أقلام حرة
صادق السامرائي: رواية الرواية!!

براءة الأطفال في السلوك قد تدفع إلى ما لا تحمد عقباه في زمن تتعقد فيه الأمور وتسوء الأحوال، وقد سمع شاب بما يسمى " مسابقة القادسية للرواية"، وكانت في دائرة الشؤون الثقافية في شارع الجمهورية، وزمانها ثمانينيات القرن العشرين، أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
فكتب صاحبنا رواية، وذهب إلى باب المعظم لعمل أربعة نسخ منها، وقدمها للمسابقة، لكنها لم تفز، وكرر المشاركة في المسابقة الثانية، والثالثة، والرابعة، ولم تفز أي من رواياته الأربعة!!
فذهب غاضبا متحمسا إلى تلك الدائرة، وإلتقاه سكرتيرها، فباغته غاضبا: كيف لا تفز ولا رواية من رواياتي، وأنتم تعلنون فوز روايات باهتة لا قيمة لها ولا معنى، وهي عبارة عن أكاذيب مسطورة بلغة ركيكة!!
حدق السكرتير بوجهه مندهشا، وتردد في الجواب، ثم ترك كرسيه، واقترب منه وهمس بأذنيه.
- لو لم يكن قريبك فلان الفلاني صديقي، لإنتهيت إلى الأمن!!
- أنت تكتب عن حالات إنسانية، والمطلوب أدب معركة!!
- أ تعرف ما معنى أدب المعركة؟!!
وقف متسمرا ومذهولا ومرعوبا، لكنه إستعاد رباطة جأشه وقال:
- كيف تقوز رواية تتحدث عن جندي يرقص فرحا للموت، أ هذا يتطابق مع السلوك البشري؟!
إشتاط السكرتير غضبا، وكأنه هم بطرده من المكتب، لكنه عاد وقال:
- أرجو أن تفهم معنى أدب المعركة!!
إحتار صاحبنا في الأمر، وقال:
- لن أشترك بعد اليوم في هذه المسابقة فلا جدوى من ورائها!!
وأضاف:
بودي أن أطلع على رأي لجنة التحكيم بما قدمته لهم
فذهب السكرتير إلى داخل الدائرة وجلب إحدى الروايات وكان مكتوبا عليها " الكاتب يمتلك طاقة إبداعية تفيده مستقبلا"، والتوقيع جبرا إبراهيم جبرا
أخذ الرواية، وغنم بهذا الرأي الذي مضى يتأمله طويلا.
وغادر الدائرة وهو يتلفت يمنة ويسرى ولا يدري كيف سار في شارع الجمهورية، وفي رأسه تتردد عبارة أدب المعركة!!
لعن الرواية وكتابتها، وقرر أن لا يعود إليها بعد اليوم، فكل شيئ بحاجة إلى سوق، ومعظم الأدب للنفاق والدجل والمتاجرة، ومن الصعب أن يكون الكاتب حرا، ولهذا قرر صاحبنا الصمت!!
وأدرك أن الأحرار منبوذون، والرقص على إيقاع الجموع الهادرة بما لا تعنيه، هو الطريق نحو الحياة في مستنقعات التضليل والنفاق.
ومضى يتساءل عن أسرار دفن الحقائق في جثامين الأبرياء المغفلين!!
أضاليل بها الأجيال فازتْ
تغفلها وفي وهمٍ تداعتْ
قواها من بديع الخوفِ تُسقى
وإن نطقتْ بحقٍ إسْتراعتْ
فلن تحيا شعوبٌ في قطيعٍ
إذا غُنِمتْ بعدوانٍ تثاغتْ
تَشابهتِ الحواضرُ والغوادي
كأنّ سُراتها فيها تواصتْ
***
د. صادق السامرائي