كتب واصدارات
الصحافة اليهودية في العراق (1863-1945م)
يعتبر يهود العراق من أقدم الطوائف الدينية التي كانت متواجدة فيه، حيث يرجع تأريخ وجودهم إلى أكثر من 26 قرناً خَلَّت، واستطاعوا رغم مناخ العراق وتقلبات الظروف وترادف الغزوات والحروب أن يتشبثوا بترابه إلى وقتٍ متأخر. حتى أنهم شكلوا في أواسط القرن التاسع عشر نصف سكان بغداد، وتمتعوا دائماً بمكانة اجتماعية مرموقة، وأمسوا يشكلون الدالة الاجتماعية المتبغددة المترفة، ويجسدون روح وذوق بغداد الفني والجمالي.
وجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن اليهود تواجدوا في كل المدن العراقية وشكلّوا جزءاً منسجماً في سياق الحياة الاجتماعية لها، فكانت البصرة تضم إلى صدرها الرحب المتسامح بالفطرة أعداداً غفيرة ترد بالمرتبة الثانية بعد بغداد، والحال سيّان مع مدائن الموصل وكركوك وتكريت والعمارة والناصرية والحلة والديوانية ولا سيما الكفل، وكما أنهم شكلّوا حتى عام 1951م حوالي ربع سكان مدينة سامراء، وما زال حيَّهم وكنيسَّهم يقبع في غرب المدينة على بعد خطوات من روضة الإمامين العسكريين.
وفي أيامنا الحالية يعيش في العراق أقل من ستة أفراد، بعضهم يعيشون قرب كنيس طويق في بغداد وأغلبهم من المسنين، وبتاريخ 10/8/2008م رحلت الدكتورة فيوليت شاؤول طويق ودفنت في مقبرة الحبيبية على أطراف مدينة الثورة في بغداد، وكانت الدكتورة مديرة مستشفى الواسطي في بغداد. وبتاريخ 27 آذار 2021 توفى طبيب وجراح العظام المعروف ظافر فؤاد إلياهو الذي لقب بـطبيب الفقراء، وكان يعمل أيضاً في نفس المستشفى، وهو واحد من آخر اليهود العراقيين الذين ما زالوا يقيمون في بلادهم، ودفن في مقبرة الحبيبية أيضاً، بعد وفاته عن عمر ناهز 62 عاماً. وكان إلياهو قد رفض عروضاً للهجرة خارج العراق على مر السنين، وفضّل البقاء في بلاده.
ولقد استرعى انتباهنا أنه على الرغم من اهتمام العرب خلال الحقبة الماضية بالدراسات التي تتعلق بإسرائيل واليهودية والصهيونية العالمية، إلا أنهم لم يوجهوا اهتمامهم نحو دراسة الصحافة اليهودية ودورها في إيقاظ النشاط الصهيوني في العراق، بل أن المثير للدهشة أن معظم المثقفين العراقيين الذين عاصروا اليهود اثناء وجودهم في العراق قبل حرب 1948م لا يعلمون شيئاً عن طبيعة تلك الصحافة، بل أن بعضهم أبدى اندهاشه عندما علموا أنه كانت تصدر في العراق صحفاً لليهود وكان بعضها يدعو للصهيونية، وإزاء ذلك عقدت العزم على دراسة صحفهم ومجلاتهم ومطابعهم أملاً في أن أسهم بنصيب في خدمة بلادي، وفي أثراء المكتبة العربية بكتاب في أشد الحاجة إليه، ليلقى مزيداً من الضوء على بعض الجوانب المجهولة من تاريخنا مما قد يكون مفيداً لنا في مسيرتنا القادمة.
وقد خضعت الصحافة اليهودية أسوتاً بالصحافة العراقية عامة وكل العاملين فيها طيلة الحكم العثماني وأبان الاحتلال البريطاني للعراق والعهد الملكي لمشيئة السلطات الحاكمة المستبدة. ولم يكن هناك صحيفة واحدة تستطيع التعبير بصدق عن حوائج الناس ولو ظاهرياً، فانعدمت اهميتها في وقت حتّمت عليها التطورات السياسية ونمو الحركة الوطنية الاستقلالية واتساعها وأن تلعب دورها التأريخي في هذا المجال.
ولم تنل الصحافة اليهودية العراقية العناية الكافية في الدراسات التي تناولتها الجامعات والمراكز البحثية العراقية، بالرغم من أنها تشمل مسيرة هذا التاريخ منذُ أن بدأ اليهود العراقيون في احتراف الصحافة بكل أنواعها، فمن الضروري أن نتذكر تاريخ الصحافة اليهودية في العراق ودورها في دعم الجانب السياسي والاقتصادي والأدبي، إلا أن بعض الصحفيين استغلوها لدعم النشاط الصهيوني ومنظماته في العراق، ولم أجد من خلال متابعتي إلا كتاباً يتيماً عن تاريخ الصحافة اليهودية في العراق للدكتور عصام جمعة أحمد المعاضيدي المعاضيدي الصادر عام 2001م.
إن الغاية من هذه الدراسة هي تبيان المراحل المختلفة التي مرت بها الصحافة اليهودية في العراق ضمن واقعها السياسي والفكري والفني. وتبيان التقدم الذي احرزته إلى حد ما في أطارها وفق الفترات الزمنية مع بعض المآخذ عليها والحلول لتلك المآخذ على النطاق الفني والفكري. فالدراسة المتعلقة بالصحافة اليهودية العراقية تتحدد بمولدها منذ عام 1863م ثم تطورها وتقدمها حتى تاريخ افولها، وتدخل فيها العناصر التأريخية المحددة، والعناصر المادية الملموسة.
إن المصادر التي اعتمدتها في هذه الدراسة هي مصادر رئيسية وثانوية. وأقصد بالمصادر الرئيسية الشخصيات الصحفية القدامى من الطائفة اليهودية الذين يعتبرون ثقة في الموضوع الذي نحن بصددة. ومن ناحية أخرى، فأن المصادر الثانوية تتألف من مجموعات الكتب التأريخية والصحف اليهودية العراقية. وقد احتوى الكتاب على مقدمة وثلاثة فصول، تضمن الفصل الأول أوضاع اليهود في العراق، أما الفصل الثاني فقد كُسِرَ بنشأة الصحافة اليهودية وتطورها، والفصل الثالث سلط الضوء على أعلام الصحافة العراقية من اليهود.
وقد صدر الكتاب عن دار الفرات في بابل
***
نبيل عبد الأمير الربيعي
الحلة 1/10/2022