كتب واصدارات
تحليل السرد الأدبي في ضوء المناهج النقدية المُعاصرة
عن منشورات مؤسسة دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع بعمّان في المملكة الأردنية، صدر كتاب جديد للباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة ؛ الأستاذ بكلية الآداب واللُّغات بجامعة عنابة، خلال هذه السنة: 2023م، بعنوان: « تحليل السرد الأدبي في ضوء المناهج النقدية المُعاصرة»، وقد ضم الكتاب مجموعة من المباحث والدراسات، التي تتصل بتحليل الخطاب السردي، حيث حلّل في مبحث مستقل قصة عروس الجبال للأديب رابح خدوسي، وهي قصة مُوّجهة إلى الأطفال، وقد خرج من خلال تحليله بجملة من الملاحظات، من بينها:
- ما يلفت النّظر في قصّة «عروس الجبال» هوّ ذلك التّضاد الماثل في الشّخصية المحوريّة الرئيسة (أهمامة) ومع من يتمّ معه العرس الشّيخ (بوراك)؛ إذ مثّلت الشّخصيّة الأولى دلالات الوقار، والجمال، والهدوء، واقتربت من المثاليّة، في حين شكّلت الشّخصية الثّانية صورة الكبر، والسّخرية، والجشع؛ وهنا تظهر المفارقة في اجتماع الضدين.
- تميّز الأديب رابح خدوسي برُقي وصفه، ودقته التي وصلت إلى درجة فنّية عاليّة، وبدت لغة المؤلّف الفصحى سهلة، وبسيطة، وابتعدت عن الغرابة، والتعقيد.
- لقد بدت شخصيّة (أهمامة) في قصّة «عروس الجبال» القيّمة المهيمنة الأساسيّة، والعنصر الرّئيس من خلال سيّاق البنية السّيميائية المنبعثة من مواقع تطوّر أحداث القصّة، وبحثا عن المغزى الدّلالي لهذه الشّخصية؛ نجدها شخصيّة باعثة للجمال في النّص السّردي، من خلال تجلّياتها الطّافحة في فضاء النّص، وتماهيها مع الطبيعة السّاحرة.
- وظّف المؤلّف في قصّة «عروس الجبال» مجموعة من تقنيّات السّرد، ومن أبرزها: الاستباق، والاسترجاع، والمشهد، والإجمال، والحذف، كما عمد إلى خلق حالة من التّنويع بين الوصف والسّرد والحوار، ويبدو أن غرضه من هذا الأمر إثراء طرائق الحكي، وجذب انتباه الطّفل القارئ إلى العمل القصصي، وقد كشفت الدّراسة في قراءتها السّيميائية عن تداخل خطابات عدّة في هذا النّص السّردي من أبرزها: الاجتماعي، والنّفسي، والخلقي، والديني، وغيرها....
- يقوم فنّ السّرد في قصّة «عرُوس الجبال» على تضمين حكاية داخل حكاية أخرى، بوساطة قنوات نقل الخبر، أو الاسترجاع، الذي يُراد به إيقاف عمليّة القص، والرّجوع إلى الوراء لاستحضار أحداث مُنصرمة وقعت في الماضي، تفصلنا عنها مسافات قد تقصر، أو تطول، وقد استلهم الكاتب في بعض محطات القصّة أسلوب السّرد العربي القديم باستدعائه أساليب القدماء في الحكي.
- نوّع الأديب رابح خدوسي في الأشكال الأساسيّة للحركة السرديّة، وهذا ما يندرج في إطار ما يُعرف باسم: (الديمومة)، والتي تعني دراسة الصّلة القائمة بين الحيّز الذي تستغرقه الأحداث في الحكاية - أي في زمن الخبر - والحيّز الذي تمتد عليه في النّص - أي في زمن الخطاب - .
- إنّ القارئ لقصّة: (عروس الجبال)، سيكتشف جملة من الأجواء التي تُبرز واقع القرية الجزائريّة البسيطة، ومن خلال أحداث القصّة ووقائعها، نلمس خضوعها لثنائيّات عديدة، وقد مكّنت تلك الثّنائيات - التي قمنا بذكرها في صلب البحث - الأديب رابح خدوسي من رصد ما يدور من عوالم في فضاء القرية الجزائريّة التي تدور فيها أحداث القصّة، ونقصد بذلك الحيز المكاني، فليس لأحد أن يشكّ في أنّ القصّة لا يُكتب لها النّجاح، إلاّ إذا أحسن الكاتب انتقاء الحيز المكاني، وهو القرية في قصّة (عروس الجبال)، التي تجري على ركحها الأحداث، والوقائع، والتّحولات، وتتحرك في فضاءاتها الشّخصيات المتباينة، ومن ثمّ فالمكان يقتضي، ويفرض علينا ضرورة أخذه بعين الاعتبار، فهو يؤثّر، ويتأثّر، ويتفاعل مع شخصيّات القصة، وأفكارها، كما يُحدث احتكاكاً، وتفاعلاً مع الكاتب نفسه.
وتوقف الأستاذ الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مبحث مستقل مع توظيف النقد الثقافي في تحليل الخطاب الروائي، ومن بين ما ورد في استهلال الكتاب: « إن هذا الكتاب، يهدف بصفة عامة إلى تقديم تصورات معرفية منطقية وواضحة لبعض جوانب السرد الأدبي من خلال تحليل الخطاب السردي الروائي والقصصي، وهناك تعريفات كثيرة قدمتها في هذا الكتاب حاولت الجمع فيها بين التراث والمعاصرة، من إجل إبراز رؤى وتصورات معرفية تُمكن القارئ من استجلاء بعض المعطيات والحقائق العلمية التي يثيرها هذا النشاط المعرفي، والتخصص العلمي الحديث، ولتحقيق هذه الأهداف، فقد قسمت الكتاب إلى ثلاثة مباحث هذا، وأملي أن أكون قد وفقت في لفت الانتباه، والتحسيس بأهمية هذا الموضوع المتصل بقضايا معرفية، ومنهجية تتصل بتحليل السرد الأدبي، وآمل أنني قد نجحت في جعل القارئ مدركاً للإطار العام لقضايا السرد الأدبي، والله ولي التوفيق».
***