أقلام حرة

خليل الحلي: علم الصابئة المندائيين في النجوم والكواكب

الجذور السومرية، البعد المعرفي، والتفسير الديني

يُعدّ علم الفلك من أقدم العلوم التي ارتبطت بنشأة الحضارات الإنسانية، وقد شكّل ركيزة معرفية أساسية في حضارات وادي الرافدين، ولا سيما الحضارة السومرية. هذا الإرث العلمي لم ينقطع بانقطاع الدول، بل انتقل وتوارثته جماعات دينية وثقافية، كان من أبرزها الصابئة المندائيون، الذين حافظوا على معرفة دقيقة بحركة النجوم والكواكب، وربطوها بنظام كوني وروحي قائم على التوحيد وفهم قوانين الخلق، لا عبادتها.

الجذور السومرية لعلم الفلك

السومريون من أوائل من:

راقبوا حركة الأجرام السماوية بشكل منهجي.

وضعوا تقاويم فلكية وزراعية

ربطوا بين حركة الكواكب وتنظيم الزمن والطقوس.

استخدموا الحسابات الفلكية لتحديد الفصول والفيضانات.

لقد كانت مراقبة السماء عند السومريين عملاً علمياً ومعرفياً لا شعائرياً فقط، وهو ما شكّل الأساس الذي انتقل لاحقاً إلى المندائيين، ليس بالجينات وحدها، بل بالثقافة المتراكمة والمعرفة المتوارثة.

ورث الصابئة المندائيون هذا الإرث الفلكي، وطوّروه ضمن رؤيتهم الدينية والفلسفية الخاصة، حيث:

اهتموا بدراسة حركة النجوم و (الكواكب) وتأثيرها الزمني، لا التعبدي.

استخدموا المعرفة الفلكية في تنظيم الطقوس الدينية وتحديد الأزمنة المقدسة.

ميّزوا بوضوح بين العلم بالمخلوق وعبادة الخالق.

في النصوص المندائية، تُفهم الأجرام السماوية على أنها علامات كونية تدل على النظام الإلهي، وليست آلهة أو موضوع عبادة.

من أكثر المغالطات شيوعاً وصف الصابئة المندائيين بـ”عبدة النجوم”، وهي تهمة ناتجة عن:

جهل بالفرق بين المعرفة الفلكية والعبادة.

خلط بين الرمز الكوني والمعتقد الديني.

قراءة سطحية للنصوص أو الممارسات الطقسية.

الصابئة المندائيون:

يؤمنون بإله واحد أحد، خالق السماء والأرض.

يرفضون عبادة أي مخلوق، بما في ذلك النجوم والكواكب.

ينظرون إلى السماء باعتبارها نظاماً إلهياً دقيقاً يدل على عظمة الخالق.

وعليه، فإن وصفهم بعبدة النجوم لا يستند إلى أساس علمي أو ديني، بل هو إسقاط ثقافي خاطئ.

تميّز الصابئة المندائيون عبر التاريخ بـ:

دقة الملاحظة الفلكية.

الربط بين الفلك، الزمن، والطقوس.

امتلاك معرفة حسابية متقدمة مقارنة بعصورهم.

وقد أسهم هذا العلم في:

تطوير مفاهيم مبكرة عن الزمن الدوري.

فهم حركة الكواكب ضمن نظام ثابت.

التأثير في مدارس علمية لاحقة في الشرق الإسلامي.

في العصر العباسي، حظي الصابئة المندائيون:

بالاعتراف الرسمي كأهل كتاب.

بالاحترام والتقدير من الخلفاء والعلماء. ثابت بن قره والبتاني

بمكانة علمية مرموقة، خصوصاً في الفلك والرياضيات والطب.

وكان يُنظر إليهم على أنهم:

حملة علم ومعرفة.

أهل نباهة وفكر.

مساهمون في النهضة العلمية الإسلامية، لا غرباء عنها.كً

إن علم الصابئة المندائيين في النجوم والكواكب هو امتداد حضاري ومعرفي عريق، جذوره سومرية، وأبعاده علمية، وروحه توحيدية. لم يكن اهتمامهم بالسماء باباً للعبادة، بل نافذة لفهم الخلق والنظام الكوني الذي أبدعه الله الواحد.

ومن الواجب الثقافي والأكاديمي اليوم:

إعادة قراءة هذا التراث بإنصاف.

تصحيح المفاهيم المغلوطة.

الاعتراف بدور الصابئة المندائيين في تاريخ العلم الإنساني.

فالمعرفة لا تُدان، والعلم لا يُعبد، بل يُفهم…

والخالق واحد، والسماء آية من آياته.

خلص البحث إلى أن اهتمام الصابئة المندائيين بالنجوم والكواكب هو امتداد حضاري ومعرفي لعلم فلكي عريق، وقد برز احد احفادهم في العصر الحديث هو العالم المندائي عبد الجبار عبد الله عالم فيريائي وانواء جوية

اذن علم الفلك هو علم لا علاقة له بالعبادة. والصابئة المندائيون يمثلون أحد أقدم الأديان التوحيدية التي تعاملت مع الكون بوصفه نظاماً إلهياً دقيقاً، يستحق الفهم لا التقديس

***

بقلم: خليل الحلي

رئيس تحرير صحيفة العهد/ سدني

في المثقف اليوم