حوارات عامة
حوار مع الشاعرة السورية ريم البياتي حول الشعر والطفولة
هي زهرة من بستان الياسمين الشامي المعرش فوق ذرى قاسيون وفوق رباه.. تحلت بالصبر حتى يخرس صوت الرصاص لتغرس بذرات أزاهيرها في فوهات بنادق الاحتراب البغيص شرط أن تصحو ضمائر المتراشقين بالكراهية والرصاص، ومن أجل أن ينضج رغيف الفقراء ويستدل العالم على طريق المحبة ومن أجل هذا سارت سواقي شعرها حول الأكواخ وبين مقابر شهداء الأوطان وحملت العصافير رسائلها وطرقت بوابات الهلع وازالت شوك السنابل وغنت للغرباء والمنفى ورقصت على مزامير الوجع وصلت لتلك الوجوه بعدها شبه لها لكن لانعلم هل كان مصلوبا أو قتيلاً؟
انها يسرى رجب مصطفى الشاعرة السورية التي عرفناها باسم ريم البياتي والتي تستضيفنا اليوم من أجل معرفة خفايا مشروعها الحلم عن الطفولة في هذا الوطن الذي لا يعني إلا بشؤون الكبار
ريم البياتي:
- الشعر يولد مع صاحبه ويلتصق به
- الحزن ملح طعامنا والنار التي تنضج رغيفنا
- حينما أصل إلى طريق مسدود اقفل الباب وامضي
- كيف أكتب للورد وطفلي يصرخ من الجوع؟
- كيف انشد للحب والرصاصة اسرع من نبض القلب
* من هي ريم البياتي لمن لا يعرفك ؟
- امرأة نبتت في جبال القهر، حيث كل الطرق محفوفة بالشوك، وكانت قدماها حافيتين.
لكنها لم تؤمن يوماً بالمستحيل. درستْ في كلية الحقوق في جامعة دمشق، وارتأت أن تغرس القوانين الجامدة في رحم التراب، فعملت في الزراعة، وكانت فلاحة حقيقية، ذرات التراب التي تسللت إلى دمها علمتها أن الصدق فضيلة، وأن العين تستطيع أن تقاوم المخرز وتنتصر عليه، وأن الحياة مهما كانت قصيرة، تستطيع أن تدخل من بوابة الكلمة إلى رحاب الخلود. ( يسرى رجب مصطفى).. ريم البياتي هو الاسم الأدبي الذي اخترته وأحببته، وطبعت كتبي به وسافرت به وهو مثبت على بطاقة عضوية انتسابي إلى اتحاد الكتاب العرب في وطني سورية.
* متى ناهزت الطفلة التي في داخلك الشعر؟.
- الشعر يولد مع صاحبه، ويلتصق به مثل اسمه، أو لون عينيه، يغفو في سريره، ويصحو حينما يطيب له ذلك.
كتبت أول قصيدة حينما كنت في الثالثة عشر من عمري، وما زلت أذكر مقطعاً منها
وعدت إليك يا شامي
ألملم دفء أيامي
أحدّق في العيون السود
أورع فيها أحلامي.
لم أكن أعرف يومها أعرف ماذا يعني الشعر، ولا علم لي ببحوره، وإلى الآن مازالت أذني هي الميزان.
* يقول خبراء القصيد: إن كان فخراً فالنسيب مقدم. هل كتبت الغزل، ولمن؟
. لم أكتب الغزل في بداياتي، كانت أول قصيدة كتبتها لدمشق، والثانية لدير ياسين بعد أن قرأت عن تلك المجزرة المروعة التي ارتكبها الصهاينة بحق أهلنا في فلسطين.
القصيدة الثالثة كانت في مديح الامام علي عليه السلام، والرابعة في سلطان باشا الأطرش أحد قادة الثورة السورية الكبرى، وهكذا، ولم أكتب الغزل إلا بعد ذلك بزمن طويل، وقصائدي في الغزل لا تتجاوز السبع.
* البكاء على الأطلال حزناً أم ندماً، أم ماذا ؟
- أنا لا أبكي ندماً على أي أمر، وذلك لسبب بسيط، هو أنني لا أغادر إلا بعد استنزاف كل الوسائل الممكنة للإصلاح، حتى لو فهمني الآخر بشكل خاطئ، وحينما أصل إلى طريق مسدود، أقفل الباب وأمضى ولا أعود أبداً.
أما الحزن، فهو ملح طعامنا، والنار التي تنضج رغيفنا، نحن أبناء الحزن، وأخلص خلانه.
* هل ركبت قطار الحب، وفي أي المحطات توقف.؟
- وأهفو إليكَ فهل يستريح
جريحٌ على شوكةٍ يربضُ
يمدّ إليكم يد المستجير
تعود على جمركم تقبضُ.
* كيف تولد القصيدة؟
- ليس للقصيدة موعد، ولا مواقيت، إنها الضيف الذي لا يعلن عن قدومه إلا حينما يطرق الباب، ويدخل مرحباً به-
* هل الشعر ترف أم ضرورة؟
. هناك آراء متعددة حول هذا الأمر، أما بالنسبة إليّ، فإنني أرى الشعر مرآة عصره وبيئته-
كيف أنشد للحب في زمن تكون الرصاصة فيه أسرع من نبض القلب؟
وكيف أكتب للورود، وطفلي يصرخ من الجوع؟
وكيف أستطيع التحليق في عالم الخيال، وهناك ألف قيد يشد قدمي إلى الهاوية؟
الشعر موقف وقضية، والكلمة لا تقل فعلاً عن الرصاصة.
فلتخرس أقلام الشعراء، إن عجزت أن ترسل نوراً، ليضيء دروب الفقراء.
* من يستهويك أكثر، الشعر الكلاسيكي، أم الحديث؟ وهل توقفت في محطات قصيدة النثر؟
- قلت في البداية إن أول قصيدة كتبتها كانت تفعيلة، لم أكن أعرف يومها أن هناك بحوراً للشعر ولا أوزان، كان النص يتدفق موزوناً بالفطرة، وحينما عرضت تلك القصائد على الشاعر الكبير نديم محمد رحمه الله، سألني إن كنت أعرف على أي بحر كتبت قصائدي، استغربت الأمر وحسبته يسخر مني، وحينما أيقن أنني لا أعرف عما يتحدث، قال لي كلاماً لن أنساه:
" لقد ولدت شاعرة يا فتاة" وما زلت إلى الآن أكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة بفطرتي.
أميل إلى قصيدة التفعيلة؛ لأنها تستطيع أن تحمل ما أريد أقوله، وأكتب القصيدة الكلاسيكية
ما كتبته في النثر، ألحقته بالخاطرة، ولم ألبسه عباءة الشعر. أنا أحترم كل لون أدبي، ولكني أرى أن ما يطلقون عليه اسم قصيدة النثر ليست بالسهولة التي يتخيلون، ولا يجيد كتابتها سوى قلة قليلة من الأدباء.
* حدثيني عن حبك للطفولة، ومشروعك الكبير حولها؟
- كل عاقل في هذا الكون يعلم أن الأطفال هم المستقبل، وأن البناء الحقيقي لأي مجتمع يبدأ من اللبنة الأولى، فإذا كانت الدعامات متينة ارتفع البناء وشمخ، وإلا سيسقط عند أول عاصفة، وهذا ما حدث في مجتمعاتنا العربية للأسف.
المشروع الذي عملنا عليه منذ عام، أنا والدكتور محمد العربي المنصري من تونس، والدكتور نصيف جاسم من العراق:
" من أجل عالم أكثر سلام، تأثير التحولات السياسية والأمنية على مستقبل الطفولة العربية"
تأثير العنف الناجم عن الحروب على الأطفال أنموذجاً
وهذا المشروع له عدة مفاصل، المفصل الأول:
البحث الميداني، وتقصي حالات الطفولة المغتصبة في بلدان الحروب/ ليبيا/ سوريا/ العراق/ اليمن/ غزة/ لبنان.
المفصل الثاني:
الندوة الدولية حول الطفولة العربية المهدورة، وهناك تفاصيل كثيرة تخص هذا المفصل
المعرض الجوال في كل العالم، حيث سنختار الصور للحالات الأشد بؤساً، لتعرض ضمن تقنيات معينة في كل الدول التي تبدي رغبتها وهناك الكثير من الدول التي نستطيع إقامة المعرض على أرضها. ونأمل أن نستطيع الوصول إلى ضمير الآخر من خلال تلك الصور، وتسليط الضوء على مظلومية أطفالنا .
وأخيراً : المكنز الرقمي الذي يحفظ كل تلك الصور والمعلومات التي حصلنا عليها في أثناء بحثنا الميداني.
هناك تفاصيل كثيرة لا مجال إلى ذكرها كلها.
* ماهي مقومات نجاح هذا المشروع، ومن هي الجهة القادرة على تبنيه ودعمه؟
- إذا توفر للمشروع جهة داعمة، فنسبة نجاحه ستكون 100/100 أنا على يقين من ذلك.
وستكون نتائجه حقيقة، وتقدم خدمة للطفولة، وللجهات التي تهتم بالطفولة، فالكتاب الذي سيجمع كل تلك المعلومات التي سنحصل عليها من خلال بحوثنا الميدانية عن الطفولة المقهورة سيقدم للباحثين وللجهات الرسمية التي تهتم بالطفولة مادة حقيقية أكاديمية يمكن البناء عليها. وكذلك الندوة والمعرض.
تستطيع أي مؤسسة عربية متوسطة أن تدعم هذا المشروع، فهو لا يحتاج إلى أموال طائلة.
وأي وزارة عربية تستطيع ذلك حينما تؤمن أن هذه البحوث الفكرية الحقيقية هي السبيل الأمثل للبناء.
. بماذا يختلف تعامل ذوي الشأن في الوطن العربي مع مشاريع الطفولة عن الآخرين في باقي البلدان.
. أستطيع القول من خلال تجربتي أن الاهتمام في هذا الشأن ليس كبيراً، من المؤلم جداً أن نرى في عالمنا العربي احتفاء بفنانة من الدرجة العاشرة بمبالغ كبيرة، في حين لا نجد اهتماما بالبحوث التي بنى الغرب عليها حضارته ونجح.
هناك مؤسسات خارج العالم العربي، أبدت استعدادها لتبني المشروع، وحينما تغلق في وجوهنا كل الأبواب العربية، سنتوجه إليها.
* هل طرقت أبواب المسؤولين؟
- لم أطرقها بشكل شخصي لأسباب عدة، فالسفر بين أقطار الوطن العربي بالنسبة للعربي أصعب من السفر إلى أوربا، فمشكلة تأشيرات الدخول كارثية. لذلك لم أتمكن من ذلك.
لكن بعض الأصدقاء فعلوا ولم يتوصلوا إلى نتيجة.
* هل كتبت للأطفال؟
- كتبت عن الأطفال الذين قضوا في سجون الطغاة، وعن الذين طحنت الحرب أعمارهم في كل بقاع هذه الأمة.
* هل مارست نوعا آخر من الأدب غير الشعر؟
- كتبت المقال، والخاطرة/ وبعض القراءات الانطباعية عن أعمال أدبية أعجبتني.
* ماذا تقدم المهرجانات للشاعر؟
- تمنحه فرصة أن يتعرف إلى شعراء آخرين من بلدان أخرى.
* هل هناك أمنية؟
- أمنيتي أن أرى مشروع الطفولة يتحقق بأيد عربية، لأن هذا المشروع يقدم خدمة للطفولة العربية المغتصبة، وأعتقد أنه من نوائب الدهر أن نلجأ إلى الآخرين لنستطيع أن نظهر مظلومية أطفالنا!
نحن في البلدان العربية، لا ينقصنا المال، ولكن تنقصنا إرادة العمل، والاهتمام بالمشاريع الفكرية،
لم نتعلم أن نحارب أعداءنا بطريقتهم، القوة الناعمة التي تعتمد الفكر..
لقد تكلمت الشاعرة ريم البياتي بصراحتها المعهودة وصدقها وطيبتها المحببة إلى النفس، لكن بطعم مر بسبب ما وصلت إليه حالة الطفل العربي من إهمال مؤلم من قبل الحكومات العربية والوزارات المختصة فيها والمؤسسات التربوية، ومع هذا كانت تبحث عن بصيص أمل لإنقاذ الطفولة.
***
حاورها: راضي المترفي