حوارات عامة
حوار مع الدكتورة خديجة حسن جاسم إبراهيم حول مسيرتها العملية وواقع المرأة العربية
في حوارنا اليوم نستضيف الدكتورة خديجة حسن جاسم إبراهيم مديرة المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ومديرة تحرير مجلة دراسات اجتماعية التي تصدر عن قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة. بوصفها نموذجاً للنساء الرائدات في وطننا العربي سيدة عندما قرأت سيرتها الذاتية توقفت كثيرًا لأسأل نفسي: من أين أبدأ فقد حصلت ضيفتي على عديد من الجوائز والشهادات التقديرية والتي منها شهادة أفضل مئة شخصية مؤثرة في الوطن العربي لعام 2022 للإنجازات العلمية والبحثية والتطوعية، من مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، كما حصلت على وسام التميز وشهادة سفيرة النوايا الحسنة من المركز نفسه . إلى جانب مشاركتها في عديد من المؤتمرات العلمية، وشغلها عديد من المناصب القيادية على مدار حياتها العملية والتي منها: عضو الهيئة الاستشارية في مركز الرافدين للحوار، ناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، عضو المركز الدولي للتعليم وشؤون الجامعات، نسبت للعمل في مجلس محافظة بغداد مكتب رئيس المجلس / قسم البحث والتطوير، عضو في هيئة تحرير مجلة "باشن" العلمية المحكمة للدراسات الإنسانية" لعام 2023.
س- نود التعرف أكثر على الدكتور خديجة حسن من حيث المولد والنشأة.؟
ج: ولدت في مدينة بغداد في نهاية الستينيات من القرن العشرين، وتحديدا في جانب "الرصافة" بمنطقة "الأعظمية" لأسرة متوسطة ذات تقاليد محافظة، وفيها أكملت تعليمي الابتدائي والثانوي والجامعي .
س- ما أهم العوامل والظروف التي ساهمت في نجاحك المهني والأكاديمي؟
ج: تلعب الصفات الشخصية والتربية دورًا هامًا بمعنى القدرة على التأثير في الآخرين والإخلاص وتحري الدقة في إنجاز المهام التي توكل إليَّ، المرونة في التعامل مع الآخرين في محيط العمل، الصدق، سرعة البديهية في الاستجابة لمتطلبات العمل، باختصار لا أدع التعليمات والإجراءات البيروقراطية تقيدني انطلاقا من مبدأ أن ما أقوم به ليس بدافع مصلحة شخصية أو كسب مالي على حساب العمل أو المؤسسة لتأتي بعدها العوامل الأخرى الداعمة والمتمثلة بثقة الإدارة بعملي ودعمهم لما اقوم به من إجراءات، ويبقى تحقيق كل ذلك بتوفيق من الله تعالى.
س-هل كان هناك دعم خاص من الأسرة والمجتمع؟
ج: طبعا وجود الأسرة بحد ذاته يشعرك بالأمان والطمأنينة والاستقرار وهم في كثير من محطات حياتي كانوا داعمين لي لاسيما في مرحلة الدراسة، لكن أيضا رغم ذلك هم علموني الاعتماد على نفسي مع بقائهم سندا لي عند الحاجة، أما المجتمع فإن أغلب القوانين التي تخص مختلف المجالات الحياتية في المجتمع العراقي هي داعمة للمرأة، لكن .. من ينفذ هذه القوانين؟ الذي ينفذها هو الإنسان العراقي ذلك الإنسان الذي مازالت الثقافة البدوية هي التي تحكم عقليته وسلوكه، فضلا أنه في كثير من الأحيان لكي تصل إلى هدف معين رسمته لنفسك عليك أن تكون قريباً من مراكز اتخاذ القرار في السلطة الحاكمة كأن تكون عضواً في حزب من أحزاب السلطة الحاكمة أو أن تكون مستندا إلى أحد رموز السلطة وهذا الأمر صعب في كلتا الحالتين فالمجتمع في كثير من الأحيان يعيب على المرأة الانتماء للأحزاب وفي نفس الوقت يصعب عليها تسلم المناصب القيادية إذا لم تنتمِ ولكِ أن تتخيلي حجم التناقض الذي نعيشه.
س – ما الموقف الذي تتذكرينه إلى الآن ويعد علامة فارقة في حياتك المهنية؟
ج: قرار إكمال الدراسة، واحد من أهم القرارات المهنية، غير لي حياتي المهنية ونقلني من حال إلى حال آخر، مجال أوسع وأرحب في الحياة والعمل.
س: ما أبرز الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرتك المهنية؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
ج: هناك الكثير من الصعوبات وفي كل مرحلة من حياتي المهنية وفي كل مكان عملت فيه، لكن أبرز هذه الصعوبات والتحديات في كثير من الأحيان تتمثل في الغيرة والحسد والمنافسة غير الشرعية من زملاء العمل نساء ورجال وتفانيهم للأسف في وضع العراقيل أو اختلاق الأكاذيب أمام المسئولين، طبعا ردة فعلي تختلف حسب المرحلة العمرية، عندما كنت في بداية مسيرتي المهنية كنت أنهار بالبكاء عند مواجهة مثل هذه الحالات، لكن توالي الصدمات علمني التجاهل أو الانسحاب من محيط العمل المحبط أو الاستمرار في إدارة عملي ومواجهة التحديات لاسيما إذا كان العمل يقع ضمن دائرة اهتماماتي وشغفي.
س- ماذا تغير في شخصيتك بعد التحديات التي واجهتك في حياتك العملية؟
ج: تعلمت أن أكون قوية وفي نفس الوقت أكون مرنة في التعامل مع الآخرين وحسب متطلبات الموقف وجو العمل، تعلمت مسألة احتواء الآخرين بسلبياتهم ومحاولة تعديل سلوكهم وتطوير مهاراتهم، تجارب العمل على مدى سنوات علمتني الصلابة وأكسبتني مناعة نفسية واجتماعية وثقافية والحمد لله.
س- ما أهم الانجازات التي تفخرين بها؟
ج: بتوفيق من الله، كانت هناك الكثير من الإنجازات خلال مسيرتي المهنية والعلمية، كُرِّمت لأكثر من مرة من الحكومة المحلية لمدينة بغداد على دوري المهني وأيضا دوري في النهوض بقضايا المرأة، عملي في بيت الحكمة ونجاح أغلب الأنشطة التي أشرف عليها واعتماد مجلة دراسات اجتماعية لأغراض الترقية العلمية في العراق والوطن العربي وحصولها على معامل التأثير العربي تُعد واحدة من الإنجازات التي أفخر بها أيضاً، نشر بحوثي في أكثر من مجلة عالمية وتفاعل الباحثين الكبير مع البحوث ومخاطبة الكثير من المجلات العالمية لغرض الكتابة إليهم مسألة أخرى تدعوا للفخر، حصولي أيضا على شهادة أفضل مئة شخصية مؤثرة في الوطن العربي لعام ٢٠٢٢م للإنجازات العلمية والبحثية والتطوعية من مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاجتماعية، وحصولي على شهادة التميز وشهادة سفيرة النوايا الحسنة من المركز نفسه.
س- كيف تنظرين إلى دور المرأة العربية عامة والمرأة العراقية خاصة في المجالات البحثية والأكاديمية والمؤسسية؟ بمعنى آخر هل تتساوي قدرات المرأة مع قدرات الرجل في هذه المجالات؟
ج: والله لو أعطي للمرأة المجال الذي تستحقه في كل مجالات المجتمع لرأينا مجتمعا آخر، مجتمع متقدم ينعم بالاستقرار والرفاهية،إنَّ أغلب مشكلاتنا الاجتماعية ناتجة عن غياب العدالة الاجتماعية في الوصول إلى الموارد وصناعة القرار، للأسف مازال دور المرأة في العراق والمنطقة العربية دون المستوى المطلوب ولكن مع الأيام المقبلة نأمل في إحداث التغيير الاجتماعي لصالح بناء المجتمع بشكل سليم وتحقيق العدالة الاجتماعية لكل من المرأة والرجل.
س- حصلتِ علي جائزة وسام الإبداع العلمي من قبل اللجنة العلمية العليا في المنتدى العربي الإفريقي للتدريب والتنمية الذي عُقد في مصر / القاهرة حديثنا عن هذه الجائزة؟
ج: واحدة من ابرز اهتماماتي في مجال خدمة المجتمع والتطوير المهني بالنسبة لي أيضا هو اهتمامي بمجال التدريب وقضايا التنمية وقد قدمت في هذا المجال عدة أبحاث ودخلت مجموعة من الدورات التدريبية وأيضا ساهمت فيها كمدربة والحمد لله تم ترشيحي من قبل مؤسسة العراقة للتنمية والتدريب لغرض تمثيلها في المنتدى العربي الإفريقي للتدريب والتنمية الذي عقد في مصر – القاهرة بتاريخ ٢٤ / ٨ / ٢٠١٩ وحصلت على وسام الإبداع العلمي من اللجنة العلمية العليا للمنتدى، طبعاً كل الإنجازات التي حققتها في مسيرتي العلمية والمهنية يعود السبب فيها بعد التوفيق من الله، إلى الصدق والإخلاص والجدية في العمل وتحري ما هو جديد وغير مألوف وفي نفس الوقت مفيد للمجتمع
س- بصفتك مديراً إقليمياً للهيئة العليا للمرأة في العراق من عام 2018-2019م، ما أبرز النشاطات والمبادرات التي قمت بها لتعزيز دور المرأة وحقوقها؟
ج: هناك الكثير من النشاطات التي قمنا بها في هذا المجال، مثلا النشاطات التوعوية بشأن مختلف القضايا التي تخص المرأة من عقد الندوات والمحاضرات والورش والدورات التدريبية بشأن المجالات الصحية والقانونية والاجتماعية، أيضا إنشاء عيادات قانونية في أغلب المحافظات العراقية تتولى تقديم الاستشارات القانونية المجانية للمرأة، وتقديم المساعدات الإنسانية للأسر التي تترأسها النساء.
س- في رأيك ما المعوقات التي تعوق تقدم ونمو المرأة العربية؟
ج: تبقى الصورة النمطية السائدة عن المرأة وأدوارها التقليدية والنظر إليها كجسد فقط وأنها عورة من أبرز المعوقات التي تعوق حركة تقدم المرأة والعادات والتقاليد الاجتماعية البالية التي تحصر شرف العائلة بجسد المرأة فقط وبالتالي حصر قدرات وإمكانيات المرأة في مجالات محددة وأماكن محددة دون سعي لتطوير هذه المجالات للارتقاء بواقع المجتمع.
س- هل لديك نماذج أو قدوات نسائية كانت نموذجَ لكِ في مسيرتك المهنية؟
ج: كل امرأة ناجحة صغيرة أو كبيرة هي نموذج وقدوة لي، أنا أتعلم من الجميع لأنني أؤمن أن الإنسان طالما هو على قيد الحياة فهو دائم التعلم فإذا أراد الحياة فلابد له من مواصلة التعلم، لكن في نفس الوقت أنا أتعلم وقدوتي ليست من النساء وحدهن بل من الرجال أيضا من بنى نفسه اعتمادا على قدراته وإمكاناته ولم يستغل أحداً، الإنسان الناجح الذي لا يعاني عقدة المنصب أو عقدة الغيرة والحسد، هؤلاء هم قدوتي
س- ما أهم خططك وأعمالك المستقبلية؟
ج: في رأسي الكثير من الأفكار والمشروعات منها ما يتعلق بالجانب البحثي والعلمي ومنها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي وكلها لها ترتيب وجدولة حسب الأولوية، منها ما هو شخصي ومنها ما هو عام نسأل الله التوفيق
س- بمَ تنصحين المرأة العربية لتحقق النجاح والتميز؟
ج: مواصلة العمل والتعلم بجد وإخلاص ومواصلة النهوض بعد كل انكسار وترميم نفسك بنفسك، في النهاية المجتمع يحترم ويقدر القوي. ويعتمد عليه، لذلك كوني قوية وابحثي عن الأصالة في أعمالك واجعلي نفسك سندك بعد الله
- "في نهاية حواري أود أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان إلى الدكتورة خديجة حسن التي تُعد من أهم نماذج الريادة النسائية في المجتمع العربي على مشاركتها القيّمة خلال هذا الحوار الممتع.
***
الحلقة (1) من سلسلة نساء رائدات
حاورتها: د. آمال طرزان