مقاربات فنية وحضارية
ثنائيات تشكيلية بين بسام الحجلي وربا قرقوط
خطوط ا لتلاقي والاختلاف
كانت الفرصة سانحة لأتشرف بتلبية دعوة كنت أسعى لها لمرسم الفنان بسام الحجلي والسيدة ربا قرقوط والحقيقة أني كنت ولازلت حريصا خلال فترات و جودي المتباعدة والقصيرة في العاصمة دمشق على حضور غالبية النشاطات المترامية في مدينة متناثرة الأرجاءطالما توفر الوقت الكافي لهذا.. امتدت اجتماعاتنا في الاتحاد لتقترب منضوئها والمغيب ولأختم يومي الحافل هذاباستراحة قصيرة في إحدى حدائق الجمالالمتعددة والمتباعدة.. كان المعرض في ثقافي المزة لفنانين شباب.. ضم المعرض تجارب متفاوتة من حيث النضج والمستوى.. إذ كان التوجه لدى بعض المنظمين لمعارض مزدحمة بالمشاركات تفرضها الرغبة في توسيع دائرة المهتمين.
كان علي المرور سريعا لأقف عند بعض الأعمال التي لفتتني ومن بينهاعمل كانت تشع فيه ملامح الخبرة التقنية التي تفوح بحس انطباعي حداثي وبنفس يتوسط عوالم الذات المفعمة بالغموض ويستند لرؤى أكثر وضوحا وإخلاصا للواقعية شكلا وللتعبيرية الانطباعية لوناً ومضموناوهو عمل الفنانة ربا قرقوط.
كانت تلك البداية لأتعرف عليها ومن خلالها عن قرب على الفنان الجميل والكريم بعطاءه بسام الحجليولألبي دعوتهم لصالتيهم المتجاورتين في إحدى حواري جرمانا المدينة القريبة عبر فنانيها وحضورهم والبعيدة نسبيا عن قلب العاصمة.
مع تلك السهرة الجميلة أبدأ مع الحجلي الذي استرسل وباح بمكنوناته وبتفاصيل كثيرة توجت خبرته وحياته لأقول.. ما بينه وبين لوحته فرشاة تستقصي عوالم الذات لتتحرك بعبثية معجونة بألوان االفرح والحزن والكآبة والحياة وهي طريقه وطريقته لمحاكاة مشاعره اللحظية وترجمتها بمنتهى المصداقية والحرية فهو لا يؤطر لوحته بشكل يمكن ان يكرره أو يعيده إذ أن أشكاله تولد تلقائيا لا قرار مسبق و لا منطق يحكمها ويحكمه اللوحة متنفس ومكان لقول مالا يمكن أن تترجمه الكلمات هي صرخته وشفرتها أسرار مكبوتة في تجربته الحياتية والغنية وهذا مفهوم متطور حول ماهية العمل التشكيلي والغاية منه فمن بواعث محاكاة الذات بحس جمالي يعطي القيمة للمشاعر اللحظية تولد المصداقية وتتأكد تلك السمة الخاصة للفنان التي تكشف عن جوانب فرادته بقدر ما تصقله الثقافة والخبرة والتجارب الحياتية في شخصه وشخصيته ليتجدد معها موقفه ورأيه في الحياة فتلك التجارب المريرة هي ليست سوى غذاء للروح تصقلها لتبحث تلك الأخيرة عن ملاذها في عمل كامل متكامل هو أشبه بالعبادة وتلك هي الحال في أعمال الحجلي فهي نتاج طقوس خاصة تؤكد أن الطريق والطريقة أهم من الوصول وهذا ما يجعل من العمل متكاملا في كل لحظة من لحظات الانجاز وهو يكمن سحر الفن والإعجاز
قد يكون لبعض من التأثر والتأثير دلالته التي تشيرلفنان خبير كونه يربط الفن بسلسلة متصلة ومتواصلة بحس تصاعدي. فبقدر خطوط التلاقي بين الحجلي وشريكته في الفن والحياة ربى قرقوط هناك خصوصية وفرادة لكل منهما تنحى عند الحجلي باتجاه التعبيرية والتجريد.
بينما تغرد في الوسط ما بين وبين في أعمال ربا قرقوط إذ تسعى لضبط انفعالاتها مرتكزة لرؤى واقعية دون أن أن يكون لها أي تأثير على خياراتها اللونية فتقودها سمفونية اللون لتزاوج بسلاسة مابين خبرة الطبيعة والبحر وعوالم الذات وتضبط تغريدتها هذه بمساحات ترسم حدود الشكل وعبر ظلال توشح مبرزة الملامح بعيدا عن المبالغات والتحويراتوتتجلى قدرتها في سلاسة الربط هذه بين عالمين غير منفصلين تشبع من خلالهما تطلعاتها من جهة وتجد عبرهما طريقها لقلب المتلقي وفكره من الجهة الأخرى في أعمال قرقوط يبدو البورتريه ركيزتها الأساسية كموضوع وهو يعكس لاحة السحنة الإفريقية المشتقة من الأسود المخمر بحمرة خجولة تلخص خياراتها اللونية بلونين يتكاملان ضمن إطار عملها حين تتعامل مع لون أساسي وآخر مكمل فتنجز عملها من الأول ومشتقاته وتضيء عبر الآخر في الخلفية وهذا ما يجعل من رؤاها أكثر وضوحا وصفاءً.
في أعمال قرقوط تجد من كل بستان زهرة وتلك الزهور المجموعة معالجة بيد فنانة خبيرة إذ لا يمكن لها أن تعيش سويا سوى في بستانها الخاص وهو السر وجودها ووجوهها التي تميل لصخب البحر حينا ولسكون البادية أحيان ومابين البادية البحر تلوح منحنيات وخطوط زخرفية بحس أكثر رومانسية لتجمع لوحتها ما بين مدارس الفن ولتضيف لمفهوم الفن وماهيته ما يضمن استمراره وصلاحيته
***
الفنان والباحث التشكيلي حسين صقور (الفينيق)