسة، تستطيع من خلالها رؤية الفواعل التي تأتي منها السلطة وتتصادم، وكيف تتداخل تلك الفواعل وتتقاطع.
س- في سياق النسوية ومفهوم المساواة بين الجنسين، هل تعتقد أن التكامل بين الجنسين أفضل للمرأة، أم أن السعي نحو المساواة هو الخيار الأنسب لتحقيق حقوقها واحتياجاتها؟
ج- اعتقد أن من أبرز الإنجازات التي حققتها هذه الحركات النسوية على أرض الواقع فكرة مساواة المرأة بالرجل في الحياة الاجتماعية (المرأة ليست سلعة أو موضوعًا جنسيًا)، أي المساواة بين الجنسين هي المساواة بين الرجل والمرأة، وتضمن مفهوم أننا جميعًا بشر، فالرجال والنساء هم أحرار في تطوير قدراتهم الشخصية وليصنعوا القرارات دون الحدود المرسومة بواسطة الأفكار النمطية. المساواة بين الجنسين تعني أن السلوكيات المختلفة والتطلعات واحتياجات المرأة والرجل يجب أن تؤخذ في الاعتبار ويتم تقييمها وتفضيلها بمنتهى المساواة. هذا لا يعني أن الرجل والمرأة يجب أن يكونا متشابهين، ولكن حقوقهما ومسئولياتهما وفرصهما لا تعتمد على نوع جنسهما، والمساواة بين الجنسين تعني الإنصاف في المعاملة بين الرجل والمرأة طبقًا لاحتياجاتهما الخاصة. هذا من الممكن أن يضمن المساواة في المعاملة، أو المعاملة المختلفة بشرط الاهتمام بالمساواة في الحقوق والمنافع والواجبات والفرص.
س- ما الاتجاه الذي يدعمه المفكر المستنير بشأن أسباب الاختلافات بين الرجال والنساء، في ظل تباين التيارات النسوية التي تعزو هذه الاختلافات إلى عوامل طبيعية أو اجتماعية أو مزيج من كلا العاملين؟ وكيف تؤثر هذه الفروق على المهام التي يقوم بها كل من الرجال والنساء؟
ج- في السؤال السابق تحدثت عن الموجات الأربع للحركات النسوية، حيث ذكرت أن الفيلسوفة الأمريكية "جوديث بتلر"، قد نشرت كتابًا بعنوان" اضطراب الجندر" Gender Trouble، وتُرجِمَ إلى العربية "قلق الجندر"، وفي هذا الكتاب تطرّقت بتلر إلى كل أنواع ومفاهيم الجندر، حيث صرنا نرى انفجارًا في الهويات الجنسانية، وأن الجندر لم يعد يتعلق بالصفات الجسمانية والبيولوجية للرجل والمرأة، وإنما بالثقافة والتشكل الاجتماعي. الجندر ثقافة والجنس بيولوجيًا. حين يأتي الطفل إلى الدنيا يُعيّن له جنسه من خلال أعضائه التناسلية، ولكن بعد فترة يتشكل جندره من خلال الثقافة.
وهنا تركز بتلر على كيفية تشكل الرجل والمرأة من خلال الثقافة والمجتمع، بمعنى أنه في البدء، لا خلاف بين الرجل والمرأة، ولكن بعد مرور الزمن وكنتيجة للذكورية المهيمنة في المجتمع، يحدث هذا الخلاف. لا تولد الواحدة امرأة "ثقافيًا واجتماعيًا"، بل تصبح كذلك فيما بعد. تقترح بتلر أن الجندر إنما هو أحد جوانب الهوية التي يتم اكتسابها تدريجيًا فيما بعد. هذا التمييز بين الجنس والجندر لطالما كان مهمًا للجهد النسوي القديم في تفنيد الادعاء بأن التشريح البيولوجي قدر، فالجنس يمثل الجوانب الثابتة، والمتمايزة تشريحيًا، بينما الجندر هو المعنى الثقافي والشكل الذي يكتسبه هذا الجسد، والأنماط المتغيرة الناتجة عن تكييفه الثقافي، وبإبقاء هذا التفريق قائمًا، يصبح من غير الممكن عزو قيم المرأة ووظائفها الاجتماعية إلى الحتمية البيولوجية، كما لا نستطيع الإشارة بشكل مجدٍ إلى سلوك جندري طبيعي وآخر غير طبيعي، حيث إن الجندر كله بحكم التعريف غير طبيعي.
علاوة على ذلك، إذا طُبّق هذا التمييز بشكل متسق، يصبح من غير الواضح إذا ما كان أي جنس معطى لأحدهم عند الولادة يقوده بالضرورة لأن يكتسب جندرًا معينًا، إن افتراض علاقة سببية أو محاكاتية بين الجنس والجندر واهنة. فإذا كان كون إحداهن امرأة هو أحد التأويلات الثقافية لكون إحداهن أنثى، وإذا كان هذا التأويل غير لازم بأي شكل لكونها أنثى، فيبدو أن الجسد الأنثوي إذن ليس إلا محلاً اعتباطيًا لجندر "المرأة".
في هذه الموجة كثرت الحوادث بين الرجل والمرأة، حيث على خلاف الموجة الثانية، ذهبت المرأة بأبعد ما يمكن هنا، وغالت في التوسع في فكرة النسوية، وذلك من خلال محاولة كسرها العلاقة بينها وبين الرجل، علاوة على قولها أن الجندر ليس بيولوجيًا، بل ثقافة ومفهوم سائل ومتغير عبر الأزمان. البيولوجيا لا تغير من طبيعة المرأة تجاه الرجل (اضطراب الجندر).
في هذه الموجة أيضًا سادت فكرة الفردانية، حيث صارت المرأة تدرك وجودها كعامل فاعل وليس كموضوع خامل، ولذلك قالت" لا للنسوية" باعتبار أن المرأة تمثل ذاتاً فاعلة ولا ينبغي لها الخضوع إلى خطاب نسوي محدد ومسبق يملي عليها ما تفعل وما لا. تطالب ناشطات هذه الموجة بضمان تمتع جميع الأفراد بحقوق متساوية، فضلًا عن المطالبة بحقوق شخصية وملكية متساوية بغض النظر عن الجنس أو الجندر أو التوجه الجنسي.
كذلك ظهرت في هذه الموجة فكرة "النسوية السوداء" والتي كانت تمثل رد فعل على النسوية البيضاء. ترى النسوية السوداء أن تجربة النساء السوداوات تثير فهمًا خاصًا لوضعهن فيما يتعلق بالتمييز على أساس الجنس، والقمع الطبقي، والعنصرية، ولقد استخدمت النساء السوداوات منظورات نسوية سوداء لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل فهم الطريقة التي تتفاعل بها سيادة البيض والنظام الأبوي، وذلك للاسترشاد بها في التجارب الخاصة بالنساء السوداوات المُستعبَدات، ولهذا تؤكد النسوية السوداء على أن تجربة المرأة السوداء لا يمكن فهمها من زاوية كونها سوداء أو كونها امرأة، بل يجب فهمها عبر تقاطع أشكال التمييز أو ما يُعرف بالتقاطعية Intersectionality، والتي تعني تقاطع التمييز العرقي والجندري والطبقي التي تواجهها النساء الملونات على مستوى النظام القانوني والقضائي، ومن ثم السياسي والاجتماعي والثقافي. في هذه الموجة الثالثة، صرنا نسمع بمصطلح "التقاطعية" لأول مرة كما ذكر صديقي سليم سوزي العراقي في دراساته الشيقة في هذا الصدد.
نعم لقد جاءت التقاطعية ردًا على "النسوية البيضاء" التي كانت مُهيمنة على الفكر الغربي الأمريكي والتي تُركز فقط على تجارب النساء البيض من الطبقة المتوسطة متجاهلةً تجارب النساء من باقي الأعراق والخلفيات والطبقات الاجتماعية. من هنا فإن مصطلح "النسوية التقاطعية" يُشير إلى كيف تُؤثر نُظم القمع والاضطهاد المنهجية على تجارب النساء المتنوعة وفقًا لتقاطع عوامل مختلفة كالجندر والعرق والطبقة الاجتماعية والدين والأصل الوطني والإعاقة والمستوى التعليمي والتوجه الجنسي.
س - ما العوامل التي أدت إلى اكتساب الحركة النسوية دلالات سلبية في المجتمعات العربية؟
ج- الإجابة طويلة وتحتاج لوقت طويل، ولكن أجيبك يادكتورة أمال على سؤالك من خلال تجربة "ريما فقيه"، وهي عارضة أزياء ومهندسة لبنانية أمريكية حائزة على جائزة ملكة جمال الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٠، وقد مثلت ولاية ميشيغان في المسابقة الوطنية هذه. روّج الإعلام الأمريكي لريما فقيه بوصفها النموذج المثالي للمرأة الشرقية المندمجة في المجتمع الغربي بسبب ملابسها الجريئة. بينما كان المجتمع اللبناني والعربي المغترب في أمريكا ينظر إليها على أنها مجرد فتاة تخلت عن ثقافتها وتقاليدها. بالنسبة للمجتمع الأمريكي الأبيض، تمثّل فقيه الاندماج المثالي وخير أنموذج للفرد الذي آمن بأمريكا كبوتقة انصهار للثقافات المختلفة. وأما الفتيات العراقيات المحجبات أو الفتيات اللاتي يرتدين ملابس أفريقية ولا يريدن الاندماج على طريقة ريما فقيه فيكونن نساءً مغتربات ومنعزلات لا يصلحن للعيش في المجتمع الأمريكي. هذه هي نظرة أغلبية المجتمع الأمريكي إلى النساء الشرقيات بشكل عام.
ونتيجة للضغط المجتمعي تضطر تلك الفتيات المحجبات إلى الـتأقلم مع المجتمع، وذلك لأسباب اقتصادية أحيانًا، مثل الحصول على وظيفة أو لأسباب راجعة للممارسات البايو سياسية (مصطلح ميشيل فوكو الذي اعتمد عليه في أطروحتي)، والتي تفرضها السلطة من خلال أجهزة المراقبة والمعاينة للناس، وبالذات التي تخص العرق، فالسلطة هنا تأتي بأجهزة توظف من خلالها التكنولوجيا لمراقبة عرق معين نتيجة الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وذلك لإخضاع مجموعات معينة للسلطة والمراقبة والمعاينة. هذا بالنسبة إلى السلطة، أما الذات، فلها أيضًا نوع من التكنولوجيا "المضادة" (يسميها فوكو "تقنية ذات") من أجل التخلص من أجهزة المراقبة هذه والإفلات من السياسات البيولوجية للسلطة ونظام القمع متعدد الأبعاد. نزع الحجاب واحد من تقنيات الذات هذه، أحيانًا.
في أطروحة الصديق العزيز سليم سوزي للدكتوراة، كان قد صاغ مصطلح "بياض غير الأبيض"، وأعني به السلاح الذي يتخذه غير الأبيض في مواجهة ظلم "النظام الأبيض" متعدد الأبعاد الذي يقع عليه جراء تقاطع هوياته المتعددة. للأبيض الأمريكي امتياز اجتماعي بسبب بشرته البيضاء، في حين أن غير الأبيض لا يملك مثل هذا الامتياز. لذلك، هو مجبر على الإتيان ببعض تقنيات الذات كي ينافس ذلك البياض. "بياض" المرأة المسلمة المهاجرة مثلاً ليس في بشرتها، بل في نزعها حجابها؛ هذا بياضها [سلاحها] في مواجهة بياض بشرة الأوروبي المهيمن على النظام القانوني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتعليمي في أمريكا. نزع الحجاب هنا هو نوع من تقنيات الذات (بتعبير فوكو)، تأتي به المرأة المسلمة المهاجرة لتواجه "بياض" الأبيض الأمريكي وتتخلص من الضغط الاجتماعي عليها كامرأة يراها الأمريكي "مغتربة وغير مندمجة". كل ذلك من أجل أن تنافس في المجالات السياسية والاقتصادية والوظيفية. ليس هذا الأمر بالضرورة اندماجًا أو اغترابً بقدر ما هو استراتيجية للبقاء على الحياة في مجتمع تهيمن عليه ذكورية رأسمالية أوربية بيضاء. تنزع المرأة الحجاب في الغرب لكي تتخلص من ظلامات كثيرة تقع عليها بسبب اختلاف عرقها ودينها عن عرق ودين الأغلبية، ولهذا فإن تعريف سوزة لــ "بياض غير الأبيض" هو أنه مفهوم يخص مجموعة تقنيات ذات يأتي بها المهمَّش للتغلب على ظلامات متقاطعة محاولاً في ذلك تخفيف آثارها على الأقل أو الإفلات منها ومن قبضة النظام الذي يهيمن عليه العرق الأبيض من أجل المنافسة على الفرص الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. من الأمثلة الأخرى على هذه التقنيات هو تغيير الاسم بالنسبة للمهاجر العربي المسلم إلى اسم غربي. كثيرون غيّروا أسماءهم العربية من أحمد، محمد، علي، حسن .... إلى جون، جورج، مايكل، وهكذا، من أجل أن يسهل عليهم الدخول إلى عالم الوظيفة والتعليم والبيزنيس والتخلص من التمييز العنصري حين التقديم على هذه الفرص عبر الإنترنيت أولًا. مع هذه الحيلة [تقنية ذات]، لن يتعرف الإنترنيت على الأصول العربية لهؤلاء، على الأقل في المراحل الأولى للتقديم حتى موعد المقابلة وجهًا لوجه، وعندها لكل حادث حديث.
س - بالإعلاء من صيحات الدعوة إلى تحديد الهوية الجندرية وقبول هويات جندرية جديدة كقبول المثلية والعابرين والكوير وفقًا للتيارات النسوية الراديكالية المتطرفة، كيف يمكن أن تؤثر هذه التحولات على هوية الإنسان وكذلك على هوية الأسرة ودور الأمومة ؟ وما السبيل للحفاظ على كيان الأسرة الشرقية في ظل تلك الدعوات في عالمنا المنفتح؟
ج- أنا من المؤمنين بأن الدراسات النسوية العربية ما زالت مهمشة في الأوساط الفكرية العالمية والمتخيل الغربي، ومع ذلك، برزت كثير من الأسماء العربية والإسلامية لتبقى رائدات في هذا المجال مثل الصحفية اللبنانية "روز اليوسف" أو المصرية "هدى شعراوي"، أو التونسية " بشيرة بن مراد". في حين تُترجَم الكتابات النسوية للطاهر حداد إلى حد كبير في الولايات المتحدة الأمريكية، ونرى اليوم هذا الاختفاء الصارخ للفكر النسوي العربي – الإسلامي، وقد تسألين ما أسباب ذلك ؟ ... اعتقد أنه في الوقت الذي برزت فيه النسوية الغربية في أوروبا وأمريكا ككيان معقد ومؤسس، لم تكن نظيرتها العربية والإسلامية تفرض مثل هذا الوجود، لا بالأمس ولا بالحاضر، وما زالت تناضل النسوية العربية بصعوبة من أجل الوجود، حتى ونحن الآن في زمن العولمة والمعلوماتية والتواصل الاجتماعي.. وأخيرا وليس آخر أقول: مازالت النسوية العربية – الإسلامية في الموجة الأولى من الموجات النسوية الغربية الأربع التي ذكرتها في الأسئلة السابقة، أي موجة المطالبات الحقوقية والمساواة بالرجل، وبالتالي فإن هذا التغييب سببه أنه لم يعد هذا الأمر يهم القارئ الغربي بشيء، إذ تجاوزت النسوية الغربية الأمريكية الموجة الأولى بثلاث موجات أخرى، وبالتالي لن تتحمس دور النشر الغربية لنشر مثل هذه الإسهامات العربية اليوم. بمعنى أن النسوية العربية بعيدة عن هموم النسوية الغربية بقرن ونصف تقريبًا، لكن هذا لا يمنع للأمانة أن هناك دراسات عديدة منشورة باللغة الإنجليزية عن هموم النسوية العربية، أغلبها من نساء عربيات تخرجن في جامعات أمريكية بصراحة، فلدينا عدد لا بأس به من الأكاديميات والناشطات النسويات العربيات نشرن كتبًا ومقالات مهمة في هذا الشأن. أما عن حركة الترجمة من كتابات عربية إلى الإنجليزية، فأنا معك. ثمة نقص واضح جدًا في هذا، والسبب أن قضايا وهموم المرأة العربية الآن تختلف عن قضايا وهموم المرأة في الغرب. المرأة في الغرب اليوم تعيش الموجة الرابعة من النسوية.
س - هل يمكننا تأسيس حركة نسوية شرقية تعد امتداداً لجهود الحركات العربية السابقة، وتسعى لتحقيق أهداف مشتركة تعزز من صوتها أمام الحركات النسوية الغربية؟ وما رويتكم لتحقيق ذلك؟
ج - اعتقد أنه في المرحلة الحالية من الصعب جدا تأسيس حركة نسوية شرقية تعد امتداداً لجهود الحركات العربية السابقة، بسبب انتشار ثقافة عدم الاندماج بين الأنا والآخر، وهذا واضح جدا من الناحية السياسة من خلال ما تفعله إسرائيل وأمريكا إزاء قضايا ومشكلات الشرق الأوسط والذي أفزر تلك الحروب التي تدور رحاها الآن في غزة ولبنان.
***
حاورته: د. آمال طرزان