أقلام حرة
حيدر عبد السادة: في جدلية الشباب والرياضة
 
			قد تبدو كرة القدم، في ظاهرها، مجرد لعبةٍ تُمارس على رقعةٍ من العشب، غير أن جوهرها الأعمق يتجاوز حدود الملاعب ليبلغ تخوم الاجتماع الإنساني ذاته. ولو قلنا للعالم إن كرة القدم كانت يوماً سبباً في إسكات أزيز الحرب في العراق، لظنّ الناس أننا نسرد أسطورةً من نسج الخيال، غير أنها — في العراق عام 2007 — كانت واقعةً من لحمٍ ودم. ففي زمنٍ كانت الطائفية تمزق الجسد العراقي، بزغ فجرُ الانتصار في كأس آسيا، فغدت الكرة، على بساطتها، رمزاً لوحدةٍ غابت، وشرارةً أطفأت نار الفرقة.
لقد تجلّت في تلك اللحظة حقيقة فلسفية عميقة: أن الرياضة ليست فعلاً جسدياً فحسب، بل طاقة روحية قادرة على إعادة تشكيل الوعي الجمعي، وإذابة الفوارق التي توهّمتها العقول.
غير أن هذا الانتصار، على عظمته، ترك في الذاكرة المؤسسية ظلاً ثقيلاً، إذ انحسر اهتمام وزارة الشباب والرياضة لعقود في مدار كرة القدم، حتى كادت أن تغدو وزارةً لكرة القدم لا للشباب ولا للرياضة. غاب التوازن، وغابت معه الرؤية الكلية التي ترى في تنوّع الرياضات تنوعاً في الفكر، وفي الشغف، وفي إمكانات الأمة.
حتى جاء الدكتور أحمد المبرقع، فهدم تلك النمطية الجامدة، وأعاد إلى الوزارة روحها الأولى، فكانت ثورته — بحق — ثورةً في الفكر قبل أن تكون في الإدارة. لم يُقصِ لعبةً على حساب أخرى، ولم يجعل من كرة القدم معبوداً مؤسسياً، بل وزّع الضوء على الجميع، فأنبتت الرياضات المهمّشة أجنحتها، وارتفعت كرة القدم ذاتها في مدارج الرقي.
ذلك لأن العدل في الرؤية يُثمر عدلاً في النتائج، ولأن التوازن لا ينتج إلا من عقلٍ يدرك فلسفة الكلّ، لا من ذهنٍ أسيرٍ للجزء.
أما في ميدان الشباب، فقد تجلّى المبرقع بوصفه مفكراً اجتماعياً أكثر منه وزيراً تنفيذياً؛ إذ انشغل بتأسيس وعيٍ جديدٍ للشباب، يرى فيهم لا مجرد طاقة عاطفية عابرة، بل “قوة وجود” قادرة على صياغة القرار، ومجابهة واقعٍ يمتحن الإنسان في كل يوم. لقد جعل من فكرة الشباب محوراً لرؤيته كلها، إيماناً منه بأن الأمم لا تُبنى إلا حين يتحوّل الشباب من جمهورٍ منتظر إلى فاعلٍ صانع.
ومن مبادرة (اقرأ) التي أحيت في النفوس لذّة الورق والمعرفة، إلى المجلس الأعلى للشباب الذي جعل من الطاقات مشروعاً وطنياً متدفقاً، إلى الورش السينمائية التي كسرت القوالب وأطلقت الخيال العراقي نحو صناعة الصورة والمعنى — كلها دلائل على أن الرجل لم يكن يُدير وزارة، بل كان يُعيد تعريف مفهوم الدولة الثقافية ذاتها.
إن ما فعله أحمد المبرقع هو أنه استبدل منطق الإدارة بمنطق الرسالة، وحوّل الوزارة من مؤسسةٍ جامدة إلى كائنٍ حيٍّ يتنفس الشباب ويعبّر عنهم. لقد ردّ الاعتبار إلى الفكرة الجوهرية التي تأسست عليها الوزارة: أن الشباب هم المبدأ، والرياضة هي الامتداد، وأن كليهما سبيلٌ نحو الارتقاء بالإنسان والمجتمع.
***
د. حيدر عبد السادة جودة






