أقلام حرة

صادق السامرائي: الإنتصار على التراب!!

الفراعنة سجلوا نصرا فريدا على التراب، فكانت معاركهم الحقيقية معه، فابتكروا آليات حفظ أبدانهم لتبقى عصية على الإلتهام الترابي، فأوجدوا فن التحنيط الموميائي الذي إنتصر على آفات التراب.

المخلوقات الأخرى معظمها تكون طعاما لغيرها من الأحياء، أما البشر فيتحول إلى جيفة نتنة يشتهيها التراب بآفاته المتكالبة على إحالته إلى رميم، فتطهر مكانه من رائحته العفنة.

التراب يطعمنا ويأكلنا، وكأنه يعيد تصنيع ما يعطيه من أجسامنا المتهاوية في حفر النهايات المحتومة، فلن يترك التراب ما يشير إلى معالم المطمور في بطنه، لأنه مفترس شرس لا يعرف الهوادة، وكأنه يستمد طاقات عطائه من الأموات بأنواعها، فهو يعيد تصنيعها وتحليلها إلى عناصرها الأولية، التي يتحقق تركيبها من جديد لتظهر على هيأة لون أخضر، أو مواد أخرى تسمى عناصر كما هي في الجدول الدوري لمندليف.

التراب الذي نمشي عليه، يتكون من لبنات الأحياء المتفسخة، فنحن نتفاعل مع فتات كائنات كانت تمشي فوقه، وأصبحت ذائبة في جسده وتساهم في نشاطاته الحيوية المتمثلة بالإنبات، وتوفير الظروف البيئية لإطلاق ما تختزنه البذور، وكأن الأحياء سماد عضوي مهم لكي يكون التراب وفير العطاء.

التراب ينتصر على مناحي وجودنا بالكامل، ولا يمكن لمخلوق أن يهزمه، فالتراب منه خلقنا وإليه نعود، فلا خيار أمام المخلوقات إلا الإستسلام لإرادته الفتاكة التي تقبض على مصيرها.

يا ترابا من جسوم البشرِ

منك جئنا بمشيئ القدرِ

مثل طيف أو سرابٍ عابرٍ

فوق رمضاءٍ بيوم السفرِ

هل مشينا في ظلامٍ جاثمٍ

أم حسبناها ديار الظفرِ؟

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم