مقاربات فنية وحضارية
علاء اللامي: دولة نرام سين "حبيب إله القمر" ووحدة بلاد وادي الرافدين القديمة
الملك الأكدي الجزيري هو حفيد مؤسس المملكة الأكدية سرجون الأكدي وقد قضى فترة حكمه مشتبكا في حروب ضارية ففي الجنوب قضى على غزوات العيلاميين وغاراتهم على جنوب بلاد الرافدين، وشمالا اجتاح مملكة مدينة ماري في سوريا المعاصرة ودمرها، وهاجم مملكة مدينة ماجان في سلطنة عمان اليوم، وهاجم قبائل الـ «لولوبي» بزعامة ملكهم «انوبانيني» وهم قبائل رحل انطلقوا من إيران ما قبل الآرية أي في الأف الثالث ق.م، وفي الشمال تقدم حتى أوركيش ومحيطها التي استولى عليها الحوريون في تركيا المعاصرة. وقد بنى نارام سين قصراً محصناً له في تل براك عند نهر الخابور في سوريا المعاصرة. وترك أنصابا وتماثيل له في العديد من هذه البلدان.
أولاد نرام سين وبناته:
1-الأمير شار- كالي- شارّيو الذي أصبح خليفته وملك أكد من بعده.
2- الأمير ليبيتيلي والي على ولاية "ماراد". وتسمى حاليا بتل وناط السدوم، وتقع على الجانب الغربي لنهر الفرات غرب مدينة نيبور "نُفَّر" وتبعد عن كيش 50 كلم جنوبا. كانت هذه المدينة تحتوي على زقورة أي-اغي-كالاما لعبادة الالهة نينورتا الهة الأرض، وكانت تابعة لحكم الأكديين.
3-الأميرة تارأم أكاده حاكمة ولاية أوركيش تعرف اليوم بتل موزان في حوض الخابور الأعلى على الضفة اليمنى لنهر الخابور، على بعد ما يقارب 7كم إلى الشرق من ناحية عامودا وهو بذلك لا يقع على مسافة بعيدة عن الحدود السورية- التركية. ويقول بعض الباحثين ان نرام سين زوج ابتنه هذه لحاكم أوركيش ثم أصبحت هي حاكمة الولاية أو الإمارة التابعة للدولة الأكدية.
4- الأميرة إن- مِن- انا، الكاهنة العليا لمعبد سين في أور.
5- الأميرة توتا- نابشوم، كاهنة في نيبور.
6- الأميرة سومشاني الكاهنة العليا بمعبد شمش في سيبار.
* إن حكم الملك الرافداني نرام سين يعطينا مثالا على صعوبة تجربة توحيد بلاد وادي الرافدين أو "أرض المابين - مات بريتم"، نظرا للواقع الجيوسياسي والسكاني والطوبوغرافي المحيط بالوادي حيث تعيش في الجبال شماله وشرقه شعوب بدائية جبلية عنيفة كانت تهبط من جبالها لتخرب ما بناه وعمره أبناء السهول والوادي، ولكن وحدة هذا الواحدة تكرست في عدة عهود ومنها عهد نرام سين وآخرين غيره، وتحولت الى إمبراطورية بلغت ضفاف النيل غربا وسلسلة جبال زاغاروس شرقا والأناصول شمالا وعمان جنوبا وكل هذا يبقى ملكا لسجلات التاريخ والجغرافيا السياسية للعهود القديمة، فكيف يعقل والحالة هذه أن يجعل بعض المعاصرين في زماننا وادي الرافدين أو حتى الجزء العراقي المعاصر منه جزءا من إقليم يحمل اسما مستوحىً من إحدى الدول التي قامت في هذا الوادي هو "أسوريا/ سوريا"؟
* معلومة مفيدة: يخلط بعض الأصدقاء بين ثلاثة ملوك يحملون اسم سرجون وبعضهم يعتبر سرجو الأكدي وهو الأقدم يعتبره سرجون الول وهذا غير دقيق؛ في حضارة بلاد الرافدين ثمة ثلاثة ملوك قدماء يحملون اسم سرجون هم على التوالي التأريخي:
* سرجون الأكدي (شارو كينو) (الملك الأسد) مؤسس الإمبراطورية الأكدية وأول أباطرتها. حكم منذ عام 2334 حتى 2284 ق.م. من عاصمته الجديدة أكد، التي تقع في الضفة اليسرى لنهر الفرات بالقرب من كيش. وحفيده نرام سين "حبيب إله القمر" لا يقل عنه شهرة.
* سرجون الأول هو ملك آشور من سنة 1920 حتى سنة 1881 ق م.
* سرجون الثاني ملك آشور من 722 - 705 ق.م. وهو ابن تغلث فلاسر (تجلات بلاصر) الثالث وخليفة أخيه شلمنصر الخامس.
-علما أن الآشوريين والأكديين أبناء عمومة من الناحية السلالية فاللغة الأكدية ذات لهجتين جنوبية هي اللهجة الأكدية البابلية وشمالية هي الآشورية.
* الصورة مسلة انتصار نارام سين باللون الوردي: وهي عمل نحتي نافر بارتفاع مترين موجودة في متحف اللوفر بباريس، تصور نارم سين برداء قصير وصدر عاري، معتمراً بتاج الألوهة ذو القرون، يهاجم مجموعات من شعب «لولوبي» من شعوب جبال زاغاروس، وهو يحمل قوساً وعصا، ويحمل بيمينه سهم. لقد كانت هذه المسلة منصوبة أساساً في سيبار كما يبين النص عليها، إلا أنها كشفت في إحدى حملات التنقيب عام 1889 م في "سوسة" في إقليم عيلام جنوب إيران، ويرد في النص المعزو للملك العيلامي «شوتروك- ناهونته» الثاني (1185- 1155 ق.م) حملته على بابل (1158 ق.م) ويصف تدميره لمدينة سيبار ونقله مسلة نارم سين ليقدمها للإله «ينشوشيناك» كما أن النص الأصلي الأكدي مشوه ومتضرر، أغلب الظن من قبل العيلاميين..
بناء على الصور المنشورة في الموسوعة الحرة ويكيبيديا، يبدو أن هناك نسخة أخرى من هذه المسلة وليست مسلة أخرى كما يبدو لأنها بذات التفاصيل الدقيقة مع اختلاف لون الحجر وقالت الموسوعة إن هذه المسلة وجدت في «بير حسيني» بالقرب من ديار بكر في تركيا المعاصرة. وهناك مسلة أخرى ومختلفة في التفاصيل لنرام سين من النحت النافر الموجود على صخرة في دربندي كاور في محافظة السليمانية شمال شرق العراق.
أي أن هناك مسلة بنسختين؛ الأولى وجدت في سوسة في إيران نقلت إليها من سيبار في العراق وهي المعروضة الآن في متحف اللوفر بباريس، والثانية في تركيا هي نسخة "بير حسيني" ولم أجد عنها معلومات إضافية وثالثة في السليمانية وهي مختلفة التفاصيل ويظهر فيها نرام سين بعمامة لا بقرنين إلهيين.
***
علاء اللامي