أقلام حرة

صادق السامرائي: مَن نحن؟!

الواقع السائد في ديارنا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لا يمثل حقيقتنا وجوهر ما فينا، وإنما هو مُشكّل وفقا لمصالح الدول التي غنمتنا بعد هزيمة الدولة العثمانية، في حرب لا نافة لها فيها ولا جمل، وكأنها سلوك إنتحاري مقصود للقضاء عليها، مما يثير شكوكا حول الشباب العسكريين الذين أخذوها إلى حتفها.

ويبدو أن مجتمعاتنا لم تستطع إستعادة ذاتها وقدرتها على التواصل الحضاري، وظهرت فيها نظريات عقائدية وحزبية تريد ذلك، لكنها لا تمتلك مهارات تحويل الفكرة إلى حالة عملية قابلة للتطبيق المؤثر، والمتفاعل مع الواقع لتطويره وحث المواطنين للمساهمة في تثمير الفكرة .

المسافة شاسعة بين نحن المستوردة، أو المصنعة في بلاد الطامعين بنا، ونحن الحقيقية، مما تسبب بتداعيات متراكمة، لأن نحن المستوردة ذات قدرات إعلامية وسياسية وعسكرية، بينما نحن الحقيقية تلوذ في ضعفها وعدم قدرتها على التعبير عن نفسها.

ووفقا لذلك فالأمة تحت ضغوط سلخها من ذاتها وهويتها، ودفعها لإرتداء أسمال الذل والهوان والتبعية والخنوع والإبتذال، وعندها تتحرر من جوهرها، وتبتعد عن مسيرتها وتذبل إرادتها، وتتحول إلى عصف مأكول.

والموجع في الأمر، أن العديد من أبنائها يتهافتون على مسخها والتغني بالمستوردات، والتفاعل معها على أنها تمت بصلة لجوهرها وحقيقتها، فتجد ميادين الإبداع تحفل بما ينال من الأمة ويفتت وجودها، ويتباهى بالتواصل مع المستحضرات المسوقة لتشويهها وسحق ذاتها وموضوعها.

وبرغم أن طريق البحث الجاد عن ذات الأمة موحش وعسير، فلا بد لأجيالها أن تستردها وتسعى في رحاب قدراتها الحضارية، ورسالاتها الإنسانية القائدة الرائدة.

فواقعنا لا يمثلنا بل يمتهننا، ويشوّه حقيقتنا، وعلينا أن نتمسك بجذورنا، ونعلي دوحة وجودنا الوارفة الظلال.

إنها نحن أغاضت إننا

حشروها كوجيعٍ بيننا

جلبوها من ديارٍ بعدت

وطنوها لتعادي كلنا

ذاتنا أصلٌ وصدقٌ نهجنا

وعلى الآفاق دامت أمنا

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم