اخترنا لكم
محمد البشاري: في الحاجة إلى الدين
لو تخيلنا حزمة من الاستعدادات الذهنية، وحقيبة غنية من المؤونة الأخلاقية، تُضاف إليها مسألةٌ مّا نابضة نشطة يحملها كل منا في صدره، تلح عليه مرةً تلو الأخرى بالسكون والطمأنينة الدينية.. نستطيع هنا أن نلخص معنى أن تكون إنساناً. وهذا لا يعد من قبيل الاختصار أو التهويل حول ما ذكر ولا التهوين مما لم يذكر، وإنما هو محاولة تفكيكية إيضاحية لجل ما تقوم عليه كينونة الوجود الآدمي، ما لم يتعكر بمنغصات أو انحرافات دخيلة. والاستعداد الذهني هو الهبة الربانية التي تعني قدرة الأفراد على التصرف والإدراك والاحساس من خلال سيالات عصبية بالغة الدقة، تتحد مع شتى الأعضاء البيولوجية من أجل الوصول لأدق منتوج سلوكي أو معرفي جديد.
أما فيما يتعلق بصمام القيم الذي يمثل الوجود السوي الأكثر نفعاً للإنسان، فهو يتأثر بنضوج تلك الحمولة القيمية، وينطلق من التأسيس الفطري لها، إذ ترفض الفطرة الإنسانية السوية والنقية كافةَ نقائض الأخلاق ومعكوساتها، ولو تجملت!
أما النزوع إلى الدين فهو ميل أو توجه روحي غير متقيد بالجسد، وإن كان الجسدُ أداةَ تحقيق الغايات الإنسانية عملياً.
والإمعان في تلك الأسس الثلا، أي العقل والقيم والدين، يتضح أنها تمثل «تركيبة» متجانسة تنتمي لها جلُّ النجاحات والإخفاقات في تاريخ المجتمع البشري، ولكل منها تسلسل وهيكلة لا يمكن عزلها عن الدين أو الحاجة إليه. فالعقل، وإن كان يرغب في إطلاق عنانه وإشباع جماحه الفائر، فإنه إن لم يهتد بالوحي انقلب من عقل مفكر رشيد إلى سلوك مدمر. وهنا تتجلى الأطروحات التي تحث على الاستزادة المعرفية وعلى التفكير والتفكر دونما شطط في استخدام العقل أو إهدار لطاقاته في ما يضر.
وعن القيم ومؤنساتها الأخلاقية التي تضيف البهجةَ والمعنى للحياة، فإنها وإن كانت عامة وفطرية وسابقة للدين فهي تظل قاصرة وبحاجة لما يتممها ويشحذ حوافها. وبالتالي فإن الدين حلقة وصل متينة تؤدي للتطوير والقوة والاستمرارية المبنية على أسس ثابتة صلبة.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن كل ما يجري تدارسه وتناقله، وإن عُدَّ متفرداً أو أصيلاً، فلا بد من الإشارة لانتمائه وإلى ما هو أساسي في تكوينه وترعرعه، من مرجعية تاريخية ودينية واجتماعية وثقافية، وبالتالي تظل هناك آفاق طولها كطول أشعة الشمس، ممتدة كثيرة العطاء، دافئة ومهمة.. لكن انكسارها على الأجسام، أو تبدل قوتها وشكلها لا يمثل حقيقتها المطلقة، ولا يعني صيغتها الأخيرة. وبالتالي علينا دائماً الإصغاء للصورة الفلسفية الأولى، من دون تردد في مد البصر لما يختبئ وراءها، وما دفع بها لتطفو على السطح.
***
د. محمد البشاري
عن صحيفة الاتحاد الاماراتية، يوم: 3 ابريل 2024