أقلام حرة
نهاد الحديثي: ثقافتنا الرياضية.. كيف نصقلها؟
الرياضة انواع: رياضة كرة القدم، ورياضة الكرة الطائرة، ورياضة كرة السلة، ورياضة ألعاب القوى، ورياضة كمال الأجسام، ورياضة السباحة، ورياضة المشي، ورياضة الجري، ورياضة كرة المضرب، ورياضة التمارين اللياقية، ورياضة ركوب الخيل، ورياضة الرماية، ورياضة الدراجات: الهوائية، والنارية، والمائية. وغيرها من ألوان الرياضات الجماعية، والفردية. وفيها يكتسب الجسم صحةً، ولياقةً، وطاقةً، وقوة، فيصبح قادراً على أداء أنماط حياته بشكل مرن، إضافة إلى كون الرياضة وسيلة ناجعة – بعد الله تعالى - لاتقاء كثير من الأمراض، والأعراض، والأخطار. وكلما حاول الإنسان تدريب جسمه على أصناف مختلفة من الرياضة حقق كثيراً من المتعة، والحيوية، والنشاط ، ويحرصُ كثير من الناس على الرِّياضة؛ لأنها تساعدهم على عيش حياة صحية، وبناء جسم سليم، ، والرياضة تركز على بناء عضلات الجسم كقوة ولكنها اهملت اعضاء اخرى مهمة في جسم الانسان كالعينين، واللسان، والشفتين، والأنف، والأذنين، مع أنها من أهم أعضاء الجسم، بل هي الأعضاء الأكثر دقة، وحساسية؛ لأنها مرتبطة بالذوق، والحس، والإدراك، وقد قال تعالى في سورة البلد: «أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ،، فهذه الأعضاء مهمة جداً، ويُغفِل كثير من الناس قيمتها، ومن هنا فإن استشعار هذه النعمة، والاعتناء بوظائفها، أمر في غاية الأهمية، وأظن أن المتخصصين في الطب، وعلوم الأعضاء، يؤكدون على ضرورة وجود رياضة تخصّ تلك الأعضاء
الاديب والكاتب والناقد والمثقف يركزون على مهارة القلم واللسان ، والخطيب يستعمل لسانه في أي شأنٍ تواصلي، عليه أن يمنح لسانه جانباً من التمرن على النطق السليم، والصوت الواضح، ولفت اهل الاختصاص إلى ضرورة تحريك اللسان، وتمرينه، اللسان عضوٌ إذا مرّنته، مَرَن، وإذا أهملته خار، كاليد التي تُخشّنها بالممارسة، والبدن الذي تقوّيه برفع الحجر وما أشبه، والرِّجل إذا عُوِّدَتْ المشي مَشَت». فقد جعل تمرين اللسان، لا يقل عن تمرين سائر الأعضاء، بل يربطه برفع الأثقال، وكثرة المشي، وهنا تكمن المفارقة
في المجتمعات المتقدمة، يعتبرون الرياضة ليست ترفا بل ممارسةٌ يومية تدخل في نسيج الحياة العامة، يتسع تأثيرها من الملاعب إلى المدارس، ومن الشاشات إلى الوعي الجمعي، إنها مرآةٌ لمدى رقيّ الثقافة العامة، فحيثما تزدهر الثقافة الرياضية يزدهر معها الانضباط، والتعاون، والمسؤولية، والاحترام ، كما يعتبرون الرياضة لغة من لغات الوعي،لأنها تعلمنا كيف نتحرّك دون أن نتصادم، وكيف نتنافس دون أن نتحاسد، وكيف نحيا بروح كبيرة ترى في الملعب صورة مصغّرة للعالم الذي نريد أن نعيش فيه..
ليست الرياضة مجرّد عرقٍ يتصبّب في الميادين، ولا صخبَ مدرجاتٍ يملؤه الهتاف؛ إنها لغة الوعي حين يتحوّل الجسد إلى فكرة، والفكرة إلى سلوكٍ يعكس ما في الإنسان من اتزانٍ ونضج، فكل مجتمعٍ يدرك قيمة الرياضة لا يراها حركةً عضلية فحسب، بل منظومة فكرٍ وثقافةٍ متكاملة تصوغ علاقة الفرد بذاته وبالآخرين، وتعيد تعريف معنى الحياة المتوازنة بين العقل والجسد،، الثقافة الرياضية لم تعد هامشًا من هوامش الوعي، بل أصبحت ركناً أصيلاً في تشكيل الشخصية الاجتماعية، فهي التي تزرع مفاهيم الجهد، والمثابرة، والروح الجماعية، وتعيد صياغة السلوك العام بمنطقٍ حضاري يجعل من الفرد كائناً أكثر وعياً بنفسه وبمجتمعه.
إنها ثقافة تعيد تعريف القيم، وتحوّل الممارسة إلى مرآةٍ للأخلاق، فكل تمرينٍ رياضي هو درسٌ في الصبر والانضباط، وكل مباراة هي مختبرٌ عملي للقيم الإنسانية من شجاعةٍ وعدلٍ وتعاونٍ واحترامٍ للخصم قبل الصديق، ومن هنا فإن الرياضة لا تعلّم الجسد فحسب، بل تهذّب الروح وتربّي الضمير، الجهل بالرياضة وجهٌ من أوجه الفقر الثقافي، فإن نشر الثقافة الرياضية يصبح مسؤولية جماعية تتقاطع فيها أدوار المدرسة والإعلام والنوادي والمؤسسات، المدرسة مثلاً ليست ملعباً بدنيًّا فحسب، بل ينبغي أن تكون منبراً للفكر الرياضي، تُعلِّم النظري قبل العملي، وتغرس مفاهيم الصحة والمسؤولية، وتربط بين الرياضة والعلم، فلا تبقى مكونات وبناءات الرياضة مجرّد درسٍ عابر، بل فلسفة تربوية شاملة
الأكاديميون وخريجو كليات التربية الرياضية، فدورهم لا يقف عند حدود التدريب أو التعليم، بل يمتد إلى الوعي الاجتماعي، عبر نشر الفكر الرياضي في فضاءات المجتمع كافة، فهم حملة رسالة ثقافية تتجاوز الأجساد إلى العقول، وتحوّل الرياضة من نشاطٍ فردي إلى وعيٍ جماعيٍّ مستنير، ونشر الوعي الرياضي يخلصنا من التوتر وضغوط الحياة بأسلوبٍ صحيّ، فالثقافة الرياضية لا تصنع أجساداً قوية فقط، بل تصنع عقولاً متّقدة وضمائرَ حية تدرك أن الحركة حياة، وأن السكون موتٌ بطيء.
***
نهاد الحديثي







