حوارات عامة
احمد العراقي يحاور الناقد سعد الدغمان
صدرت له خمس كتب بالنقد ..
يكتب وفق أسس نظريته الخاصة التي يطلق عليها "المُفَرَغة" (تبسيط النص النقدي)
- سعد الدغمان: لا أحبذ الكتابة بطريقة المدارس القديمة للنقد
-النقد يتعالى على القراء، والحداثة لا تقف عند الشعر بل تتعداه إلى كل الفنون ومنها "النقد"
***
حين نخوض بالحديث عن النقد تترائ لنا أسماءً لامعة في سماء هذا الجنس الأدبي، استحوذت على الساحة النقدية طيلة العقود الماضية، لكن سمة الحياة التجدد، ولابد من ظهور اسماء وقواعد جديدة تطور و تجدد من أساليب العمل النقدي وتتماشى والواقع الجديد ومايفرضه من رتم سريع على مجمل الحياة وليس النقد وحده.
نحن نعيش اليوم عصر الحدث المتسارع في كل التفاصيل، وقد دخل التحديث كل مفاصل الحياة، فما الذي يمنع الآداب والفنون وصناعها من أن يعيشوا ويعايشوا هذا التحول في الكلمة والشكل والقالب والتوصيف.
وفق تلك التصورات، يدعو الناقد "سعد الدغمان" إلى اتباع نهج الحداثة الحقيقية الفعلية وتطبيقها على النتاج الأدبي عامة، ومنها النقد، لذلك دعى إلى نظريته المستحدثة في النقد والتي أطلق عليها "المُفَرَغة" (نظرية تبسيط النص النقدي)، وكتب فيها ما يقرب من خمسة اصدارات نقدية حول كبار الشعراء المجددين من رواد الحركة الستينة والسبعينية الشعرية من أمثال الأستاذ الشاعر حميد سعيد والشاعرة القديرة ساجدة الموسوي (نخلة العراق) و الشاعر القدير جواد الحطاب، والشاعرالمبدع مؤيد عبد القادر بالإضافة إلى الكثير من الشعراء الشباب والمجددين.
في حوارنا هذا سلطنا الضوء على اشتغالاته النقدية وموقفه من الحداثة، ورأيه في النقد عامة، وكتبه التي صدرت، ومشاريعه المستقبلية.. حوار شيق ذو شجون نقرأ تفاصليه في الآتي:
* أولا أنت صحفي، ما الذي دعاك لتخوض في النقد وبحوره المتلاطمة؟
-ا لصحافي شاعر وأديب وكاتب وناقد وذو خيال متسع خصب، والصحافي ناقد وناقم في نفس الوقت على كل ما هو مغاير للحقيقة مثقل على الناس متعب لهم يسرق منهم وقتهم دون مبرر ولايوفر لهم مساحة من الفهم السريع والتفاعل المباشر مع النص. وتلك هي الميزة التي دفعتني للثورة على ما متوفر من نقد أدبي أخذ فسحة الوقت والزمان من القارئ ليسيطر على المشهد الثقافي بموازين وقواعد أثقلت وما أفهمت، وخلقت تكتلات اختصت بها، ولم تعطي انطباعاً واسعاً لدى عموم القراء.
* كيف اثقلت وما أفهمت؟ ماذا قصدت بها؟
- قصدت أثقلت على القارئ، وما افهمت إلا طيفاً من شرائح القراء.
* وماذا ذنب طرائق النقد ومدارسه؟ وماذنب الناقد إن كان القارئ محدود الثقافة؟
- هو ليس بإتهام أو مأخذ على أحد، إنما هي رؤى تطرح وكل له رؤاه التي يعتقد بها ويرلا إنها الأصوب في المرحلة التي يطرحها. لذلك أكرر هو ليس اتهام لأحد أو جيل أو منهج أو مدرسة، إنما على كل ما ذكرت جيل ومدرسة ومنهج ......إلخ) أن يتماشى والمستوى الثقافي السائد وقت طرح المنتج الثقافي سواء أكان قصة، رواية، قصيدة، فلم، مسرحية، خاطرة، قصة قصيرة، وحتى الرسائل والملاحم، الأدب بصورة عامة لابد وأن يتماشى مع زمانه ومكانه، فالمنتج الثقافي يطرح لجمهور القراء بقصد التفاعل عبر ما يصل القارئ من نتاج مكتوب أو مسموع أو مرئي، فإن لم يتفاعل فذلك حكم الجمهور عليه بالموت.
والجمهور متنوع كل حسب رغباته، ولاحكم على الجمهور ولا على تفاعلاته، لذلك فالكاتب الذكي لابد له أن يحسن الاختيار فيما يكتب، ويحسن أختيار جمهوره، ولابد له أن ينزل لمستوى الجمهور الذي يكتب له، أو يصعد حيث يكون المستوى الثقافي لجمهوره. (فلا توجد من منطقة وسطى ما بين الجنة والنار) كما قال الراحل المبدع نزار قباني.
وهنا أجيبك سيدي على طرائق النقد ومدارسه باختصار شديد بالقول إنها كانت تنظر للنخبة من القراء، أو للأدباء فقط.وكلنا يذكر الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات، أو المجلات الثقافية المتخصصة، كان لها جمهورها الخاص، حتى البرامج التي يعرضها التلفزيون لكل برنامج جمهوره الخاص، وهذا ليس بعيب يلحق بالنقد أبداً على العكس من هذا المفهوم، وإنما هو عملية انتقاء للجمهور من قبل معدي ومنتجي تلك البرامج والصفحات، لذلك نرى تكرار الأسماء وثباتها على تلك الصفحات دون عن غيرها.
* لماذا "تبسيط النص "، ولماذ (النقدي)؟
- مساحة النقد واسعة، وانعطافته كثيرة، وقواعده متعددة، إلا أن من يكتبونه قلائل، وهذه القلة من أساتذتنا النقاد ملكوا السطوة على الساحة النقدية لعقود طويلة، وفرضوا أرائهم واساليبهم في الكتابة على المشهد النقدي بطريقة يصعب على النقاد الشباب اقتحام ذلك الهيكل الذي بنوه ورسموا مساراته وفق أصول المدارس النقدية القديمة، ولم يجددوا في تلك الأصول، وبقي ذلك المنحنى مغلق على تلك القواعد بمصطلحاتها المخيفة المغلقة محدودة التداول مابين جيل النقاد من الأساتذة، الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام لما قدموه من منجز نقدي طيلة العقود المنصرمة.
اليوم يطال التجديد كل مفاصل الحياة، فلما لايصل ذلك التجديد للحركة النقدية، سيما وأننا نعيش عصر التجديد الفكري والعقلي وحتى السلوكي والانفعالي، فهل يقف الموضوع على حركة تجديد النقد.وأرى أن النقد يتعالى على القراء، والحداثة لاتقف عند الشعر بل تتعداه إلى كل الفنون ومنها "النقد".
لذلك ارتأيت أن أختط أصول نظريتي "المُفَرَغة" (تبسيط النص النقدي) وأعمل عليها منفرداً لحد الآن، إلا من مناصرين قلائل من جيلنا (جيل الشياب المؤمل)، وربما الأيام القادمة ستتنشر دعوة التبسبط في النقد لتحدث "ثورة" على الساحة النقدية، فمن يدري.. ( قيل طريق الميل يبدأ بخطوة).
* ما هي أخر اصداراتك؟
- صدر لي مؤخراً عن دار الخليج للنشر والتوزيع (جماليات الصورة في شعر حميد سعيد) وهو عبارة عن دراسة نقدية في نتاج الرائد الشاعر القدير الأستاذ حميد سعيد والذي يعد وريثاً للشعر الحر ورواده الكبار، وكان اصداراً رائعاً جداً، ليس بما احتواه الكتاب مادة تعنى بالنقد لا طبعاً فمنهج النقد لايقوى على سبر أغوار قصيدة الكبير "حميد سعيد"، بل رائعاً لأنه أحتوى نصوص حميد سعيد. .
* وقبل ذلك الكتاب؟
- أول كتاب أصدرته وفق (نظرية تبسيط النص) كان خفايا النص ..قراءة في نصوص عراقية، كتاب احتوى العديد من النصوص النقدية لشعراء وكتاب كبار وأيضا شعراء شباب، تناولت سيرتهم وقصائدهم بالتحليل والدراسة.
لانقول أن الكتاب أخذ صداه، بل أحدث شرارة صغيرة في الوسط بين منتقد ومؤيد (لنظريتي)، (المُفَرَغْة)، (تبسيط النص)، يقول (نيتشة) الفيلسوف الألماني "ما لا يقتُلنا يجعلُنا أقوى".
أخر عمل تحت الطبع الآن حمل عنوان (النص والتشكيل الصوري ..قراءة نقدية في شعر جواد الحطاب)، وفي الطريق عمل أخر حول شاعرة عراقية من شعراء القمة... نتركها مفاجأة.
* لماذا (المفرغة)؟
- هي مفرغة من كل المصطلحات النقدية التي تشكل صعوبة على الفهم سواء، للقارئ العادي أو حتى العاملين في النقد بشكل العام، أي بأسلوب مغاير لما في الساحة من النقد، النقد غير الفلسفي، فالذي نقرأه اليوم على الساحة الثقافية يصنف في عداد اللامفهوم.
لذلك أطلقت علبها (المُفَرَغْة)، وهي علامة من علامات التبسيط في تناول النص، ويكفينا تعقيد في حياتنا، هذا ممنوع، وذاك مقدس، وهذا معالي... والمواطن الذي يريد العيش ببساطة فقط غير مقدس وليس له معالي، حتى في فهم النص بات تحزب وعصابات وفئات ونحل، لا والله لنبسط اانصوص والتعامل، ولا معالي إلا لمن يستحق المعالي المواطن والقارئ البسيط.
* ماذا تتوقع مساحة انتشار نظريتك (المُفَرَغْة)، وهل ستنجح ويعمل بها في النقد مستقبلاً؟
- أنا لا أعمل بالتوقعات، ولا بتخت الرمل (الودع) عند أهلنا في مصر وفلسطين، أنا طرحت فكراً تنويرياً مبسطاً يتناسب ومستوى المشهد الثقافي عامة، يتقبله المثقف البسيط ويتسامى مع فكر ذو الثقافة التي تفوق ثقافتي والمجتمع ربما، فكر لايتعالى على المتلقي بل يكون في متناول الجميع يفهمه حتى طالب المدرسة والعامل والفلاح وحتى ربات البيوت.
أما موضوع الإنتشار من عدمه لايعنيني أبداً، فأنا لست مطرب مواويل أو منلوج، أنا ناقد مبتدأ من الدرجة ما قبل الصفر، متواضع جداً وبسيط جداً مثل مفهوم نظريتي التي تتناول تبسيط النص النقدي، ولايهمني ما يقال أو ما يكون بعد ذلك.
شكر لك سيدي أتحت لي فرصة توضيح وجهة نظري، وتعريف القراء بما يجول بخاطري بخصوص نظريتي النقدية الجديدة، وشكراً للقراء الذين يتحملون أرائي التي هي في صالحهم أولاً وصالح المجتمع وتطور أساليب النقد والنقاش واتساع رقعته بدلاً مما هو من انحسار وسيطرة، شكراً للجميع.
***
حاوره : أحمد العراقي