أقلام حرة

خليل الحلي: فنّ اتخاذ القرار.. بين التأني والتسرّع

اتخاذ القرار ليس خطوة عشوائية، بل هو مسار مدروس يمر بعدّة مراحل تبدأ بالدراسة والتحليل، ثم الموازنة بين البدائل، فاختيار الوسائل المناسبة لتحقيق الهدف المنشود. كثيرون يتعاملون مع القرار وكأنه لحظة واحدة، فيسقطون في فخ العجلة، ويفقدون دقة الحكم وصواب الاختيار.

القرار السليم لا يُولد من لحظة انفعال، ولا من ضغوط الآخرين الذين قد لا يعون تبعاته كما تعيها أنت. بل يحتاج إلى صفاء ذهني، وهدوء في المزاج، ونظرة شمولية تأخذ في الاعتبار جميع الظروف والعوامل المحيطة. فليس من الحكمة أن يُتخذ قرار مهم وأنت في حالة غضب أو توتر، فالعقل حينها قد لا يرى الصورة كاملة.

الناجح هو من يتحكم في حياته، يرسم مساره بوعي، ويختار قراراته بعناية. لا بأس أن نتعلّم من الآخرين، أن نستلهم من سلوكياتهم وتجاربهم، ولكن دون أن نفقد هويتنا، أو نتحول إلى نسخة عنهم. فالشخصية المتزنة تُبنى على الوعي الذاتي، والتفرّد في التفكير، والثقة في الاختيار.

إن القدرة على اتخاذ القرار تُعد من أبرز سمات الإنسان الناضج. فالحياة لا تخلو من مواقف تتطلب حسمًا، وغالبًا ما يكون القرار هو الفاصل بين النجاح والتعثّر. ومتى ما كان القرار مبنيًا على هدف واضح، ازدادت الحاجة للتأني في اتخاذه، فكلما عظم الهدف، وجب التروي في اختيار الوسيلة الأنسب لتحقيقه.

وقد يجد الإنسان نفسه أمام هدفين قريبين إلى قلبه، وهنا تبرز مهارة المفاضلة والقدرة على قياس المنفعة، سواء في الوقت الحاضر أو المستقبل. وعندها فقط، سيتوصل إلى القرار الصائب الذي يجنبّه العناء لاحقًا.

في النهاية، لا يُختبر نجاح القادة والمسؤولين إلا في مواقف الأزمات، ولا تُقاس كفاءتهم إلا بقراراتهم في لحظات التحدي. إذ إن القيادة الحقيقية، ليست فقط في إدارة الأمور اليومية، بل في صنع القرار الصائب وقت الأزمات، وفي القدرة على التحرك الفعّال بدلاً من انتظار الحلول من الآخرين.

التأني في اتخاذ القرار ليس ضعفًا، بل هو قوة ناعمة تُظهر عمق الرؤية، ورجاحة العقل، وبعد النظر.

***

بقلم: خليل إبراهيم الحلي / سدني

 

في المثقف اليوم