حوارات عامة

د. آمال طرزان تحاور الإعلامية زينب محمد برجاوي حول شئون الإعلام وقضايا المرأة

نماذج إعلامية رائدة (2)

س- بدايةً، يسرني أن أرحب بالإعلامية المميّزة زينب محمد برجاوي. نحن حريصون على التعرّف على السيرة الحياتية لكِ، بما في ذلك خلفيّتك العائلية، مسيرتك التعليمية والمهنية. كيف كانت رحلتكِ حتى وصلت إلى ما أنتِ عليه اليوم؟

ج- بداية أشكر حرصكم وثقتكم القديرة. اسمي زينب محمد برجاوي و"ميار" هو اسم اعتمدته على مواقع التواصل منذ تأسيسي الحسابات بسبب حبّي له ولجوهر معناه "جالبة الخير"، صادفته في إحدى المسلسلات المصريّة بعدما أعجبتني شخصيّة البطلة، ولذلك أحبّ الاسمين معًا، ولكلّ منهما حصّة من تركيبة شخصيتي.

أسرتي الصغيرة تتكوّن من ستة أشخاص. الأم والأب وشقيقين (قاسم وعلي) وشقيقتي فاطمة. درست اختصاص الإذاعة والتلفزيون في الجامعة اللبنانية الدوليّة (LIU) ونلت شهادة بتقدير جيّد جدّا، وبعد 12 عاما تابعت تحصيل الدراسات العليا، وحاليا في مرحلة نيل شهادة الماجستير2في الصحافة من الجامعة اللبنانيّة ضمن اختصاص علوم الإعلام والاتصال- بحثي.

بعد تخرّجي مباشرة عملت كمُعدّة برامج في إذاعة البشائر، ونلت جائزتين في مجال الإعلام عن إعداد البرامج في إذاعة البشائر من منظمة المرأة العربيّة، وإتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلاميّة، وتعاونت مع قناة الإيمان الفضائيّة على إعداد برامج ووثائقيات متخصّصة، ثم كمنتج منفّذ لعدد من البرامج، وكذلك مع بعض شركات الإنتاج، إلى جانب عملي في مجال كتابة المحتوى الرقمي مع مؤسسة ذا لي إكسبيرينس وبعض الصفحات والمؤسسات، ونًشرت لي مقالات صحفيّة وأدبيّة متنوّعة في عدد من الصحف والمجلات المحليّة والعربيّة.

عملي كلّه خلف الكواليس. لم أطمح بالتقديم نهائيا رغم تحفيز محيطي. علاقتي بالقلم أقوى وبالقراءات المعمّقة والبحث المطوّل وتنقيب الضيوف من مختلف دول العالم وابتكار الفقرات، وهي جميعها أدواتي التي رغم تعبها واستنزافها الوقت والطاقة لا أجد نفسي إلا فيها.

أهتمّ بمجال الكتابة الأدبيّة (قصص قصيرة وخواطر) وكتابة السيناريوهات كهواية ونلت مؤخرا جائزة أفضل سيناريو فيلم قصير عن فيلم "مَعْلِش".

صنّفتني مجلّة أزهار الحروف لمدّة عامين ضمن قائمتها لـ100 امرأة مبدعة، وحائزة وسام فرسان الإعلام من المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال.

وباختصار ما أوصلني إلى بعض الإنجازات اليوم خمسة مفاتيح تختزل الكثير: الشغف، الطموح، المثابرة، القراءة، وحس المسؤوليّة.

س- في حياة كل منا قدوة فمن القدوة والمثل الأعلى في حياتك الشخصية؟ وماذا تعلمتي منه؟

ج-لا شك بأنّ الأب والأم هما القدوة الأولى والأكثر تأثيرا في حياة الأولاد بتقديري، ولكن هنا على الصعيد المهني لن أختار شخصًا، بل فكرة كانت بمثابة قدوتي التي أشعلت قناديلها في دروب الحياة وتعلمّت منها. قدوتي المكتبة برمزية القراءة. فقراءة الكتاب تمثّل القدوة وخزّان صقل المعرفة والشخصيّة، ووجّهتني كيف أطمح وكيف أفكّر وأقرّر وأختار في شتّى المسارات.

س- لا يمكن إنكار دور الهيمنة الذكورية على واقع المرأة العربية فكيف يؤثر دور الرجل في حياة الإعلامية ميار برجاوي، سواء كان ذلك أب، أخ، زوج، أو ابن، على مسيرتك الشخصية والمهنية؟

ج- لن أنكر أنّنا في مجتمع شرقي ذكوري التفكير والسلوك، للرجل تأثيره الكبير وسطوته فيه، ولكن في الحقيقة على صعيد شخصيتي وأسرتي لم أواجه معضلة الذكوريّة التي لمستها في محيطي. فوالدي وإخوتي من الأشخاص الداعمين سواء بمتابعة العلم أو العمل. وأعود مجدّدا للقراءة التي علمّتني كيف أدافع عن خياراتي وقناعاتي بوجه الرجل في حال واجهت أيّة إملاءات ذكوريّة قد تحد من طموحي، ولكن بالإجمال على العكس كانت يد الرجل الأب والأخ والصديق حاضرة وحاضنة وداعمة. صحيح والدي في البداية عارض دراستي الإعلام باعتبار فرص العمل فيه ستضطرني للبعد عن المنزل خشية معاناتي مستقبلا، باعتبار فرص العمل المميّزة حينها كانت شبه محصورة في المدينة وثمّة مسافات جغرافيّة بعيدة نسبيا والوضع الأمني في بلدي مرّ بفترات من عدم الاستقرار، ولكن شخصيتي عاندت وتمسّكت بطموحها، ورغم كل المتاعب حقّقت حلمي في مهنة المتاعب.212 Zainab Berjawi

س- لا يمكن إنكار دور التربية في تشكيل العقول فالتعليم هو السلاح الذي يمكن الأجيال القادمة من محاربة الصور النمطية  والأفكار المتخلفة عن الأدوار التقليدية بين الجنسين. إلى أي مدى تلعب التربية دورها في المساواة بين الجنسين؟

ج-انسجاما مع ما ذكرته ضمن إجابة السؤال السابق، يتضح أنّ للتربية وعلاقة الابنة مع أسرتها وتحديدا والدها تأثيره على مسار حياتها. فوجود الوالد الداعم والذي يمنح ابنته الثقة وسط مجتمع ذكوري يصنع فارقا. لنكن صريحين جميعنا في مجتمعاتنا نلمس بعض التمييز في التربية ويُسمح للشاب ببعض الامتيازات التي قد تُحرم منها البنت لاعتبارات مجتمعيّة وعادات وتقاليد والخوف عليها، وفي بعض العائلات قد تصل إلى حد منعها من الخروج إلّا برفقة ذويها حتّى ولو في وضح النهار. ولكن أعتقد بفضل التربية على الثقة المتبادلة و المسئولة وأيضا التعليم الذي يحصّن الفتاة ويعلمها كيف تحمي نفسها وتكون مسؤولة في التصدّي لأيّة مضايقات مهما كان نوعها، فالأمر يغدو مختلفا. حين نربّي الفتى في عائلته على احترام شقيقته وتحريم العنف لأي سبب كان، والمساواة المنطقيّة والعقلانيّة بينهما، ستتغيّر الذهنيّة في المجتمعات، وإلّا ستعاني المرأة صدمات العائلة وصدمات الحياة الزوجية وصدمات العمل وسينعكس ذلك على أسرتها لاحقا.

س- المسئولية المشتركة بين الزوجين هي سبب رئيس في نجاح المرأة مهنيا فمن وجهة نظر كهل الرجل العربي يؤمن بفكرة المسئولية المشتركة بين الزوجين؟

ج- حقيقة لا يمكنني الجزم بالنفي أو التأكيد حيال الرجل العربي عموما، إذ لست مطلعة على كل البيئات العربيّة. البعض يؤمن والبعض لا يريد أن يؤمن ربّما لأسباب اجتماعية أو نفسيّة أحيانا، لجهة ألا تفوقه المرأة تفوّقا فيما هناك من يكون بالعكس سندا وصانع نجاح. على صعيد الرجل اللبناني- وإن كانت ثمّة جرائم وقصص مؤلمة ومخجلة- ولكن بالعموم ثمّة دعم عام وإيمان بالتشاركيّة فيما خلا بعض البيئات والعائلات والحالات، وبتقديري يجب أن نؤمن بدور التكامل قبل مجرّد التشارك بتقديري. فالزوجان مثل توأمين يتكاملان. حين يكون الرجل داعما للمرأة مهنيا، سينعكس ذلك على تربية سليمة داخل بيته وأولاده. كل الآباء اليوم يحرصون على تعليم بناتهم، وبالتالي حين ترى الابنة والدها داعما لأمّها ويرى الولد والده مثال دعم لزوجته، سيرث هذا السلوك مع زوجته وبناته وهكذا دوليك.

س- أسباب اختيارك لمهنة الإعلام؟ ما هي أبرز التحديات التي تواجهينها في عملك الإعلامي؟ وكيف استطعت التغلب عليها؟

ج- سبب اختياري لمهنة الإعلام طريف قليلا. كنّا صغارا أنا وإخوتي ألاعبهم ألعابا ثقافيّة. أقوم بتجميع معلومات من الكتب المدرسيّة والمجلات والصحف ومن الحياة، أدوّنها ورقيّا على شاكلة برنامج تثقيفي ترفيهي، ثمّ أقوم بطرحها عليهم كبرنامج مسابقة إعلاميّة في مجالات متعدّدة لاختبار معارفهم وتنميتها، وبذلك صنعت برنامجًا إعلاميا بشكل فطري. وكان شيئا بداخلي عاشق للورق ولإيصال رسالة ما.

ذهبت برفقة والدي إلى الجامعة لتعبئة طلب الاختصاص، وبينما أملأ البيانات حاول إقناعي بالعدول عن الإعلام واختيار اختصاص في عالم ريادة الأعمال، فرمقته بابتسامة وصمّمت على خياري. كنت أميل للصحافة المكتوبة، طمحت بدراستها تحديدا في الجامعة اللبنانية، ولكن لظروف أمنيّة في البلد في ذلك الوقت ومركزيّة الاختصاص في العاصمة بيروت حصرا، اضطررت للدراسة في جامعة خاصّة قريبة من منطقتي ولكن حتما استفدت كثيرا، ووفّقت مع الوقت -رغم صعوبة ذلك- بمتابعة الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية بعد اجتياز عدد من الاختبارات الشفهيّة والخطيّة.

على صعيد التحديات، تحدّي الذات هو الأبرز.نيل جائزة في أولى سنوات العمل وأول برنامج يضاعف مسؤوليتك إذ عليك إثبات الأفضل دائما وعدم التراجع عن مستوى ما تقومين بإعداده وكتابته، وأحرص على صوغ فكرة وقالب مختلف لكل برنامج وهذا يتطلّب مطالعة ومواكبة كبيرة لإنجاب أفكار خلّاقة أو تقليدية برؤية مجدّدة، وعصر السوشيال ميديا والإعلام الرقمي ضاعف التحديات لجهة أن نكون مواكبين ونوفّق بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي. عدا ذلك مهنة الإعلام في بعض المؤسسات مهنةٌ غير مربحة ولا تبني لك مستقبلا على المستوى المادي وبناء المستقبل، ولذا علينا أحيانا العمل بأكثر من وسيلة أو أكثر من مهنة، حتّى نبقى مواكبين في العمل الإعلامي الذي هو رسالة قبل أن يكون مهنة.

وباختصار أدين بالتغلّب على ما أواجه من تحديات إلى الإصرار والمسؤوليّة والشغف.

س- هل تستطيع المرأة أن تقدِّم كافة أنواع البرامج الإعلامية كالسياسية والاقتصادية بمهارة وإبداع كجنس الرجال؟

ج-لا أرى أيّة مشكلة في ذلك ما دامت تملك قدرات ومهارات من جهة، وهي مواكبة ومُطلعة من جهة ثانية. بوسعها النجاح والتفرّد في المجال الذي تجد نفسها فيه، والأمر لا علاقة له بجينات فطريّة وقدرات جسديّة، الأمر متعلّق بالشغف والاستعداد للمطالعة والمواكبة. المسألة شغف.

س- ما دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا المرأة العربية؟ وما أهم أبرز معضلات المرأة العربية عامة واللبنانية خاصة والتي ينبغي على الإعلام مناقشتها وطرحها اليوم؟

ج-عندما طُلب منّي فكرة إعداد برنامج في بداية عملي، اقترحت مجموعة أفكار كان بينها برنامج عن المرأة بعنوان: "هي المرأة" وهو البرنامج الذي حاز الجائزة الأولى عربيا. لأنّي أعتبر الإعلام رسالة توعية بالدرجة الأولى ولأنّ المرأة في مجتمعاتنا رائدة بكل معنى الكلمة ولديها قضاياها، كان هذا البرنامج المتعدّد الفقرات. من جهة نسلّط الضوء على قضاياها وحقوقها ونساهم في التوعية، ومن جهة نبرز إنجازاتها وتميّزها. رسالتي الإعلام الملتزم الذي يساهم في التنمية بمختلف الميادين والمرأة في مقدّمها كونها تحتاج إلى تثقيف بحقوقها وواجباتها وتستحق إبراز بصماتها. ناقشنا عبر برنامجنا قضايا كثيرة في طليعتها الحريّة والمساواة. وهي مسائل مهما طُرِحت تبقى قابلة للنقاش باستمرار بسبب المستجدات الدائمة. وبرأيي المساواة التي يلتبس مفهومها عند البعض- نساء ورجالا- هي من أكبر معضلات العصر وهي سبب استمرار المشاكل والجرائم، وتحتاج مناقشتها ضمن قوالب اجتماعيّة ونفسيّة وتربويّة.

س- ما الذي دفعك للتركيز على قضايا المرأة من خلال إعدادك وتقديمك للبرنامج الإذاعي "هي المرأة"؟ وهل هناك ردود فعل سلبية تلقيتها نتيجة لمواضيع معينة شائكة تناولتها في برنامجك؟ وكيف تعاملتِ معها؟

ج-أكرّر لأنّ الإعلام بمفهومي رسالة، ولأنّي امرأة ولاحظت غبن بعض النساء في دائرة مجتمعي لاسيّما بعض القصص التي واكبتها في المدرسة والجامعة وفي الأعمال الدراميّة، كانت فكرة هذا البرنامج هي الأولى التي خطرت على بالي. لم أقابل ردود فعل سلبيّة، بل على العكس كانت بمجملها إيجابيّة من النساء الرائدات اللواتي استضافهن البرنامج في عوالم الإعلام والثقافة والأدب والعمل الاجتماعي وغيرها.جميع تلك النماذج لها بصماتها في محافل عديدة ساهمت بطرق معيّنة في دعم وتحسين وضع المرأة وتسليط الضوء على قضاياها وناقشت بعقلانيّة ودر و واقع النساء في لبنان، وكان لا بدّ من توثيق جهودهن وبصماتهن.

س- في برنامجك هي المرأة استضافتي عدد من الشخصيات النسائية الرائدة من الممكن أن تذكري معنا أبرز الشخصيات التي أثرت فيك عند حوارك معها؟

ج- بتجرّد لكل امرأة أثر في جانب معيّن بشخصيتها وفكرها، واستفدت منهن جميعهن. ولكن إن خُيّرت فالكاتبة إميلي نصر الله رحمها الله كانت الأبرز بهدوئها وحروفها وفكرها. أذكر أنّ حلقتها كانت عن الحريّة وعن إنجازاتها وطرحت أفكارها بواقعيّة، وبالمناسبة حلقتها هي الفائزة. وكذلك للناقدة يمنى العيد أثر في تفكيري النقدي.

س- لقد حصلت على جائزة أفضل برنامج إذاعي عن المرأة العربية من منظمة المرأة العربية فهل من الممكن أن تحدثينا عن شعورك عند سماعك بهذا الخبر؟

ج- من المفارقة أنّي بشّرت نفسي بنفسي. كانوا قد اتصلوا بنا من منظمة المرأة العربيّة على رقم هاتف الإذاعة، ولكن للمصادفة لم يجب أحد. ومضت فترة من الزمن وهم يحاولون. ومرّة سألتني مديرة البرامج عن هويّة الفائز بالمسابقة، فقلت لها لم أعرف، ولو كنّا فزنا كانوا حتما سيخبروننا. حدس ما ذات صباح دفعني لمعرفة الجهة الفائزة لأقرأ اسم برنامجنا "هي المرأة". شهقت وفرحت وكنت وحدي لحظتها في المكتب في وقت باكر. لم أتوقّع إطلاقا خاصّة كان برنامجي الأول، وكنت متردّدة في المشاركة بالتنافس. ولكن مديرتي كانت على ثقة أكثر منّي، قرأت إعلان المسابقة مصادفة في إحدى الصحف، ورشّحت مشاركتنا، وحين أخبرتها بأنّه برنامجي الأول وقد تكون هناك برامج ذات خبرة وجاذبيّة أكبر، قالت نشارك فليس ثمّة ما نخسره خاصّة أنّ البرنامج كان غنيًّا، وبذلت فيه جهدًا كبيرا،وهكذا جاءت النتيجة مفاجئة، فرحت وتوترت قليلا لحظتها.وقد رتّب عليّ ذلك مسؤوليات وضغط بتحدّي نفسي لإعداد الأفضل.

س- هل كل المهن تبدع فيها النساء؟ إن كانت الإجابة بنعم فلم تُحصر المرأة في الأعمال المرتبطة بالرعاية، مثل التدريس والوظائف المكتبية والتمريض والعناية بالمنزل، وعندما تحاول الكثير من النِّساء المشاركة في مجالاتٍ جديدةٍ مثل هندسة الميكانيكا والهندسة المعمارية والشرطة  ...إلخ،  يشكل المجتمع عقبة أمامهن؟

ج- لا أستطيع الجزم بإبداع المرأة في مختلف المجالات، المسألة تتعلّق بما تحب وترغب،وبما تملكه من موهبة ومهارات وقدرات. شخصيَا لا أمانع بأن تختار المجال الذي تميل إليه ما دامت هي مقتنعة ويلتقي ذلك مع طموحاتها. صحيح أن المجتمع يصنّف المهن وفقا لمعاييره الخاصّة وهذا غير منطقي، ولكنّي في الوقت ذاته لا أشجع المرأة على خوض مجال هي ليست مقتنعة به وفقط اختارته معاندة لمحيطها ومجتمعها. حين تختار فليكن الاختيار بما يفتح لها الآفاق الشخصيّة لتحقيق ذاتها أولا وبناء مستقبلها بمعزل عن نظرة المجتمع. نحن في مجتمعات ثرثارة بطبعها وسوف تنقّب عن الانتقاد في مطلق الأحوال وتضع عقبات حتّى في أكثر المهن التصاقا بالنساء، وعليه إن وجدت المرأة نفسها في مجال الهندسة ما الضير؟ فلتتبع حدسها وشغفها وهما كفيلان بمساعدتها للقفز فوق كل عقبة.

س-هل تستطيع المرأة أن تتولى كافة المناصب القيادة؟ وإن كانت الإجابة بنعم  فهل من الممكن أن تقدمى لنا نموذجاً نسائياً قيادياً في لبنان؟

ج-لا شك تستطيع، المرأة نصف المجتمع وهي من تؤسّس نصف المجتمع الثاني بصفتها المسئولة الأولى عن تربية الرجل في طفولته. هذا ليس مجرّد شعار إنما واقع يُترجم بقيادتها أسرتها وقيادتها ذاتها وعملها وبقيادة فكرها ووعيها. كل منصب هي تقوده لها بصمة قياديّة فيه مهما كان حجمه سواء في المنزل أو العمل أو الحكم، فهي محرّك أساس لكل ما يقود المجتمع نحو التطوّر وطبعا هذا لا ينفي ولا يلغي مسؤولية الرجل في الأسرة أيضا.

بخصوص الأسماء فهي كثيرة ولكن لكوني متأثرة بكتابات وبصمات الكاتبة والصحفيّة اللبنانية إميلي نصرالله، فأختارها نموذجا في الإعلام والأدب المنفتح والملتزم في آن واحد.

س- هل تعتقدين أن هناك تغييرات إيجابية في القوانين التي تحمي حقوق المرأة في بعض البلدان العربية؟وما هي القوانين التي تجدينها الأكثر فائدة؟ وهل القوانين بمفردها كافية للتأثير على الوعي المجتمعي في تغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية؟

ج- في الواقع لست متعمّقة بقوانين الدول العربيّة الخاصّة بالمرأة ولذا لن أقدّم أجوبة سطحيّة أو فلسفيّة، وحتّى على صعيد وطني لست متعمّقة بها كثيرا في الشق القانوني. ولكن لا شك معركة النضال الحقوقيّة رغم ما واجهته من عقبات أثمرت تطورا في مجال عقوبات العنف ضد المرأة والمساواة في الحقوق المهنيّة. إن تحدّثنا على صعيد العمل، لا يجب تقييم راتب المرأة وراتب الرجل بوصفه يستحق تقاضي أجرا أعلى بذريعة أن لديه عائلة وهو المعيل الأول، خاصّة عندما تكون المرأة أكثر كفاءة و جدراة وتعمل بضمير أكبر أحيانا. فهنا المقارنة غير منصفة. يجب الموظفين سواسية  في التقدير بحكم ما يقدّمونه ليس بحكم جنسهم. بعض المؤسسات للأسف لا تزال تتبنّى هذا المسار المجحف، ولكن بالإجمال ثمّة قوانين حقّقت تقدّما وفي طليعتها قوانين العنف.

بالنسبة للقوانين الأكثر فائدة شخصيا أرى ما يتعلّق بقوانين الحضانة، لأنّ حضانة الأم لأطفالها كحق يجب تكريسه، إلى جانب قوانين العدل في العمل بين الجنسين ماديًّا مهما كانت الظروف.

وطبعا القوانين لوحدها غير كافية، هي مساندة ورادعة ولكن لا يمكن الرهان عليها وحدها خاصّة في ظل الفساد القضائي الذي قد لا يضمن حقوق المرأة في العديد من الدول، وبالتالي تبقى حقوقها على ورق فيما يجد المجرم/ المخالف ألف وسيلة للتحايل والالتفاف على القانون.

س- هل أحرزت المرأة اللبنانية والعربية في السنوات الأخيرة، تقدم في المجالات السياسية والاقتصادية؟ وإن كانت الإجابة بنعم فما تقييمك للتقدم الذي أحرزته؟

ج- عربيّا: أتابع بصمات ونجاحات نساء في ميدان السياسة والاقتصاد ولكن لست ملمّة كثيرا. لبنانيا: أعرف نساء رائدات في مجال الاقتصاد ويملكن خبرة واسعة ومفيدة للبلد وإن كان وطننا اليوم للأسف يعاني أزمة اقتصاديّة كبيرة. وعلى الصعيد السياسي حضور المرأة لا يزال خجولا، ولأكون صريحة لا أتبنّى تماما مبدأ الكوتا السياسية ولست ضدّه. فهو في مكان ما يضمن المشاركة السياسيّة للمرأة وتمثيلها في مجتمعات تقيّدها وهذا ضروري، ولكنّه أيضا يقيّد النسبة ويعزّز التعامل معها على أساس جنسها لا على أساس إنسانيتها ومواطنيّتها.

س- يري البعض أن الطلاق هو البداية الجديدة التي يحتاجها لاستعادة هويته بل هو الطريق لتجديد الأمل في الحياة من وجهة نظرك أسباب تزايد معدلات نسبة الطلاق في مجتمعاتنا العربية؟

ج- أسمع بقصص طلاق كثيرة وهذا محبط عموما، ولا يدل على نضج العلاقات. صحيح أنّ الطلاق في بعض القصص والحالات يكون أرحم للطرفين وللأولاد عوض العيش والتربية وسط أجواء سامّة ومشحونة، ولكن بشكل عام الطلاق له تداعياته النفسيّة والسلبيّة.

إن كان هو الخيار الصائب- وفقا لكل حالة- على المرأة ألا تقف حياتها عند حدوده وأن تجعل منه محفّزا لبناء ذاتها والنجاح في المكان الذي ترغب فيه.

بالنسبة للأسباب، هي متنوّعة وباعتقادي وسائل التواصل الاجتماعي سرّعت بها بكل أسف، وجعلت المظاهر الماديّة تسطو على قيم ومفاهيم كثيرة. اليوم يستعرض البعض الطلاق عبر المنصات علنا وهذا منفّر برأيي. يمكن الانفصال و والجهر به من دون استعراض واستفزاز وتجريح. لا شك أنّ ثمّة أسباب كثيرة وربّما استقلالية المرأة والفرص المتاحة أمامها جعلتها تخرج من دائرة الخوف من الطلاق عند التعرّض للضرب والتعنيف والخيانة والتقييد، ولكن أيضا ليس بوسعنا جلد الرجل وحده، فأحيانا بعض النساء هنّ اللواتي يخطئن. لذا أنا ضدّ التعميم، فلدي أب ولدي إخوة وأعرف تربيتهم وتعاطيهم معي ومع المرأة عموما، ولا أحب التحدّث بنفس محض نسوي، وإن كنت بصف المرأة في المرتبة الأولى نظرا لقصص أصادفها ضحاياها غالبيتها نساء.

س- ما أهدافك المستقبلية للبرنامج؟ هل تخططين لمناقشة مواضيع جديدة تخص المرأة العربية؟

ج- حاليا البرنامج متوقّف، وأعمل على إعداد برامج متنوعّة المضمون، ولكن طبعا قضايا المرأة حاضرة دائما في برامجي وإن كان ذلك بشكل غير متخصّص كما برنامج هي المرأة.

إن كُتب لي إعداد برنامج جديد متخصّص عن المرأة، فسيكون محوره المرأة الفلسطينية على وجه الخصوص، لاسيّما بعد أحداث النكبة الأخيرة المريرة ومعاناة المرأة الفلسطينية في أكثر من مجال. أعتبر تسليط الضوء على قضايا المرأة في فلسطين وفي الوقت نفسه على بصمات نساء فلسطينيات رائدات تحدين واقعهن والمأساة بمختلف الظروف واجب ملحّ ومسؤوليّة كبرى وجزء من رسالتي، خاصّة أنّي نشأت على وعي بالقضيّة الفلسطينية ونصرتها، وهي جزء من عملي ومن اهتمامي الشخصي في العمل وفي الكتابة أيضا.

س- ما الكلمة التي تودين أن توجهيها لمن يريد الالتحاق بالمجال الإعلامي من الفتيات؟

ج- الإعلام شغف. وحين أقول شغف لا أقول التعبير كلفظ أدبي أو شعر. الشغف محرّك الوقود والإلهام. وحين اخترته، لم أختره كعمل بقدر ما اخترته كرسالة ولذا عملي خلف الكواليس، الكواليس التي أراها شاشتي ومرآتي وهويّتي لإيصال صوت الحق وبصمة هادفة. هي مهنة المتاعب ومن ترد الالتحاق به فلتفكّر بالكلمة والرسالة قبل الشهرة والأضواء، لتقديم محتوى هادف في زمن شِوِّهت فيه رسالة الإعلام الجوهريّة.

مبدأي: كلّ جهد في سطر رسالة، والرسالة الإعلاميّة شغف ومسؤوليّة في تشييد الوطن والإنسان وبناء الوعي والمعرفة.

نسوية شرقية

***

حاورتها: د. آمال طرزان

في المثقف اليوم