أقلام حرة

محمد سعد: ليلة العيد.. حين يغيب القمر ويبقى الحنين

في ليلة حالكة من السواد، جلست على الناصية، فوق مصطبة عريضة، أراقب ظلال الماضي وهي تتراقص أمامي كأطياف بعيدة. كان الهواء ثقيلاً، مشبعًا بصمتٍ يذكّرني بتلك الليالي الخوالي، عندما كانت السماء تحتضن أحلام الطفولة، ولم يكن للحزن مكانٌ في قلبي.

تذكرت ليلة العيد في قريتي، حيث كانت الأضواء الخافتة المنبعثة من مصابيح الزيت تضفي سحرًا خاصًا على الأزقة الضيقة. كنت أركض حافي القدمين بين الحقول، أستنشق عبير الأرض الندية، وأحلم بعالم لا يعرف سوى الفرح. كان الزمن آنذاك لطيفًا، لا يسرع خطاه كما يفعل الآن، وكأن الأيام كانت تمنحنا فسحةً لنتذوق الحياة دون استعجال.

يا ليلة العيد، ماذا تحملين لنا من الذكريات؟ هل تعيدين لنا الحنين فقط، أم أن العمر مضى وكبرنا، وأصبحنا ذاكرة عابرة ستطويها الأيام؟ ليلة غاب فيها القمر، وبقيت أنا أعيش وسط حنين لا ينتهي، وذكريات تتدفق في داخلي كالنهر، تحملني إلى زمن كنت فيه أكثر امتلاءً بالحياة.

الآن، وأنا جالس في هذه العتمة، أشعر أنني محاط بتراث عابر رمادي، لا لون له سوى الحنين. هل كانت تلك الأيام مجرد سراب، أم أن الحياة هي التي فقدت بريقها؟ أبحث في وجوه العابرين عن ملامح الطفولة، فلا أجد سوى انعكاسات باهتة لما كنّا عليه. أصبح الأمل مثل نجم بعيد، يلوح من حين لآخر لكنه لا يقترب أبدًا.

تمر الأيام، وتمر معها سحابةٌ غير ماطرة، تلوّح لي بأن القادم قد يكون أكثر قسوة. لكنني أتمسك بذرات الضوء القليلة المتبقية، لعلّني أجد فيها طريقًا للخلاص من هذا الظلام الممتد. وربما، في ليلة أخرى، تحت سماء أكثر صفاءً، أتمكن من استعادة ذلك الإحساس العذب الذي كان يملأ روحي ذات يوم....!!

***

من يوميات  كاتب في الأرياف

 محمد سعد عبد اللطيف، كاتب وباحث مصرى.

 

في المثقف اليوم