أقلام حرة
نهاد الحديثي: الإعلام ووعي الجمهور

في واقع إعلامي واتصالي وتواصلي متسارع وكثيف بالمحتوى المتنوع، والمعلومات الغزيرة، وتدفق الأخبار عبر منصات متعددة، برزت ظاهرة تعرف بـ"القمامة الإعلامية"، وهي ليست مواد نفايات مادية، بل محتوى إعلامي عديم القيمة، مكرر، وأحيانًا مضلل، يبتعد عن المهنية وينشر السطحية، بهدف جذب الانتباه واستمالة العواطف بأي ثمنومن أراد فهم الفرق الجوهري بين الإعلام النموذجي الرصين والقمامة الإعلامية فذلك يكمن في القيم المهنية، والأخلاقية، والحرص على المعلومة الدقيقة وبناء ثقة الجمهور، أما القمامة الإعلامية فتسعى إلى الربح السريع والانتشار العرضي، وأحياناً يتم توظيف هذه القمامة لاستهداف شرائح معينة بقصد التلاعب بالرأي العام ,, هذا الكم الهائل من المحتوى الذي يفتقر إلى المصداقية والجودة، وغالبًا ما يُنتج بشكل عشوائي وتشمل هذه القمامة الأخبار الزائفة، أو الإشاعات المختلقة والموهومة، وكذلك المقالات والتسجيلات والصور، أو الفيديوهات السطحية التي تكرر مضامين بدون توثيق مصدري وأيضاً المحتوى الترفيهي الذي يتسم بالصخب واستثارة الأنفس فقط دون هدف معرفي أو ثقافي، وزد عليها الإعلانات الفوضوية والساخنة والدعايات المخفية التي قد تروّج لمنتجات أو أفكار غير نزيهة
حماية وعي المستخدم البسيط ليست مهمة معقدة، بل تبدأ بخطوات صغيرة من الانتباه والتمهل في الاستهلاك والمشاركة، كلما زاد وعي الفرد، زادت مقاومته للقمامة الإعلامية، وأصبح جزءًا من مجتمع إعلامي وتواصلي أفضل,,, مؤكد أن يكون لكل نوع من المحتوى جمهوره، القمامة الإعلامية تستهدف جمهورًا متنوعًا كالفئة الباحثة عن التسلية السريعة دون رغبة في التعمق أو جمهور الشباب الذي يقضي أوقاتًا طويلة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر هذه القمامة بوفرة والأشخاص الذين يستهلكون المحتوى بشكل عشوائي لأنه ليس لديهم قدرة نقدية وطاقة للفرز بين الجيد والرديء من هنا تبرز مسؤولية الجمهور في تطوير الوعي الإعلامي والتفكير الناقد
المؤسسات الإعلامية: يجب أن تلتزم بالمعايير المهنية وتبتعد عن الإثارة المفرطة والترويج غير النزيه,, التربية الإعلامية: تعزيز وعي الجمهور بمهارات التفكير النقدي والتمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة وذلك عن طريق وسائل التوعية المتاحة والدورات,, يحب سن قوانين تحارب الأخبار الزائفة وتحمي حرية الإعلام في الوقت ذاته -- حماية وعي المستخدم البسيط ليست مهمة معقدة، بل تبدأ بخطوات صغيرة من الانتباه والتمهل في الاستهلاك والمشاركة، كلما زاد وعي الفرد، زادت مقاومته للقمامة الإعلامية، وأصبح جزءًا من مجتمع إعلامي وتواصلي أفضل
في السابق، كانت إدارة الأزمات الإعلامية محصورة بين بيان رسمي، أو تغطية مرئية، أو الصمت المطبق كما هو متبع غالبا في أغلب الحالات، أما اليوم، فالأزمة تبدأ بتغريدة، أو مقطع سناب شات، أو حتى صورة -حتى لو كانت إشاعة- تتناقلها مجموعات “واتساب”، لتتحول خلال دقائق إلى رأي عام أو كما يعرف في مجالنا الإعلامي بأزمة اتصالية، يطالب فيها برد، ومحاسبة، وتفسير، وتحرك، وقرار، وكل ذلك خلال فترة قصيرة!,, منصة “واتساب” تحديدًا تشكّل تحديًا خاصًا؛ كونها منصة مغلقة وتبادلية، يصعب تتبع مصدر المعلومة فيها. غالبا تبدأ الأزمة بعبارة “وصلني الآن” يتبعها تسجيل صوتي أو لقطة شاشة مفبركة، لتنتشر في مئات القروبات، وتبدأ بالتأثير على الرأي العام قبل أن تصدر الجهات المعنية أي توضيح، وهو درس يعكس كيف أن أغلب الأزمات الإعلامية لا تبدأ من منصة إعلامية تقليدية، بل من الواتساب ,, شبكات التواصل الأخرى أيضًا، وعلى رأسها “Xو”تيك توك”، زادت من تعقيد المشهد، حيث إن سرعة الانتشار و”الفايروسية” قد تسبق أي رد رسمي، ومثال حيّ لما حدث مع أحد شركات الأطعمة، فلم تنجح الشركة في احتواء الغضب تجاه إحدى الأزمات التي حدثت، ولم يكن صيغة الاعتذار ظاهرة في البيان الذي نشر، ولم يكن الرد سريعا بما يكفي، لتتفاقم المشكلة وتصاعدت الأزمة لتصل إلى المطالبة للمقاطعة بالكامل
الإعلام التقليدي لم يعد قادرًا وحده على التحكم بالسرد. بل أصبحت هناك حاجة ماسة إلى تواجد متكامل ومترابط بين القنوات الإعلامية والمنصات الاجتماعية، فالمتحدث الرسمي لا يمكنه الانتظار، بل يجب أن يكون حاضرًا على منصفة أكس أو عبر شبكة لينكدان، وأن يرد في مجموعة خاصة بالإعلاميين عبر الواتساب، وأن ييقابل الجمهور في منصته المفضلة، بلغته، وبسرعته,, تقرير لمعهد رويترز للصحافة عام 2024 أشار إلى أن 64 % من مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط يفضلون منصات التواصل، وخاصة “الواتساب” ومنصة "إكس" و”سناب شات”، كمصادر أولية للمعلومات، حتى وإن كانت غير موثوقة، هذا التغيير في السلوك الإعلامي يجعل من الضروري أن تعيد الجهات والمؤسسات، الحكومية والخاصة، بناء استراتيجياتها الاتصالية على أسس المرونة، والجاهزية الرقمية، والذكاء العاطفي ,, ومع نمو المؤسسات الإعلامية الرقمية، ودعم المؤسسات المعنية لهذا التحول، فإن الفرصة قائمة لقيادة نموذج إقليمي متقدم في إدارة الأزمات الإعلامية الحديثة، يشمل الإعلام التقليدي، ومنصات التواصل، وتطبيقات الدردشة الجماعية,, الأزمة الإعلامية اليوم لا تُقاس بحجمها، بل بسرعة احتوائها؛ ومن يديرها بذكاء، يُكتب له النجاة.. ومن يتأخر، يُحكم عليه بمنطق “السكوت علامة الإدانة”، والصمت ليس على كل الأحوال حكمة اليوم، من لا يتقن فن الإنصات، والتفاعل، والتحقق، وإعادة البناء السردي، لن ينجو من عواصف الفضاء الرقمي. هذا الإعلام لم يعد يكتب الخبر فقط، بل يعيشه، ويشكّل تصوره، ويواجه ارتداداته؛
***
نهاد الحديثي