اخترنا لكم
من أين يأتي الإبداع؟
ومن طرائف التراث العربي، أن أعرابياً ادّعى النبوة فأخذته الشرطة إلى الوالي الذي سأله مستهزئاً: إلى من بُعثت يا هذا؟ فقال له الأعرابي: أو تركتموني أُبعث يا مولاي؟ بُعثت في البارحة، وأخذتني شرطتك في الصباح!
يكثر الحديث عن عدم وجود إبداع عربي، أو مبدعين عرب. والسؤال: كيف يمكن للإبداع أن يظهر وينتعش في ظل مناخ الحريات المكبوتة؟ تضع السلطة القوانين المقيدة للحريات، وتضع للمبدعين القيود والخطوط الحمراء، ثم بعد كل هذا القهر، يطالبونهم بالإبداع! متى رأيتم إبداعاً مشروطاً؟ ولو حاول أحد المبدعين أن ينشر رواية أو يرسم لوحة تتعارض مع هذه القوانين، فما يمهلونه حتى يستمتع بما أبدع، حيث يجد نفسه مطلوباً للنيابة العامة سواء تمت إحالته من وزارة الإعلام، أو قيام أحد متطرفي التيار الديني بالتبليغ عنه لدى النيابة العامة بتهمة الإساءة للدين أو الآداب العامة!
للإبداع شرط رئيسي واحد لا تستوعبه بعض الأدمغة العربية الإسلامية، ألا وهو: الحرية أولاً وأخيراً. وحين أقول الحرية، أقصد الحرية المطلقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. وحتى أقطع الطريق على المغرضين والأغبياء وإرهابيي الجماعات الدينية؛ لأنهم من صنف واحد، لا بد أن أشرح معنى "الحرية المطلقة"، فتراثنا الإسلامي يخلو تماماً من هذا المصطلح. الحرية التي لا تؤذي حين ممارستها، الآخرين أذى ماديّاً واضحاً، سواء بالقذف أو السب والشتم، هي تلك التي يجب أن تكون مطلقة. وبتعبير أوضح، أن الحرية المطلقة إنما تكون في الموضوعات الفكرية النظرية أو المادية. ويجب أن تُترك العلاقة بين المبدع الممارس لحريته لمدى تقبّل الناس لما أبدعه، دون تدخل في طبيعة هذا الإبداع، ومن لا يعجبه الموضوع فما عليه سوى تجاهله. لكن لا يحق لأحد أو للحكومة تقييد هذه الحرية.
وللمزيد من الوضوح أقول، إن ادعاء المساس بالدين أو الآداب العامة أو العادات والتقاليد، إنما هو ادعاء لا يقوم غالبا على أسس منطقية أو عقلية ثابتة. ولم يعط الله سبحانه الحق لأحد بأن يكون مسيطراً ومهيمناً على الآخرين فيما يقولونه أو يكتبونه أو يفعلونه. للجميع الحق في نفس الممارسة بالرد بالكلمة والصورة. وبالتالي، تتم مواجهة الحرية بالحرية المقابلة للخصوم الذين يحق لهم الرد. لكن حين تضع الدولة ومعها المتخلفون من الأفراد قيوداً على المبدعين، ثم بعد ذلك يطالبونهم بالإبداع! فهذا وضع لا يستحق من يمارسه، الاحترام.
إن المجتمع الرافض للإبداع، والدولة الاستبدادية، لا يحق لهما مطالبة المبدعين بتقديم ما لديهم. وليعلموا أن الإبداع مستوى إنساني للفكر لا يستطيع الإنسان أن يقاومه أو أن يلغيه، مهما كانت قوة الدولة المستبدة أو المجتمع المستبد. ولقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية تقييد العقل الإنساني الأوروبي، فكان نصيبها الفشل. والعالم العربي لا يمكن أن يقف في وجه التاريخ والتقدم. وها هو عالم "الإنترنت" على سبيل المثال يسارع في القضاء على الرقابة الإعلامية الجائرة لما يكتبه المفكرون والناس عموماً، وها هي الحرية تتسع وتتسع بما يؤذي الأنظمة الاستبدادية. وسيأتي اليوم الذي يُقضى فيه على هذا الاستبداد. صحيح أن الفضل سيعود للفكر الغربي الخارجي، لكن عالمنا العربي لا يخلو أيضاً من أولئك القابضين على جمر الإبداع. وستكتشف الأنظمة العربية ومعها المجتمع العربي وهم الاعتماد على القوى التي لم يحدث يوماً أنها بنت حضارة أو حققت تقدماً للإنسانية.
الاتحاد الاماراتية